الثورة مستمرة وتنتصر.. والدليل: عمرو موسى. عمرو موسى فى أيام الثورة الأولى كان: الرئيس القادم. الرئيس الممكن والوحيد. إنه «مينى ديكتاتور» يصلح لفترة انتقال بعد عهود من ديكتاتورية ثقيلة.. عمرو موسى كان يلبى احتياج جمهوره من شرائح المنتظرين لديكتاتور عادل، يمسك البلد بقبضة من حديد، ويقودها إلى بر الأمان، هؤلاء لا يرون الحل إلا فى الديكتاتور، وتغريهم أناقة عمرو موسى ونجوميته، لا يرون فيه سلطويا تربى فى مؤسسات، لا ترى الشعب إلا فى وضع «المؤيد» والمصفق، فى وضع «الجمهور القابل للترويض»، ربما كانت المرحلة الانتقالية تحتاج إلى «مينى ديكتاتور»، يرث مبارك، ولا يعيد إنتاجه تماما، لكن عمرو موسى لم يقدم ما يمنح الأمل فى أنه قادر على العبور، وكل ما فعله هو تقديم رتوش على صورته المصنوعة على يد «شعبولا». وربما كان عمرو موسى الديكتاتور فى صورته الشعبية.. وكان فى ظن البعض لديه ما يمكن أن يعبر بمصر مرحلتها الانتقالية.. لكن هذه التصورات تبخرت مع انتشار قيم جديدة، وانتظارات جديدة، تزاحم الثقافة الثقيلة التى تجعل المصريين شعبا فى انتظار ديكتاتور. عمرو موسى ابن نظام، وسليل موظفى الدولة الناصرية، ابن عائلة مهاجرة من أرياف الغربية والقليوبية، تخرج فى كلية الحقوق (مصنع الوزراء فى العصر الملكى)، لكنه انضم إلى قسم الأبحاث فى الخارجية المصرية سنة (1958) قبل أن يطير بين السفارات، ويستقر حاملا خصائص دبلوماسية عصور مختلفة، ليوظفها فى خدمة مبارك، ورغبته فى أن يحجز موقع مصر فى المنطقة، من دون أن يفعل بها شيئا. عمرو موسى يدخل عالم السياسة من بوابة الدبلوماسية، صنعت له عند قطاعات تتأثر بالصورة التليفزيونية ل«آخر الرجال المحترمين» بين نظام عاش على حكمة بليدة تخزن القوة فى ثلاجات عملاقة. مجرد نبرة مختلفة عن نغمة هذه الحكمة، اقتنصت لعمرو موسى شعبية، وأصبح هو الناجى الوحيد من النظام، ويبحث باسم هذه النجاة عن المقعد العالى. لكن القوى الثورية الجديدة قالت له من البداية: «انس يا عمرو». لماذا؟ لأنه ابن نظام، وعاش فى خدمته، ولا بد أن يرحل معه، هو استمرار لا تغيير، وتواصل لا انقطاع، هو سلالة موظفى الأنظمة، لكنه يعيش منذ اكتشاف إمكانية اللعب على الكاريزما، بشعور خفى بعظمة النجم الممنوع من الصعود على المسرح. رغم أنه ليس ممنوعا، ونجوميته قامت على أطلال «تراجع» النظام الذى عاش فى ظله. الجمهور المصرى كان تعيسا، مثل شعوب تبحث عن أبطال يعوضون شعور العجز بالتعلق بأطراف بطل، أو من يوحى بالبطولة. ويرى البعض أن الجزء المنتمى للنظام فى عمرو موسى ميزة، لأنه مدنى فى دولة تعودت على حكم العسكر.. ومن مدرسة «الدولة القديمة»، وتكونت له خبرات خارج النظام فى الجامعة العربية.. هذه مميزات يرد عليها فورا.. «عمرو موسى هو عمرو موسى..» حنجرة ولا فاعلية. موسى مدافع لا يستطيع بناء المواقف السياسية، ولا نسج شبكات يمكنها أن تخرج عن حدود المواقف الرسمية، فهو ظاهرة صوتية، لا توقف الحركة على أرض الواقع، لكنها تضعها فى منطقة حروب الاستعراض. هذه الاستعراضية كانت ورقته الكبيرة فى الأيام الأولى للثورة، عندما كان «المرشح الأول» للرئاسة..الآن أين عمرو موسى؟ والمهم أن الفكرة التى كانت تعطى لعمرو موسى الأولية لم تعد مسيطرة، اهتزت ثقافة انتظار الديكتاتور.. وهذا دليل على أن الثورة مستمرة وتنتصر.