بدون خبرة.. 16 فرصة عمل للشباب | آخر فرصة للتقديم    رئيس جامعة أسيوط: اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ناقش ملفات المنظومة التعليمية    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    نائب محافظ المنيا يستعرض خطط وأنشطة المديريات لتفعيل مبادرة "بداية"    «صوت البارود» قصة قصيرة للكاتب مجدي محفوظ    وزير الإنتاج الحربي يفتتح مصنع الرزينة ب«هليوبوليس للصناعات الكيماوية»    جبالي يرفع الجلسة العامة للبرلمان    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    «المحيربي»: مصر تلعب دور رائد بالشرق الأوسط في الطاقة المتجددة    العاهل الأردني يصل إلى السعودية    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    كلاب ربتها أمريكا.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية تسب الجارة الجنوبية وأوكرانيا    الأمم المتحدة: التعافى من آثار الحرب فى غزة لا بد أن يبدأ من الآن    قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية.. إيلون ماسك يتحدث عن إفلاس الولايات المتحدة    جارديان: بريطانيا تواجه فجوة مالية هائلة قد تدفع الحكومة لقرارات صعبة    بعد عودته إلى القاهرة| تدريبات منفردة لكهربا.. ومحاولة للصلح    محلل رياضي: ريال مدريد أمام مواجهة صعبة للغاية مع «دورتموند»    فوز 4 مصريين في انتخابات اللجان الفنية للاتحاد الدولي للترايثلون    موجز الحوادث .. الحكم في قضية مؤمن زكريا.. والتصالح في قضية فتوح    تأجيل محاكمة اللاعب أحمد فتوح إلى نوفمبر المقبل    قريبًا.. موعد تسجيل استمارة الصف الثالث الإعدادي 2025 والرابط الرسمي    مصرع سيدة وإصابة شقيقها في حادث تصادم سيارتين بالطريق الزراعي بالقليوبية    «العمل»: بدء صرف التعويضات لضحايا حادث «منشأة القناطر»    الفنون الشعبية تستقبل تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بأسوان    لقاءات تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال بثقافة الإسماعيلية    «القومي للسينما» يعرض الأفلام الفائزة بمهرجان «بدر»    حركة حماس: ما تشهده جباليا وبيت لاهيا انتهاك صارخ لكل القوانين    بوتين يدعو للارتقاء بمجموعة بريكس وتعزيز التعاون    شرم الشيخ الدولي للمسرح يمنح علاء مرسي درع الفنانة سميحة أيوب التقديري    روبى تلتقى نيللى كريم فى رمضان 2025 بعد 11 عاما من "سجن النسا"    ترسيخ التعاون ..تفاصيل اجتماع وزراء صحة مصر وقبرص واليونان    الحكومة تنفى إمداد المدارس بتطعيمات منتهية الصلاحية    أريد التوبة من المعاصي ولا أستطيع فماذا أفعل؟ .. أمين الإفتاء يجيب    دار الإفتاء: لا يوجد في الإسلام صداقة بين رجل وأجنبية    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    أيمن الشريعي: الأهلي المنظومة الأنجح ولكن لا يوجد أنجح مني    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    بث مباشر.. وزير التربية والتعليم يلقي بيانا أمام الجلسة العامة لمجلس النواب    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    تأجيل محاكمة 4 متهمين قتلوا شخصين وشرعوا فى قتل آخرين بشبرا الخيمة    وزير الخارجية الإيراني : طهران تنتهج سياسة حسن الجوار    عشرات النواب الأمريكيين يدعون بايدن للسماح بدخول الصحفيين إلى غزة    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    سعر أسطوانة الغاز 380 جنيه وتباع ب150| وزير سابق يعلن مفاجأة للمواطنين (فيديو)    أخواتي رفضوا يعطوني ميراثي؟.. وأمين الفتوى يوجه رسالة    إحالة مسجلين إلى الجنح لاتهامهم بسرقة شركة في المرج    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    وزير الشئون النيابية يناقش التقرير الوطني لآلية المراجعة الدورية الشاملة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    جامعة القناة تواصل دورها المجتمعي بإطلاق قافلة شاملة إلى السويس لخدمة حي الجناين    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى اللبّاد.. من حدائق الأحزان إلى سلام الروح
نشر في التحرير يوم 02 - 09 - 2019

أحيانا يبدو لى تعبير سفر طويل فى الغروب المستمد، من كتاب الخروج للنهار أحد مواريثنا العظمى، هو الوصف الملائم فى مواجهة حقيقة الحقائق، لأنه يضفى بعضا من السكينة على الألم العميق الذى يسرى فى القلب والعقل إزاء الغياب الجسدى للأحبة المقربين إلى الذات، والذى شكل حضورهم فى الحياة معانى الحب والصداقة والألفة، ووهج الحضور سواء من خلال أفكارهم، أو سلوكهم، أو من وجودهم فى حياة الآخرين.
أحيانا يبدو لى تعبير سفر طويل فى الغروب المستمد، من كتاب الخروج للنهار أحد مواريثنا العظمى، هو الوصف الملائم فى مواجهة حقيقة الحقائق، لأنه يضفى بعضا من السكينة على الألم العميق الذى يسرى فى القلب والعقل إزاء الغياب الجسدى للأحبة المقربين إلى الذات، والذى شكل حضورهم فى الحياة معانى الحب والصداقة والألفة، ووهج الحضور سواء من خلال أفكارهم، أو سلوكهم، أو من وجودهم فى حياة الآخرين.
وهج الحضور والظل الوارف للشخصية، هو مركب من خصالها وتجاربها ورأسمالها الفكرى ومدى قدراتها على على توزيع المحبة، والمعرفة، وخفة الظل، أو قوة الشخصية وصلابتها إزاء محن الحياة فى مجتمعات صعبة تنوء تحت ركام من المشاكل والأزمات والتشوش. قدرة الشخصية الإنسانية تتمثل فى قوة الصمود، والمواجهة، وإرادة إحداث
وهج الحضور والظل الوارف للشخصية، هو مركب من خصالها وتجاربها ورأسمالها الفكرى ومدى قدراتها على على توزيع المحبة، والمعرفة، وخفة الظل، أو قوة الشخصية وصلابتها إزاء محن الحياة فى مجتمعات صعبة تنوء تحت ركام من المشاكل والأزمات والتشوش.
قدرة الشخصية الإنسانية تتمثل فى قوة الصمود، والمواجهة، وإرادة إحداث التغيير، وزرع الأمل والإدارة الخلاقة، وكسر اليأس، وفتح مسارات فى إطار الواقع المأزوم، والطرق المسدودة، وانتصار إرادة التفاؤل من خلال العمل، وإبداع الابتسامات والضحكات والسخرية الودودة أو المؤلمة التى تحطم بعض اليأس من الواقع المليء بالأشواك والعقبات، والشرور المجانية التى يوزعها بعضهم فى الحياة بولع وشغف ينطوى على سوء الطوية، والعجز عن الإنجاز، وفقدان الموهبة، ونقص الفرص فى مجتمعات سلطوية.
بعض من عرفت من نتاج هذا النموذج الإنسانى المتفرد، هم الجزء الأكثر موهبة وقدرة وفهما لتعقيدات مجتمعاتهم المتخلفة، واستطاعوا الإبحار ببراعة وصعوبة فى دخائل هذا الواقع المركب والمعقد فى تخلفه التاريخى، وحاولوا بجد واجتهاد واقتدار أن يتحرروا من عوالم العقد النفسية، والتشوش الفكرى، وذلك من خلال الفعل الخلاق، لاسيما فى عالم المثقفين والباحثين، فى مجتمعات لا تأبه كثيرا بالمعرفة والبحث والإبداع.
من هنا يتعاظم ويتكثف الألم عند الرحيل، ومن هنا نلجأ إلى المقدس تعالى وتنَّزه بحثًا عن سكينة ما، ونلجأ إلى بعض من موروثنا العميق، علنا نخفف بعضا من ثقل الفراق، لهذا نستدعى وصف الرحلة بأنها سفر طويل فى الغروب، نستظل بالمجاز من اللاهوت الفرعونى لإخفاء ظاهرى لوحشة الفراق.
تداعى إلى الذهن والروح هذا المجاز، ومعه المقدس الدينى، عندما صدمنى سفر الصديق الحبيب مصطفى اللباد فى الغروب حاملا سلامة روحه الجميلة، منتصرًا على آلام المرض والحياة.
تداعت إلى الذاكرة المثقلة بالوهن وثقل الزمن، اللقاءات الأولى مع الصديق الغالى مصطفى، بعيدًا عن والده المثقف والفنان والرسام الكبير البارز محى الدين اللباد الذى تعلمنا من كتبه، ومن كتاباته ورسومه، وتصميماته لأغلفة الكتب، ما ساعدنا على الخروج من دائرة أمية العيون.
عرفت مصطفى عن طريق الصديق الكاتب سيد خميس، الرجل الذى كان ضعيفًا إزاء الموهوبين، والكاره للأدعياء، ومحدودى الموهبة والكفاءة.
جاء سيد خميس المقدر لموهبة مصطفى الذى درس فى ألمانيا وحصل على درجة الدكتوراه، شاب نابه موهوب، ويحمل طاقة خلاقة للعمل، ويعرف ماذا يريد فى مجال البحث والتخصص، وعقل مفتوح، وتكوين مثقف وهو أمر نادر فى جيله والأجيال السابقة له، والتى تليه، إذ غالبًا ما يدور الباحث فى مجال تخصصه، ولا يكاد يعرف إلا النذر اليسير من التخصصات الأخرى، أو التكوين الثقافى المطلوب، الذى يؤدى إلى عمق التفكير ورهافة الأسلوب، وتكامل المقاربة المنهجية لبحثه والتفكير العلمى والمنهجى المنظم.
توافرت المعرفة الجادة والتكوين العميق والثقافة والعقل المنظم لمصطفى اللباد، والأهم اختياراته لمجال تخصصه الذى بدا شاغرًا، ومحدود الإنتاج، ومضطرب الروئ لدى بعض ممن يعملون فى إطاره.
وهو دول الجوار الجغرافى العربى، وتصاعد نفوذ هذه الدول وتأثيراتها فى الإقليم العربى، وهى إيران وتركيا.
من هنا كان المتخصص الأبرز علمًا، والأعمق تكوينًا وتحليلا للشئون الإيرانية والتركية.
تشكلت صداقتنا عبر اللقاءات والحوارات المتعددة فى زياراته إلى مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، وفى أماكن اللقاء المتعددة فى وسط المدينة، أو فى زيارات لمنزل الفنان الكبير محى الدين اللباد، أو لدى صديقنا الجزائرى الجميل الخصال والروح جمال سى العربى، فى منزله بالدقى، ثم فى المقطم.
العزيز مصطفى اللباد، وأخوه الصديق أحمد اللباد المثقف البارز والفنان المرهف، واللامع فى عمله الفنى، كلاهما من أبناء مدرسة الكبير محى الدين اللباد، أسرة مثقفة ومتميزة ولامعة، أحترمها كثيرًا.
شخصية مصطفى اللباد صديقى الغالى، تتسم بالقوة والصلابة، والحضور المتوهج، والتألق وروح الدعابة والسخرية الودودة، على الرغم من الجدية والصرامة التى يبدو عليها كان قادرًا على التقاط المفارقات والتناقضات التى تولد الابتسامات والضحكات البريئة والذكية فى سخريتها، على الرغم من جدية موضوعات النقاش، أو تناول بعض تصرفات محدودى الموهبة والكفاءة فى جماعة الباحثين فى العلوم السياسية والاجتماعية الذين جاؤوا إلى هذه التخصصات الصعبة من أبواب خلفية وبالوساطة لبعضهم، ولم يقدموا عملا يدل على الكفاءة وعمق البحث والتحليل والتفسير، أو ليست لديهم موهبة متميزة هنا كانت تنفجر السخرية الذكية فى التقاط بعض الأعمال السطحية والكتابات النمطية والوصفية المحدودة والسطحية التى تعتمد على مقتبسات بعض الجرائد العربية ويعاد إنتاجها.
سياقات مولدة لسخرية وضحكات مصطفى اللامع المتألق، والذكى الذى يطالع بعمق ما يجرى فى تخصصه من كتابات وبحوث وكتب جديدة، من خلال اللغة الألمانية والإنجليزية والعربية، واجه بعض عقبات فى أن ينتسب إلى بعض مراكز البحوث المرموقة من بعض من تصوروا أنه يشكل خطرًا عليهم بعلمه ومعرفته وثقافته، إلا أن مصطفى اللباد، واجه ذلك بقوة الإرادة وتفاؤلها، وجدية العمل فى تخصصه، وقام بإصدار مجلة شرق نامة، وأصدر كتاب حدائق الأحزان.. إيران وولاية الفقيه وصدَّر الكتاب بكلمة موحية إلى "الأحلام التى استعصت، والمعانى التى استغلقت، إلى الجغرافيا فى مقام الرست، والتاريخ فى مقام نهاوند"، وهو كتاب من الكتب المهمة التى أثارت نقاشا مهما فى لبنان ومصر؛ نظرًا لعمق المقاربة والتحليل والمعلومات الدقيقة، وشغل موقع مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية بالقاهرة، ثم أصدر ورأس تحرير مجلة "شرق نامة" المتخصصة فى الشئون الإيرانية والتركية وآسيا الوسطى.
اتسم الصديق الغالى مصطفى اللباد بالدأب فى العمل، وفى المتابعة العلمية وعدم التشتت، وبرز حضوره التلفازى المتألق من خلال مساهماته فى التعليق على الشئون السياسية الداخلية، وفى مجال السياسة الخارجية لإيران وتركيا ومنطقة آسيا الوسطى، وذلك من خلال دقة وعمق التحليلات التى كان يقدمها لإنارة جماعات المشاهدين للقنوات الفضائية العربية والأجنبية.
كان مصطفى اللباد منحازًا للأغلبيات الشعبية المعسورة، وذلك لحسه السياسى العدالى، وانتمائه الفكرى لليسار بالمعنى العام للكلمة، ومن ثم اتسمت روحه الوثابة بالنزعة الإنسانية الرحبة.
سافر الحبيب الغالى مصطفى فى الغروب، سفرا طويلا، وروحه الجميلة مقيمة فى حياتنا، وذكرياتنا معه حية ويقظة، وحضوره لا يزال وسيستمر متوهجًا، وابتساماته وضحكاته وسخريته الودودة تضيء العتمة فى اللحظات الصعبة للحياة. لروحك السلام يا صديقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.