أحكى لكم عن واحدة من أجمل خلق الله، عرفتها منذ سنوات طويلة، كنت بين الحين والآخر أفاجأ بها كأننى أعرفها من جديد، اكتشف نبعا جديدا للجمال كان مخفيا داخلها. فتدهشنى المفاجأة. الغريب أن هذا ليس رأيى أو رؤيتى وحدى، الغريب أن هذا ما يراه كل من يعرفها إلا قلة قليلة. اسمها شهيرة، أو الدكتورة شهيرة، أو الدكتورة شوشو، أو شوشو فقط. شكلها لطيف ومميز، ليست جميلة بمقاييس الجمال العادية، وليست قبيحة بأى مقياس. لم تتزوج رغم أنها تعدت الأربعين، تعيش مع أمها وقططها وبدرجة ما مع بنات أختها، وتتحمل مسؤولية مئات البشر وبعض الحيوانات. هى من هذا النوع المخلوق ليتحمل المسؤولية، ولا يتهرب منها أبدا إذا فرضت عليه، رغم أنه يكرهها ويتمنى لو أن حياته بلا مسؤوليات. شوشو تحب الحياة وتستمتع بها، تحب السفر، تحب الأكل، تحب الأشياء الصغيرة، تحب السينما والأغانى، تحب الأدب وتحب هارى بوتر وتحب كونديرا وأحمد خالد توفيق والمخزنجى. تقرأ كل الكلام المكتوب بالعربية وبالإنجليزية، تحتفظ بمجلدات ميكى والألغاز وبمجلدات طبية وعلمية على نفس الرف فى المكتبة. وتلعب كل أنواع ألعاب الكمبيوتر، وتكتب على «التويتر» وتتبع مشاهير «التويتر» وتتكلم معهم حتى ولو لم يردوا عليها. تتأمل كل صغيرة وكبيرة فى الكون، وتحب الله بعمق يجعلنى أراها أقرب للملائكة من البشر. كنا نسير معا فى شارع قصر العينى يوم جمعة الغضب، مجموعة كبيرة من الصديقات نزلنا بعد صلاة الجمعة، والتحقنا بإحدى المظاهرات الكبيرة، نهتف معا «الشعب يريد ويسقط يسقط». فى الجهة المقابلة لمسرح السلام تقريبا بدأ إطلاق الغاز بكثافة مميتة تراجعنا معا وقادنا أحد الشباب إلى حارة جانبية مغلقة، تستخدم كمقهى فى الأيام العادية. فى ذلك الوقت لم تكن شهيرة معنا، كانت -حكت لنا فيما بعد- «فجأة حسيت إن الدنيا فضيت حواليا مع إنى وسط الناس وضلمت مع أننا كنا فى الضهر، شفت قنبلة غاز تحت رجلى، وحسيت بنار حقيقية مسكت فى وشى وعنيّا، اتفزعت فحاولت آخد نفسى ماعرفتش، اتحركت بشكل عشوائى فوقعت بين رصيفين فى بركة صغيرة من المية، فكرت فى حاجتين أول حاجة، مى الشابة اللى كانت ماشية جنبى وأنا عارفة إنها عندها حساسية صدر زيى، والحاجة التانية أمى المريضة فى البيت، وكنت عايزة أبكى، ومش عارفة. فضلت أحاول آخد نفسى وأتحرك بشكل عشوائى، وحسيت بدراع شدتنى ودفعتنى فى اتجاه محل، وخبط على زجاج المحل ودخلنى، وكنت لسه مش قادرة أدخل جوا، المحل ده كان محل ورد، صاحب المحل رشنى بخرطوم مية، فحسيت إن النار بتولع أكتر أخدت نفسى مرة أو اتنين فى المحل، وكان لنفسى صوت غريب عمرى ما سمعته، صاحب المحل قرر فى اللحظة دى إنه يطردنا، كان فى الأول متعاطف معايا شوية، لكن لما بدأ ناس تانية تحاول تدخل طردنا كلنا، أنا قلت له ممكن أشرب قبل ما أخرج، إدانى مية وسألنى إنتى فى حزب إيه؟ قلتله مش فى حزب، خرجت من محل الورد دخلت الشارع الجانبى اللى بعده لقيت مى مريضة الحساسية، ادتنى البخاخة بتاعتها، وبعدها رجعت وغسلت وشى بالبيبسى، واتحسنت. لكن فعلا لما بافتكر اللحظة دى بافتكر إنى كنت بأموت». سأكمل غدا.. للقصة بقية.