يجب أن لا تنسى الشعوب العربية مطلقا هذا الموقف المخزى لروسيا والصين بعد قيامهما باستخدام حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن لمنع صدور قرار يدين نظام بشار الأسد لقتله المتواصل لشعبه بدم بارد. والموقف نفسه ينطبق على الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ولبنان، الذين امتنعوا عن التصويت، ليحظى القرار بتأييد تسع دول فقط من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر. بالطبع كان مجرد استخدام روسيا والصين للفيتو كافيا لكى يسقط القرار ولا يصبح وثيقة دولية ملزمة، ولكن حصوله على تأييد أغلبية كبيرة من بين أعضاء مجلس الأمن كان سيبقى له قيمة معنوية مهمة تزيد من عزلة النظام السورى الوحشى، وتبين له أنه لا يحظى سوى بدعم انتهازى من قبل موسكو وبكين، اللذين لا يزالان يتعاملان مع شعوب العالم العربى بمنطق الحرب الباردة والرغبة فقط فى الحفاظ على مصالحهما الاقتصادية الضيقة. وبالطبع فإن الطبيعة السلطوية للنظم القائمة فى روسيا والصين أعضاء نادى الخمسة الكبار فى مجلس الأمن ممن يتمتعون بحق النقض لم تجعل من المستغرب أن يمثلا حجر عثرة أمام الإدانة الواجبة لنظام بشار الأسد. ووردت تقارير عدة مؤخرا كيف أن المواطنين فى مدن صينية وروسية مختلفة باتوا يصعدون من احتجاجاتهم تفاؤلا بموجة الربيع العربى والخلاص من أنظمة قمعت شعوبها لعقود طويلة. ولكن يبقى السؤال المحير والداعى إلى الإحباط الشديد هو لماذا اختارت دول يفترض فيها المرء أنها صديقة للشعوب العربية كالهند، أكبر ديمقراطية فى العالم، وجنوب إفريقيا التى لم تكن لتنل تحررها من الحكم العنصرى البغيض لولا دعم دولى مماثل لما يحتاجه الشعب السورى الآن، وكذلك البرازيل التى قدمت أيضا نموذجا ديمقراطيا ناجحا، لماذا اختارت هذه الدول الثلاث أن تدعم نظاما فقد صلاحيته بامتياز، واستخدم آلته العسكرية لقتل شعبه؟ وفى الوقت الذى يمثل الدعم الدولى للشعب السورى أقل ما يمكن تقديمه فى هذه المرحلة شديدة الصعوبة، فلقد اختارت حكومات الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل أن يصموا آذانهم ويغلقوا أعينهم عن الفظائع اليومية التى يرتكبها جيش بشار الأسد فى حق مواطنيه. عار كبير على هذه الحكومات الثلاث. أما لبنان الممزق بين الطوائف، الذى يقوم سكانه بفتح المظلات فى بيروت إذا أمطرت السماء فى دمشق، فلم يكن من الممكن أو المتوقع سوى أن يقوم بالامتناع عن التصويت لصالح القرار الذى تقدمت به الدول الغربية فى مجلس الأمن لإدانة نظام بشار الأسد، وبالطبع كان لبنان أسدا عندما تمت إحالة ملف ليبيا إلى مجلس الأمن، حيث يشغل الآن مقعدا غير دائم ينتهى بنهاية العام الحالى. وتصدر لبنان فى ذلك الوقت المشهد وتقدم سفيره بمشروع القرار الذى صاغه عمرو موسى عندما كان يشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى مجلس الأمن، الذى منح حلف الناتو الضوء الأخضر للتدخل العسكرى فى ليبيا. أما فى حالة سوريا، وخصوصا مع وجود حكومة لبنانية يشكل حزب الله وأنصار بشار الأسد الغالبية فيها، فلقد التزم سفير لبنان فى مجلس الأمن الصمت المطبق، واختفى دفاعه المستميت عن حق الشعوب العربية فى الديمقراطية. هذا التجاهل الدولى لمأساة الشعب السورى المتواصلة هو الذى سيدفع قطاعات من النشطاء السوريين إلى السعى للمطالبة بالتدخل العسكرى الغربى، الذى لا شك أن الغالبية العظمى من الشعوب العربية تمقته وتخشى عواقبه، وذلك تحت زعم أنه لم يعد أمامهم بديل آخر. ورغم أننى أتمنى أن لا تكون هذه التقارير صحيحة، فإننى لا أستبعد إمكانية دقة ما تناقلته الأنباء عن قول بشار الأسد لوزير الخارجية التركى إنه خلال ست ساعات فقط من بدء أى هجوم عسكرى على بلاده، فإن منطقة الشرق الأوسط ستشتعل بالكامل. خلال ثلاث ساعات، وفقا لهذه التقارير، هدد بشار «الشبل» بأن صواريخ حزب الله ستنطلق نحو إسرائيل فى العمق، كما ستتم مهاجمة قوات الاحتلال الأمريكى فى العراق، وتقوم إيران بإغلاق خليج هرمز فى عمان، الذى يعتبر الشريان الرئيسى لتصدير النفط الخليجى، بينما تثير الأقليات الشيعية فى دول الخليج اضطرابات داخلية. إذن هو سيناريو تحطيم المعبد فوق رؤوس الجميع. وطالما أن المنطقة العربية هى التى يهدد الأسد بإشعالها، فإنه من الواجب أن تتخذ الدول العربية زمام المبادرة لوقف هذا الجنون. وبينما كانت الدول الخليجية، بناء على تنسيق واضح مع الولاياتالمتحدة، قد أقدمت على سحب سفرائها من دمشق، احتجاجا على القتل الجماعى للمواطنين السوريين، فإنه من المؤكد أن هذه الخطوة كانت ستكتسب زخما أكبر لو أن مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب وتونس والأردن ولبنان اتخذوا نفس الموقف ليتم تجميد عضوية النظام السورى الحالى فى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى ودول عدم الانحياز. لا يمكن أن يسمح لنا ضميرنا أن يستمر قتل الشعب السورى بشكل يومى، بينما نحن نتشدق بالعروبة والمصير المشترك، ولكن مصيرنا مشترك بالفعل، خصوصا لو نفذ الأسد تهديداته، وهو ما يستطيع القيام به لو لم نقف نحن الشعوب العربية أولا فى وجه مخططاته. ولتكن البداية فى إرسال خطابات احتجاج شخصية إلى سفارات الدول، التى كنا نظنها صديقة وتتمتع الآن بعضوية مجلس الأمن غير الدائمة، وتحديدا الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، نقول لهم إن موقفهم مخز يناقض تاريخهم فى دعم الديمقراطية ونضالهم الذى خاضوه للوصول إلى ما هم عليه الآن. أما روسيا والصين، فلا داع لتوجيه أى خطابات إليهما لأنها ستكون من دون جدوى، فقط عندما تشعر هاتان الدولتان أنهما تقفان بمفردهما تماما فى دعم قمع نظام بشار الأسد، ستضطران إلى تغيير موقفهما لأنه لن يكون لديهما بديل آخر. ولكن المسؤولية الأولى والأخيرة هى عربية-مصرية لحماية الشعب السورى والمنطقة بأكملها.