من طباع الضباع أنها تنتهز أقل فرصة للهرب بغنائمها المسروقة، وأنها تتكاتف لتغدر بأعدائها، ويقال إن بعضها يستلقى مدعيا الموت ويطلق ريحا خبيثة كما تفعل صغار الثعالب عندما يداهمها الخطر. جال هذا بخاطرى عندما أنكر الضبع العجوز المتمارض وجرواه (ولداه) وعصابته من السفاحين الذين ضمهم قفص واحد، كل صلة لهم بجرائمهم الوحشية التى شاهدها العالم على شاشات الفضائيات. فى الوقت الذى تمكن فيه آخرون من الضباع الذين يرتعون خارج القفص من تدبير خطة لحرمان أهالى الشهداء ومحاميهم المخضرمين من حضور المحاكمة، لكى تسنح الفرصة لأتباع النظام القديم بالاعتداء عليهم كما شاهدنا على الهواء. فإذا كنت ممن يدافعون عن مبارك أو يتعاطفون معه فمن واجبى أن ألفت نظرك إلى كثير مما يجب أن تضعه فى اعتبارك، فإن تماديت وطاب لك بعدها الارتماء فى أحضان الضبع فهذا حقك الذى لا أنكره عليك. فمن يحمل قربة مثقوبة تخر على رأسه، وما أدراك بما تحويه قربته من الأوساخ فلا تلومن إلا نفسك. أولا: عندما يخطئ الزعماء الوطنيون حتى وإن كانوا من المستبدين فإنهم لا ينتظرون حتى تحاكمهم شعوبهم. فعلها عبد الناصر بعد هزيمة العام السابع والستين، واعترف بتقصيره بلا تلكؤ وعلى الهواء قبل أن يوجه الشعب إليه أى اتهام، وأعلن بشجاعة أنه يتحمل وزرها بمفرده، فاحترمه خصومه قبل أنصاره، وأعاد المصريون تفويضه للاستمرار فى قيادتهم فى واقعة تاريخية غير مسبوقة. أقول هذا رغم اقتناعى التام بأن عصره ألقى بنا إلى ديكتاتورية عسكرية لم نتخلص منها بعد. ذلك مثال أستدعيه من تاريخنا القريب لأوضح لك فضيلة الاعتراف بالخطأ، فإن كنت تحتاج إلى أمثلة أخرى أنصع بياضا فعليك أن تراجع تاريخ الأمم الآسيوية التى ينتحر قادتها وزعماؤها بشجاعة وعلانية على طريقة (الهاراكيرى) اليابانية حين يثبت تقصيرهم فى حقوق شعوبهم. ثانيا: كيف تحترم شخصا ظل يراوغ لشهور ويتمارض بلا خجل ليستدرر عطف الشعب والمجلس العسكرى الحاكم ولم يخجل من قيام البعض من أتباعه بالإعلان أمام الرأى العام بأنه (زعيمك القائد الهمام) يتشبث بسريره كالأطفال كلما أتت سيرة محاكمته؟! هل هذه صورة تحترمها لبطلك الذى تدافع عنه حتى بافتراض أنه يمتلك أدلة تنقذه من التورط فى ما ينسب إليه من الجرائم؟ ثالثا: زعماء العصابات والمافيات فقط هم الذين ينكرون التهم الموجهة إليهم بدم بارد، ويقسمون بأنهم أبرياء بينما تتلوث أياديهم بأدلة إدانتهم. هذه هى سيكولوجية اللصوص والبلطجية وشيوخ المنسر، بينما يفترض أن تكون للزعماء سيكولوجية مختلفة لا تتسم بالوضاعة. أليس كذلك؟ رابعا: هل كنت حضرتك تعيش معنا على أرض مصر أم أنك كنت تعيش على سطح كوكب آخر؟ كيف تتعاطف مع رجل عذبت أجهزته الأمنية الشرسة جميع من اختلفوا معه، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار واتهمتهم بالعمالة، لأنهم رفضوا إفساده للحياة السياسية ومحاولته توريث الحكم؟ هل تنكر تردى مستوى المعيشة والرعاية الصحية وتفشى الأمراض المزمنة فى أبدان إخوتك المواطنين فى عهده السعيد؟ ألم تعمل عقلك مرة واحدة لتربط ما بين كل تلك الكوارث وبين سياساته الاقتصادية التى أنشأت طبقة رأسمالية طفيلية متوحشة أوصلها ابنه إلى سدة الحكم، ولم يكن لها من هم سوى تطبيق مبدأ «خذ النقود واهرب»؟ ألم تر هواننا بين الأمم على يديه، الذى تزامن مع ترفقه بأعدائنا التاريخيين وتفانيه فى تقديم الخدمات المجانية لهم؟ أتنكر ضحالة التعليم الذى منحته حكوماته المتعاقبة لشعبنا على مدار ثلاثة عقود، الذى لا أشك فى أنك على الأرجح أحد ضحاياه؟ بإمكانى أن أسوق إليك عشر كوارث أخرى على الأقل، ولكننى سأكتفى بما قلت عملا بمبدأ «الضرب فى الميت حرام». خامسا: يا ربى! هل ما زلت بحاجة إلى سبب خامس؟ أظن أن ما سبق يكفى للإلقاء بأى حاكم إلى أقرب (تلة) مهملات. نعم بالتاء وليست بالسين، وذلك لانتشار تلال القمامة من حولنا وندرة سلال المهملات! أرجوك لا تجعلنى أشعر بأن العيب بك وليس به. إن سببا واحدا فقط مما سبق يكفى لأن يقوم أقل مواطنى هندوراس تعليما وأكثرهم جهلا بتقطيع شبشه الزحاف على رأس رئيسه التعس. ألا يكفيك احتقارا لزعيمك أنه بدأ مشواره نحو السقوط بتلويث يده بسرقة المال العام ثم أنهاه بتلطيخها بالدماء؟ أخى المتعاطف مع السفاح، جال هذا بخاطرى وأنا أرى زعيمك وولديه يرفعون أياديهم داخل القفص ليثبتون حضورهم المهين وينفون كل التهم التى توجه إليهم. تماما كالضباع التى تتحين فرصة للهرب بغنيمتها المسروقة. بل كدت أسمع نباحهم لرفاقهم الطلقاء خارج الأسوار: «لا تسمحوا بالدخول لأى محام مخضرم قد يمثل خطرا على موقفنا. لا تسمحوا لأحد بوضع (الكلابشات) فى أيادينا. لا تدخلوا أهالى الشهداء إلى القاعة فلن نتحمل نظرات عيونهم. حاصروهم واتركوهم عرضة لمناوشات أنصارنا من المتربحين والغافلين». فى النهاية يبقى أن أقول إن كراهيتى للضباع لا تعنى أننى قد أتساهل فى حقوق وطنى إن تم انتهاكها على أيادى السباع. صراحة أنا أتمنى أن يحكم بلادى شخص ينهى فترة رئاسته قبل أن يتحول إلى سبع أو إلى ضبع. فكلاهما مفترس ذو رائحة نتنة لا تستسيغها الشعوب المتحضرة التى تدير بلادها بالديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتداول السلطة بإرادة الجماهير. إن كنت لا تصدقنى قم بزيارة إلى أقرب حديقة حيوان.