فى كل مرة أرى فيها ماجد الكدوانى على الشاشة أشعر كأننى أراه لأول مرة.. دائما ما يمتلك الكدوانى القدرة على أن يثير دهشتى بتلك اللمحات الخاصة التى يلتقطها ويمنحها لشخصياته التى يبثها خصوصية وحياة ونبضا، وهكذا فإن الجائزة التى حصل عليها مؤخرا من مهرجان أبو ظبى كأفضل ممثل كان من المستحيل أن تخطئه، فلقد جاءت لمن استحقها وعن جدارة. مسافة بين أن تمثل وأن تتعايش وتتقمص، والكدوانى صار يقطع بسهولة هذه الرحلة، فهو لا يحتفظ أبدا بأى تفاصيل سابقة التجهيز مما أصبح يمثل حالة من الاستسهال دأب عليها قسط وافر من النجوم تستطيع أن تراهم كأنهم يضيفون لمحات يجيدون رشها على الدور مثلما يضيف صانع الأطعمة الكاتشب والمايونيز على أطباقه فتتشابه فى مذاقها، بينما الكدوانى يترك دائما الشخصية الدرامية ترسم خطوطها وظلالها على مشاعره ويصبح هو منفذا لأوامرها، هى التى تحرك بداخله ومضات الإبداع، ولهذا ينتقل من شخصية درامية إلى أخرى وهو موقن أنه لا يكرر لازمة أو حركة، فكل دور يؤديه يملك مقوماته الخاصة التى لا يمكن أن تتطابق مع أى شخصية أخرى سبق له أداؤها، ولهذا رأيته فى مهرجان دبى وهو يحصل على جائزة أفضل ممثل عن دور ضابط الشرطة فى فيلم «678»، وبعد أقل من عام يقتنصها من أبو ظبى عن أدائه دور المذيع فى «أسماء». ماجد لم يحقق فى الشارع حتى الآن جماهيرية ضخمة تتوافق مع تفرد موهبته، إنه ينتمى إلى قبيلة من المبدعين الكبار الذين رحلوا عن عالمنا ولكن تظل بصماتهم فى وجداننا مثل زكى رستم ومحمود المليجى وصلاح منصور وسناء جميل، ليسوا نجوما للشباك ولكنهم نجوم فى الوجدان.. إلا أن هذا لا ينفى أبدا أنهم فى علاقة حميمية مع الشارع. أتذكر قبل نحو أكثر من عام انتشرت هذه النكتة فى رمضان بعد إعلانين قدم الأول محمد منير والثانى ماجد الكدوانى، وتردد وقتها أن منير حصل على 7 ملايين جنيه مقابل الإعلان، بينما الكدوانى حصل على بضعة آلاف، فكان باقى النكتة يضيف أن ماجد الكدوانى كان أجره البطيخة كاملة! كان حضوره لافتا من خلال إعلان لا يتجاوز زمنه دقيقة وكان المشاهدون ينتظرونه بشغف.. الفكرة قائمة على اللعب بالمستحيلات، شراء نصف بطيخة، نصف رغيف، صفحة الرياضة من الجريدة، نصف حذاء، قميص من غير بنطلون، إنه يقع فى إطار الإعلانات منخفضة التكاليف، ورغم ذلك فإنه حقق شعبية فى البيت أكثر من ذلك الذى تكلف الملايين، وهكذا منحوه بحب «البطيخة كاملة»! أتابع خُطَى ماجد الكدوانى بقدر لا يُنكَر من الاهتمام، فهو أحد النجوم الذين يشعّون دفئا فى الأدوار التى يؤديها مهما صغر حجمها.. رحلة ماجد مع الفن تقترب من عشرين عاما، وكالعادة جاءت البداية فى أدوار صغيرة ثم قدم دور صديق البطل فى فيلمَى «حرامية فى كى جى تو» و«حرامية فى تايلاند»، وكان بينه وبين كريم عبد العزيز قدر ملحوظ من الكيميائية، وعزفت المخرجة ساندرا نشأت بمهارة على هذا الوتر... جاءته البطولة قبل ستة أعوام فى فيلم «جاى فى السريع»، وغادر الفيلم دور العرض سريعا أيضا.. كان من الممكن أن يقضى عليه الفشل الذى مُنِى به الفيلم، ومهما كان ما بالشريط السينمائى من قصور فإن البطل فى العادة يتحمل بمفرده المسؤولية.. الموهبة الحقيقية تستطيع أن تتأكد من صدقها وعمقها، لا عند معانقة النجاح ولكن فى أسلوب مواجهة الفشل.. لم يترك ماجد الميدان ولم يكتئب أو لعله فعلها بضعة أيام أو أسابيع، إلا أنه قفز بعيدا عن هذه البئر السحيقة وعاد فى فيلم «الرهينة» أيضا للمخرجة ساندرا نشأت وقدم واحدا من أروع الأدوار أمام بطل الفيلم أحمد عز.. وانتقل إلى البطولة الجماعية فى فيلمَى «كباريه» و«الفرح»، وكالعادة سرق الكاميرا واستحوذ على مشاعرنا.. ماجد يتعامل على أرض الواقع، ولهذا قد يقبل دورا صغيرا فى مساحته ولكنه يضيف إليه من مشاعره فنراه وقد احتل الشاشة كلها، فهو ينفذ إلى الناس لأنه لا يضع على أدواره «الكاتشب»!