أكتب هذه الكلمات الآن وبعد أن عدت من مؤتمر صحفى أقامه طلبة وأساتذة معهد السينما من أجل الإفراج عن فادى السعيد، وكنت قد كتبت منذ نحو ثلاثة أسابيع، وفى نفس هذا المكان تحت عنوان «كلنا فادى السعيد» عما حدث مع زميلى طالب قسم التصوير بمعهد السينما، الذى ما زال حتى كتابة هذه السطور محبوسا فى طرة منذ يوم 9/9. محبوس ظلما وبهتانا بين آخرين من الأبرياء فى يوم قبض فيه على الحابل والنابل دون تمييز، ورغم المحاولات اللا منتهية والمستمرة حتى هذه اللحظة، سواء من أهل فادى أو زملائه الطلبة والفنانين، ورغم كل ما كتب على صفحات الجرائد وكل البرامج التى تحدثت عن فادى كرمز لعديد وعديد غيره «بس يمكن إحنا أرتستات وكلمتنا مسموعة شوية»، أو بالأحرى كنا فاكرين إنها مسموعة، ورغم ما قاله المخرج خالد يوسف فى افتتاح مهرجان الإسكندرية بخصوص أزمة فادى وقاله على الملأ ونقلته وأذاعته القنوات الإعلامية، ورغم استخدام الواسطة من قبل أى حد عنده واسطة، مع أى واحد لابس ميرى، فإن فادى وأمثاله ما زالوا يعانون من معاملة لا إنسانية، معاناة أبسط أشكالها هو كبت حريتهم بين أربعة جدران، أى أن كل من سعى لأن ينال فادى وأمثاله حقوقهم التى وهبها لهم ربنا، وسلبها منهم عبيده، كلنا بندن فى مالطة، ده حتى الأدان فى مالطة بقى بيتسمع. بس برضو لا، فما شعرت به اليوم فى المعهد وما رأيته وما لاحظته جعلنى أرى جليا الجزء المليان من الكوباية. وأقول الجزء المليان مش النص المليان لأنه بصراحة المليان أقل من النص بكتير وإن كانت الكوباية لسه فيها اللى يبل الريق، لسه فى شباب عنده تحدى وبيهتف، معلنا أنه لن يتنازل عن حريته ولسه فى غناء بيدخل جواك ويهزك، ويخليك تصرخ بكل طاقتك وتعمدك، مغردا «عيش، حرية، كرامة اجتماعية»، لسه فى ناس كتير سواء يعرفوا فادى أو مايعرفوهوش زى حالاتى، قادرين يتأملوا صوره المعلقة على الجدران والمطبوعة على التيشيرتات، وهو يتجاهل الشرطى الذى يجذبه من دراعه، متحديا وقويا بعيون كلها حياة محلقة فى عدسة المصور وابتسامة واثقة تملأ شفتيه... ساعتها تمنيت فعلا أن نكون كلنا فادى السعيد.