هل يولد الناس وصفحتهم بيضاء نقية ثم تبدأ خربشات الزمن ووساخات البشر تخط علي الصفحة سطورها وتلقي عليها قاذوراتها؟ أم أن هناك من البشر من يولدون وطائرهم معهم، فيرضعون زبالة من أول لحظة ثم يصيرون بعد ذلك مكبات نفايات غير محكمة الغلق تمشي علي الأرض وتسعي بين الناس؟. مناسبة هذه التساؤلات هي أنني لم أستطع أن أفهم أبداً لماذا توعد أحد الضباع الضارية الدكتور البرادعي بالاعتقال؟ ولا أنفك منذ أن أطلق الضبع تهديده أفكر في الدواعي التي حدت به إلي أن يقطع كل صلة كانت تربطه ببني البشر ومن ثم يلتحق بدنيا الضباع التي لا تواجه الفرائس ولا تقوم حتي بالصيد أو القنص أو الافتراس وإنما تكتفي بكل دناءة بالتعيش علي الجيف والرمم والجثث المتعفنة. حاولت أن أصل إلي العناصر التي صاغت تكوين هذا الكائن وأمثاله ومعرفة الأسباب التي أوصلته لهذه الحالة وأن أفهم المراحل التي مر بها قبل أن يصل إلي مستوي الضبع الدنيء، وتساءلت بيني وبين نفسي هل هو ضيق الرزق؟ هل هو غياب القدوة، هل هي النفس الفاجرة الصغيرة التي ترغب في المال والمنصب والضوء والحماية بأي ثمن؟ أم هو الخواء والضعف المهني والثقافي وبالتالي محاولة الاستفادة من غياب العدل والاستعداد لتكملة النقص النفسي الحاد من خلال الزحف حول أحذية ذوي السلطان وطلب القرب من نعالهم وشباشبهم. كنت أتحدث مع أحد الأ صدقاء عن هذا النوع من المخلوقات وأنا في شدة الغضب نتيجة عجزي عن فهم كيف يمكن أن يفكر أحد العبيد في إلحاق الأذي بشخص يسعي لأن يحرره من العبودية والحياة المدنسة ويعيده إنساناً من جديد عن طريق الديمقراطية والعدل والفرص المتساوية؟. علّق الصديق بأن مسألة العدل والفرص المتساوية هذه هي بالضبط ما يخيف الضبع وأمثاله لأنهم يعلمون جيداً أن الشفافية والنظافة ستكشف حقيقة أنهم خلقوا للعيش في المزابل وتبين أنهم لا يستحقون لا المال ولا المناصب ولا النفوذ ولا حتي الطلة علي الناس من خلال التليفزيون.. وأضاف صديقي أن حكاية التليفزيون هذه مهمة للغاية لأن برامج «الصراع» التي انتشرت في الفضائيات قد خلقت طلباً عالياً علي الضباع والذئاب والنسانيس، ومن سمات هذه البرامج أنها تستضيف شخصيات متعارضة لإضفاء حيوية علي الحوار، وقد كان من الممكن في الأزمنة النظيفة أن توجد شخصيات متعارضة يحظي كل منها بالاحترام، لكن في زمان العفن فإن هذه البرامج تجلب شخصية محترمة أو علي الأقل تحاول أن تكون كذلك كأحد أطراف البرنامج، ويكون الطرف الآخر شخصية قذرة تحظي باحتقار المشاهد، وهذه الشخصيات القذرة تسعي من استوديو إلي استوديو ومن برنامج إلي آخر، لذلك فإنهم يقاومون بشدة التغيير الذي قد يعيد للوطن نظافته ويعيد للمواطن آدميته ويؤدي إلي تعديل نمط البرامج التليفزيونية واستغناء الفضائيات عن الشخصيات القذرة وهذا ما لا يقدرون عليه!. وختم صديقي كلامه قائلاً: هل عرفت أيها الساذج لماذا قام الضبع بتهديد الدكتور محمد البرادعي الرجل الشريف الفائز بجائزة نوبل للسلام والساعي إلي تحرير العبيد والاستغناء تماماً عن خدمات الشخصيات القذرة؟.