دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية وخبيرة في العلاقات الدولية تناولنا في الحلقة الأولى المصالحة والمفاوضات بين طالبان وأمريكا، وأهداف طالبان من المفاوضات، وأهداف أمريكا من وجودها في أفغانستان، ومحاولات الحكومة الأفغانية لاحتواء الأزمة ثم موقف حركة طالبان من محاولات الصلح، كما تم التطرق إلى القوى المحركة لمستقبل المصالحة وهي: العلاقة بين طالبان والحكومة الأفغانية، وعلاقة طالبان بالقاعدة، ووجود القوات الأجنبية (الأمريكية والناتو)، ومكافحة الإرهاب، والهدنة. تناولنا في الحلقة الأولى المصالحة والمفاوضات بين طالبان وأمريكا، وأهداف طالبان من المفاوضات، وأهداف أمريكا من وجودها في أفغانستان، ومحاولات الحكومة الأفغانية لاحتواء الأزمة ثم موقف حركة طالبان من محاولات الصلح، كما تم التطرق إلى القوى المحركة لمستقبل المصالحة وهي: العلاقة بين طالبان والحكومة الأفغانية، وعلاقة طالبان بالقاعدة، ووجود القوات الأجنبية (الأمريكية والناتو)، ومكافحة الإرهاب، والهدنة. نركز في هذه الحلقة على الفواعل المحركة للأحداث على المستوى الإقليمي مثل: باكستانوالهند وأوزبكستان وإيرانوتركيا وأطراف الأزمة القطرية العربية وهي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية. ثانيا: الفواعل الإقليمية المحركة لمستقبل المصالحة الأفغانية: 1-باكستان: تعتبر باكستان من الدول المجاورة نركز في هذه الحلقة على الفواعل المحركة للأحداث على المستوى الإقليمي مثل: باكستانوالهند وأوزبكستان وإيرانوتركيا وأطراف الأزمة القطرية العربية وهي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية. ثانيا: الفواعل الإقليمية المحركة لمستقبل المصالحة الأفغانية: 1-باكستان: تعتبر باكستان من الدول المجاورة لأفغانستان. ولطالما انتقدت الحكومة الأفغانية باكستان بأنها تؤوي المعارضة المسلحة للحكومة الأفغانية في أراضيها. كما أن هناك العديد من التقارير التي تشير إلى أن أجهزة المخابرات الباكستانية هي الضلع الأساسي في نشأة حركة طالبان، لمساعدتها في حربها مع الهند فيما يتعلق بإقليم كشمير، بيد أن الولاياتالمتحدة حاولت الضغط على باكستان فيما يتعلق بعلاقاتها مع حركة طالبان؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراجعة المعونات المالية المقدمة لباكستان فيما يتعلق بسياساتها تجاه مواجهة الجماعات المتشددة، وصرح بذلك خلال تغريدة له على موقع تويتر، أعلن خلالها "أن الولاياتالمتحدة تأسف على الدعم المالي المقدم لباكستان على مدار 15 عامًا، والذي يقدر ب33 مليار دولار". وفي نفس الإطار أعلنت الولاياتالمتحدة تجميد المساعدات المالية التي كانت موجهة لإسلام أباد والتي تقدر بنحو 255 مليون دولار في سبتمبر 2018، ومن قبل شددت واشنطن في يناير 2018 على ضرورة طرد المسلحين التابعين للحركة من أراضيها، وعدم توفير الملاذات الآمنة لعناصر الحركة. ومما لا شك فيه أن باكستان تتمتع بالنفوذ الأكبر على طالبان أكثر من أي دولة أخرى، ويقال إن أكثر مراكز وقواعد طالبان تقع في هذا البلد. ولذلك يعول دائما على التعاون الباكستاني في إنجاح عملية السلام في أفغانستان. كما أن الضغوط الأمريكية على طالبان بشأن السلام في أفغانستان مستمرة منذ فترة طويلة، وكما يبدو فإن باكستان بدأت العمل على إقناع طالبان بالجلوس مع الحكومة الأفغانية تحت هذه الضغوط. 2-الهند: يدعم الهنود المصالحة، رغم كراهيتهم للطالبانيين والشكوك في نياتهم، لأنهم (أي الهنود) حسب قولهم يريدون أفغانستان ديمقراطية آمنة وحاضنة لجميع الأعراق كي لا تذهب استثماراتهم البليونية فيها سدى. هذا علما بأن الهند لا تعترف بحركة "طالبان" كجماعة سياسية أفغانية شرعية، وإنْ دعتْ لإشراكها في عملية المصالحة دون شروط مسبقة، استجابة لدعوة حكومة كابول. ويبدو هذا جليا من موافقة نيودلهي على حضور مؤتمر برعاية موسكو تشارك فيه "طالبان" وكابول، ثم تراجعها عن ذلك بعد انسحاب كابول واضطرار الروس إلى تأجيل المؤتمر آنذاك- من ناحية أخرى نجد التناقض واضحا في موقفي الصينوالهند من المشكلة الأفغانية. 3-أوزبكستان: أوزبكستان لها مصالحها ومشاريعها الخاصة في أفغانستان، كما أن لديها مخاوفها عن وجود داعش في المناطق الحدودية، هذا ما دفعها لتحسين علاقاتها مع طالبان، وتحاول أن تلعب دورا في محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. 4- إيران: تعتبر من الدول المجاورة لأفغانستان، ومن الدول المتهمة دائما بتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. لا تخفي طموحاتها في هذا البلد المجاور لها، والذي يضم نسبة معتبرة من المحسوبين عليها مذهبيا، وقد اتهمت في بعض الأحيان بالتعاون مع المعارضة المسلحة، بأنها ساهمت بطريقة غير مباشرة في الإطاحة بنظام حركة «طالبان» سنة 2001، ثم احتضنت الهاربين من رجالاتها لاستخدامهم وقت الحاجة ضد واشنطن وحكومة كابول والغرب عموما. ولجأت إيران لاستغلال فرصة مناسبة لتحسين علاقتها مع طالبان على المستوى الدولي فالنظام الإيراني -بمساعدة من حليفتها الروسية في سوريا- يريد لنفسه حضورا في أي مؤتمر حول المصالحة الأفغانية. وبالفعل وجهت موسكولطهران دعوة لحضور المؤتمر الذي تأجل. وتبرِّر إيران تقاربها مع حركة طالبان بمبررات مختلفة، فمن جهة، إيران لديها مخاوف من داعش في أفغانستان، ومن جهة أخرى، تعاني من تدهور علاقاتها مع الولاياتالمتحدة، وبالتالي هي توسع من علاقتها مع طالبان حتى يكون ذلك مؤثرا في زيادة احتمال أو ضرورة محادثات السلام المباشرة بين طالبان والولاياتالمتحدة. وقد حاولت إيران بالإيحاء لكل الأطراف بأن وجودها مفيد وسوف يساهم في تعزيز التجارة مع أفغانستان من خلال ميناء "تشابهار"، وهو ميناء على الخليج العربي تساهم في بنائه الهند منذ 15 عاما وسوف تديره بموجب اتفاق ثنائي مع طهران ردا على مساهمة الصينيين في بناء ميناء "جوادر" الباكستاني على بحر العرب، لكن إيران نسيت أن العقوبات الأمريكية ضدها لن تسمح لها بالتجارة مع أفغانستان، ناهيك بأن أمر استمرار الهنود في مشروع تشاهبهار غير مؤكد في ضوء تلويح واشنطن بعقوبات ضد أي بلد يتعاون مع النظام الإيراني. وبعبارة أخرى فإن ما كان مخططا له، وهو توريد البضائع الهندية إلى أفغانستان، وتوريد البضائع الأفغانية إلى إيران عبر هذا الميناء دون المرور بالأراضي والمواني الباكستانية بات أمرا مشكوكا فيه. أما على المستوى الإقليمي فإن دخول دول مثل إيرانوباكستان على خط الأزمة الأفغانية واستعدادها لاستضافة مباحثات مباشرة بين أطراف الأزمة، هو أمر تعتبره حركة طالبان موقفًا داعمًا لها ويصب في مصلحتها ويعزز موقفها السياسي في مفاوضاتها مع واشنطن. 5- تركيا: أرسلت تركيا قواتها إلى أفغانستان في إطار الناتو، ولكن قررت منذ البداية أن قواتها لا تشارك في العمليات العسكرية. بعثت تركيا في البداية ما يقارب 300 جندي إلى أفغانستان، ويفوق عددهم الآن الألف. ولكن هذه القوات لم تقتل أفغانيا واحدا إلى الآن. وقد درّبت تركيا إلى الآن ما يقارب 12500 من القوات الأفغانية في أفغانستان وما يقارب 3300 منها في داخل تركيا. في العقد الماضي، لعبت الحكومة التركية دورا كبيرا مع حكومة كرزاي، وعقدت الجلسة الثلاثية بين أفغانستانوباكستانوتركيا. بدأت هذه الجلسة الثلاثية بعد 2007م، وكانت أفغانستان حينها تتهم باكستان بأنها توفر ملاذات لطالبان أفغان، الذين ينفذون عمليات عسكرية في أفغانستان. واستمرت هذه الجلسات الثلاثية إلى عام 2012م، لسبع مرات، (في أعوام 2007م، و2008م، و2009م، و2010م، و2011م، و2012). مع أن هذه اللقاءات لم تحل الأزمة الموجودة بين أفغانستانوباكستان، ولكنها قلّصت من حدة هذه الأزمة بالتأكيد. وعلى سبيل المثال، التقى قادة المؤسسة العسكرية والاستخباراتية للدول الثلاث ولأول مرة في 2009م. وفي عام 2010م، في شهر ديسمبر/كانون الأول اتفقت الدول الثلاثة على إجراء عمليات عسكرية مشتركة، وقد أُجريت بالفعل في 2011م، في تركيا. بدأت تركيا من نوفمبر/تشرين الثاني، 2011م، مشروع "آسيا" أو (إسطنبول من أجل أفغانستان). وقد شاركت جميع الدول الجارة لأفغانستان في هذه الجلسة، وكان هدفها إحلال الاستقرار في أفغانستان. وتم دعوة رؤساء دول أفغانستان، وتركيا، وباكستان، كما دُعي مساعد الرئيس الإيراني، ومندوب الرئيس الصيني، ووزير الخارجية الصيني ومسؤولون آخرون. تدور العلاقات الأفغانية التركية كثيرا حول المحور الثقافي. وعندما يتحدث المحللون والمسؤون الأتراك حول هذه العلاقات، فإنهم يبدأون من التقارب الثقافي الموجود بين البلدين، وبأن تركيا أمام مسؤولية تاريخية كبيرة، بأن تساعد أفغانستان في الأوقات الصعبة. ويرون أن وجود العناصر الأزبكية والتركمانية، إلى جانب الثقافية الإسلامية أمور تدعو لتعزيز هذه العلاقات. يرى كثير من المحللين أن تركيا ستحاول في السنوات القادمة تعزيز هذه العلاقات الثقافية والاقتصادية. ولذلك تريد تركيا، تأسيس جامعة باسم (مولانا جلال الدين رومي) في أفغانستان. رغم انخراط تركيا في قضايا الشرق الأوسط واهتمامها بتلك القضايا، فإنه يبدو من تحركها الدبلوماسي أنها تريد أن تلعب دورا في إحلال الأمن والسلام في أفغانستان. يظهر من محاولات المسؤولين الأتراك أن تركيا تهتم كثيرا بأمن أفغانستان وباستقرارها، ليس لأن استقرار أفغانسان يعزز استقرار المنطقة فحسب، بل لأن أمن أفغانستان يرسخ أمن تركيا، ويوسع بشكل عام نطاق الفرص الاقتصادية أمام تركيا وبناءً على إحصائية أفغانستان السنوية، بلغت التجارة الأفغانية التركية إلى 2012م، 290 مليون دولار. وتؤكد دراسة أن الشركات العمرانية التركية عقدت في أفغانستان إلى 2010م، ما يقارب 3 مليارات دولار، وأكملت الحكومة التركية مشاريع بلغت تكلفتها 400 ملايين دولار. 6-الأزمة القطرية العربية: تحد الخلافات الموجودة بين دولتي السعودية وقطر من قدرة طالبان على المشاركة في المفاوضات، الأمر الذي يحد من قدرة طالبان على اتخاذ قرار بشأن المفاوضات الجارية، حيث تضطر الحركة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار مطالب جميع الأطراف التي ساعدتها خلال ثمانية عشر عاما الماضية وكانت بينها وبين الحركة علاقات بشكل من الأشكال. ونظرا لتدهور العلاقات بين الدول الدخيلة في عملية السلام فقد ترتب على ذلك وجود خلاف على مكان إجراء المفاوضات مما أدى إلى توقف مفاوضات السلام الأفغانية في فترات عدة، وسبب هذا الخلاف هو المشكلات الموجودة بين عدد من دول المنطقة. فالسعودية والإمارات العربية المتحدة لم توافقا على أن يتم إجراء المفاوضات في دولة قطر، بينما لم توافق إيران على السعودية والإمارات العربية المتحدة مكانا لإجراء المفاوضات. ولذا في مثل هذا الوضع يجب على أمريكا والحكومة الأفغانية الاحتفاظ بهذه العملية بعيدا عن خلافات دول المنطقة فيما بينها متأثرا بعلاقاتهم المتدهورة. 7- المملكة العربية السعودية: تتمتع المملكة بمكانة عالية في العالم العربي من جهة، ومن جهة أخرى منحت باكستان مليارات الدولارات؛ لذلك تستطيع الضغط على طالبان عن طريق باكستان للتفاوض مع الحكومة الأفغانية. 8- قطر: سعت قطر إلى فتح مكتب سياسي لطالبان بعد التشاور مع السلطات الأمريكية. وقد نظمت طالبان أنشطتهم السياسية عبر هذا المكتب خلال السنوات القليلة الماضية، كما زار بعض مسؤولين غربيين ممثلي طالبان في المكتب السياسي في أوقات مختلفة. ومن ثم يمكن القول بأن قطر تريد السيطرة بشكل غير مباشر على مفاوضات السلام مع طالبان مباشرة خصما من الدور الإماراتي والسعودي.