بعد زيادة سعر كيلو الفضة 7 ٪؜، هل أصبح المعدن الأبيض ملاذا آمنا للاستثمار؟    قمة مصرية - روسية على هامش البريكس بقازان ..السيسي وبوتين يدعوان إلى ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار فوري في غزة ولبنان    ريمونتادا خماسية.. ريال مدريد يقلب الطاولة على دورتموند بدوري الأبطال    هاني شاكر يدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني في حفله بمهرجان الموسيقى العربية    رئيس جامعة دمنهور يستقبل رئيس هيئة الاستطلاع الأسبق في إطار احتفالات الجامعة بالذكرى 51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    وزير الأوقاف: طلاب إندونيسيا بالأزهر أمانة في أعناقنا    النائب العام يشارك في منتدى النواب العموم لمجموعة الدول العشرين    الرقابة المالية تصدر كتابا بشأن ضوابط حوالات المحافظ الائتمانية الخاصة بأنشطة التمويل غير المصرفي    تكريم أكرم حسني في احتفالية "الأب قدوة".. ويوجه رسالة ل وزيرة التضامن (صور)    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة فى الأبناء    البرلمان الأوروبي يوافق على منح أوكرانيا قرضا ب35 مليار يورو من أرباح الأصول الروسية المجمدة    تشكيل أستون فيلا ضد بولونيا.. دوران أساسيا فى دورى أبطال أوروبا    وزير المجالس النيابية: الواقع يؤكد الحاجة الضرورية إلى قانون ينظم أوضاع اللاجئين    نائب محافظ الجيزة تتفقد التجهيزات النهائية لمشروع الموقف الحضارى بمنطقة كوبرى الصحابة    مصرع فتاة غرقا في ترعة الإبراهيمية أثناء غسيل الملابس بالمنيا    الذكاء الاصطناعي يستعد لإزاحة المحاسب والمبرمج.. 5 مهن قد تختفي قريباً    بالخطوات.. طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي 2024 وسدادها أونلاين (رابط مباشر)    القاهرة الإخبارية: 7 شهداء ومصابين إثر قصف استهدف مدرسة للنازحين فى بيت لاهيا    خبير اقتصادي: قمة بريكس جاءت في توقيت شديد الصعوبة بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية    «خريجي الأزهر» تشارك بمعرض مطبوعات «البحوث الإسلامية»    هل الخير الكثير من الابتلاءات؟.. رئيس «العالمي للفتوى» يجيب    بعد انتهاء برغم القانون، عايدة رياض تستأنف تصوير "جودر 2" و"220 يوم"    غزل المحلة يتلقى خطابا من اتحاد الكرة بإيقاف الزنفلي 4 أشهر    المصري يختتم ودياته في معسكر المغرب ب لقاء شباب المحمدية غدا    المكسيك تمهل المدارس 6 أشهر لحظر الوجبات السريعة    مصرع طفل غرقا أثناء السباحة في ترعة «الستين» بالعياط    دَخْلَكْ يا طير «السنوار»!    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الصبر أهم مفاتيح تربية الأبناء والتخلص من القلق    حابس الشروف: مقتل قائد اللواء 401 أثر في نفسية جنود الاحتلال الإسرائيلي    بلاغ للنائب العام.. أول رد من الصحة على مروجي فيديو فساد التطعيمات    تحت رعاية وزير الثقافة.. لطيفة وريهام عبد الحكيم وجنات فى ضيافة الليلة العمانية بمهرجان الموسيقى العربية    قطار صحافة الدقهلية وصل إدارة الجمالية التعليمية لتقييم مسابقتى البرنامج والحديث الإذاعى    منافس بيراميدز - بعد تعادلين في الدوري.. الترجي يعلن رحيل مدربه البرتغالي    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    صندوق النقد الدولى يتوقع نمو الاقتصاد المصرى بنسبة 4.1% فى العام المالى الحالى.. تقرير آفاق الاقتصاد العالمى: تراجع التضخم إلى 21.2% نهاية يونيو المقبل.. ويؤكد: الاقتصاد العالمى سيحقق نسبة نمو بنسبة 3.2%    مساعد وزير الصحة: تنفيذ شراكات ناجحة مع منظمات المجتمع المدني في مختلف المحافظات    نقيب المحامين يوقع مذكرة تفاهم مع وفد من هونج كونج ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    الفنون الشعبية تستقبل تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بأسوان    بعد التحرش بطالبات مدرسة.. رسالة مهمة من النيابة الإدارية للطالبات (تفاصيل)    «القومي للطفولة والأمومة»: السجن 10 سنوات عقوبة المشاركة في جريمة ختان الإناث    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بالعريش    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    ضبط عاطل متورط في سرقة الأسلاك الكهربائية في المرج    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    وزير التعليم العالي يرأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع رئيس اتحاد الكرة بشأن نهائي كأس السوبر المصري    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    زيلينسكي يطالب الجنود الأوكران بالصمود في معارك كورسك الروسية    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    بينهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا في الجولة الثامنة من الدوري الإنجليزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحت الكوبرى أو داخل القصر: خيار القادة العرب (2-2)
نشر في التحرير يوم 03 - 10 - 2011

الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان ليست مجرد جريمة جنائية ارتكبها فرد وتتم معاقبته عليها، إنها نتيجة سياسات وهياكل وقيم تسكن قلب النظام الحاكم ومن أجل التخلص منها يجب التعامل معها بجدية وبشكل جذرى، حيث إن الهدف ليس القصاص والعدل لأشخاص بعينهم فقط بل القضاء على أخطبوط الانتهاك ونزع سم العنف من المجتمع الذى تحول جزء منه إلى زبانية تسوم بقية المجتمع سوء العذاب. ضباط وجنود ومخبرو أمن الدولة هم جيراننا وأقرباؤنا ومصريون مثلنا وهناك حاجة إلى العقاب ولكن هناك ضرورة للفهم والمصالحة أيضا.
فى الأرجنتين باشرت لجنة الحقيقة المستقلة عملها فى ديسمبر 1983 بعد رحيل النظام العسكرى (وهو رحيل محتوم سواء استمر الحكم العسكرى ست سنوات أم ستة عقود). ونقّبت اللجنة فى آلاف المستندات واستمعت إلى آلاف الشهود على مدى تسعة أشهر لتحقق فى مخالفات النظام العسكرى الديكتاتورى الذى ساد البلاد بين عامى 1976 و1983. فى هذه السنوات السبع أسفرت المواجهات بين النظام والمعارضة عن اختفاء منهجى وتعذيب وقتل آلاف الأشخاص. وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية والهزيمة المريرة فى حرب الفوكلاند اضطر نظام الجنرال رينالدو بينيتو إلى إجراء انتخابات عامة نزيهة فاز بها راؤول ألفونسين الذى أنشأ لجنة الحقيقة فى الأسبوع الأول من منصبه وألغى الحصانة التى كان العسكر قد منحوها لأنفسهم. وكانت مهمة اللجنة التحقيق فى كل حالات الاختفاء القسرى فى سنوات الحكم العسكرى وتحديد موقع جثث الضحايا. وتألفت اللجنة من 13 عضوا، ثلاثة منهم عينهم الكونجرس. نشرت اللجنة تقريرها فى كتاب مطبوع وعلى الإنترنت وصدر فيلم وثائقى عن عملها (ويمكن مطالعة التقرير على الرابط http://web.archive.org/web/20031002040053/http://nuncamas.org/index2.htm) وتمكنت اللجنة من توثيق نحو تسعة آلاف حالة اختفاء من بين ما قد يصل إلى ثلاثين ألف حالة فى الفترة محل النظر. وحددت اللجنة الهياكل والممارسات المنظِّمة للاعتقال والتعذيب السرى والقتل والتخلص من الجثث فى مواقع غير معروفة. وتوصلت اللجنة إلى أن كل هذه الممارسات القمعية قامت بها المؤسسة العسكرية وخططت لها وفق أوامر من أعلى مستويات القيادة. والأوامر هنا لا تعنى أن كبار الجنرالات أرسلوا فاكسا إلى الزبانية لقتل أو تعذيب شخص بعينه ولكنهم كانوا يعرفون ويدعمون هذه الممارسات عموما.
وأوصت لجنة الحقيقة بوضع برنامج تعويضات لعائلات الضحايا والناجين والملاحقة القضائية ومتابعة التحقيقات وإصلاح النظام القضائى ووضع دورات تثقيفية وتدريبية فى مجال حقوق الإنسان. وفى السنوات التالية تسبب التقرير فى عدة إجراءات رغم أن الجيش رفضه فى البداية. فإضافة إلى إصلاحات دستورية وقانونية وانضمام إلى معاهدات واتفاقات دولية تكرس احترام حقوق الإنسان، أدى التقرير إلى محاكمة وسجن خمسة جنرالات. ورغم ألاعيب تشريعية منعت ملاحقة باقى العسكريين عدة سنوات ومنها قرارات عفو برلمانية فإن النظام المدنى بعدما استقر فى عام 2003 ألغى كل قوانين العفو وجرت محاكمة 700 شخص تمت إدانة خمسين منهم وسجنهم حتى الآن. وتلقى ضحايا الاعتقال والتعذيب أو عائلاتهم ثلاثة مليارات دولار أمريكى تعويضات على الأقل. وقامت اللجنة بعملها كله دون جلسات استماع علنية ولكنها استخدمت شهادات من سبعة آلاف شخص منهم 1500 من الناجين.
فى آخر ساعاتى فى زيارتى لبيونس إيريس ذهبت إلى قصر الرئاسة المفتوح معظم أجنحته للسياح. ترددت قبل دخول البيت الوردى (وهو الاسم الرسمى للقصر) متهيبا. بعد عبور أجهزة كشف الأسلحة والمعادن وجدت نفسى فى مدخل ضخم وفى صالتيه المتتابعتين تزدان الحوائط بصور كثيرة مؤطرة لجنرالات الثورة والتحرير على الاستعمار الإسبانى من أمثال سيمون بوليفار فى القرن التاسع عشر، والمناضلين من أمثال سلفادور الليندى وتشى جيفارا من القرن العشرين. لم أعتقد فى حياتى أننى سأرى صورة لجيفارا فى قصر رئاسى وهو يرتدى بذلة عسكرية جعلته أقرب إلى جنرالات التحرير. لم أر صورا للجنرال بينوشيه قاتل الليندى أو للجنرال بينيتو زعيم الطغمة العسكرية فى الأرجنتين.
فى عالمنا العربى الآن وفى مصر خيار بسيط أمام جنرالات الجيوش والأمن وأين يريدون أن توضع صورهم فى المستقبل. سواء فعل جيلى هذا أو فعله أولادنا فلدينا خياران: الأول هو ظهور صور بعض هؤلاء الجنرالات فى قوائم سوداء داخل سجلات الحقيقة التى ستسطرها لجان مستقلة ونستطيع أن نضع نسخا منها فى نصب تذكارى لضحايا الانتهاكات يمكن أن نبنيه تحت أى كوبرى فى عواصم عربية عدة، والخيار الثانى هو أن تنتهى هذه الصور فى أطر فخمة وأنيقة محاطة بالإجلال والتقدير فى ساحة القصر الرئاسى يزورها الناس ويفخرون بها وبدور أصحابها فى إنهاء عصور التعذيب ومحاسبة المسؤولين عنها. إما تحت الكوبرى وإما داخل القصر. والخيار لكم.. ولنا أيضا من قبلكم وبعدكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.