أعتقد ليس عيبا، أو ليس عيبا قوى أن أبدأ هذه السطور ب«هل».. فهل الصحف والصحافة والإعلام عموما هم الآن «الحيطة الواطية» التى تستسهل الست السلطة الانتقالية الحالية «متى ستنقلنا؟ وإلى أين بالضبط؟» رمى أزماتها ونتائج فشلها السياسى وعشوائيتها وارتباكها السلوكى عليها؟! أظن أن السلطة تظن هذا فعلا، والدليل ليس واحدا ولا اثنين ولا عشرة، بل مئة دليل على الأقل تراكمت أمام عيوننا الكحيلة فى الأسابيع القليلة الماضية، وكان آخرها وأحدثها هذا التتابع المذهل والتوسع غير المسبوق فى الإقدام على وقف طباعة عدد من الصحف والتهديد بمصادرتها ومنعها من الوصول إلى قرائها ما لم يتم تغيير بعض المواد المعدة للنشر فيها، تلك التى لا تعجب أو لا تناسب مقاس ومزاج الست المذكورة أعلاه!! وأكاد أقطع بأن أحد أهم الأسباب التى تقف خلف هذه الجرأة وذاك التمادى الخطير فى ممارسة العدوان على الحريات الصحفية والإعلامية ومحاولة محاصرتها وتضييق نطاقها وتعليمها الأدب، هو خرسنا التام وصمتنا المطبق الذى يلامس أحيانا حدود «الجبن» شخصيا، على هذه الممارسات بما يغرى ستنا السلطة بالمزيد من التوحش والاستئساد علينا وعلى أهالينا أكثر وأكثر. وربما لاحظت حضرتك أننى فى الفقرة السابقة اعتبرت صمتنا وجبننا وتقاعسنا، نحن معشر الصحفيين والإعلاميين، عن مواجهة هذه العدوانات السافرة على الحريات الصحفية هو «واحد» فقط وليس «كل» الأسباب المهمة التى تيسر وتشجع على التمادى فى هذا الطريق المشؤوم، فالحقيقة أن هناك أسبابا ومغريات أخرى عديدة لها علاقة بحقيقة أن ثورة الشعب المصرى العارمة التى كانت «الحرية» أهم مطالبها وأوضح شعاراتها، صار مصيرها ومسارها الآن محكومين بإرادات وتدخلات وتحكمات قوى فى الدولة والمجتمع، أغلبها لا يستسيغ ولا يؤمن ولا يفهم أصلا يعنى إيه حرية!! طبعا المجال يضيق عن التوسع فى شرح هذا الوضع المعقد الذى نعيش ونكابد حاليا تجلياته ومفارقاته وأزماته على كل صعيد، لكن لا مفر من الاعتراف بأن منطق الأمور يقول إن الصحفيين والعاملين بالإعلام، رغم أنهم ليسوا وحدهم أصحاب الحق الحصرى فى حرية الإعلام والصحافة بل الشعب والمجتمع كله هو صاحب هذا الحق الأصيل، فإن واجبهم المهنى والوطنى وقدرهم الحتمى أن يكونوا دائما فى مقدمة جيش المقاومة والدفاع عن هذه الحرية. صحيح أننا بعد ثمانية أشهر من الثورة «وهذه واحدة من (المفارقات الثورية) التى لا تخل من ظرف ولطافة»، ما زلنا نمارس نوعا فريدا من الحريات الصحفية والإعلامية التى تبدأ وتنتهى ضمن حدود وضع «عرفى» يقوم على «السماح» و«الطناش»، وأن بعض «الفضفضة» و«التنفيس» لا يضر بل قد يفيد فى «تزييت» الحالة وتجميل وجهها القبيح الملوث بتلك الترسانة الرهيبة من القيود القانونية والتشريعية التى تكاد لو طبقت أن تجرم وتصادر حق الناس «صحفيين وغيرهم» فى التنفس وممارسة فعل الشهيق والزفير إذا انتقل إلى العلن. ومع ذلك فالإقرار بحقيقة أن تغييرا ثوريا لم يلامس بعد أطراف أصابع الصحافة والإعلام، ولم يظهر فى الأفق حتى اللحظة، ما يشير إلى نية البدء قريبا فى عملية «تحرير» جادة وشاملة للبيئة الإعلامية والصحفية. هذا الإقرار لا يصلح مبررا أبدا للتقاعس والقعود عن مهمة حماية «هامش» الحرية المتاح حاليا بحجة أنه «عرفى»، وفيه من الزواق والكذب أكثر مما فيه من أصالة وصدق، وإنما الواجب الذى يستحيل الهروب منه هو الزود عنه وعدم السماح بتآكله وتضييقه حتى يطبق تماما على رقابنا. ولأن أفضل وأنجع وسيلة للدفاع هى الهجوم المضاد، فإن علينا ابتداء من أمس وليس غدا، أن نشعل جبهة الحرب انتصارا لحق الشعب المصرى فى حرية رأى وتعبير وصحافة حقيقية ومقننة ومحمية من أى عبث أو تلاعب أو مصادرة بأى ذريعة وأى سبب، حتى لو كان الشطط، فالشطط والخطأ والله حق من حقوق الإنسان.