انتشر على المواقع الإلكترونية فيديو تم تصويره فى أحد الأقسام فى محافظة الدقهلية، مدة الفيديو أربع دقائق ونصف الدقيقة، يبدأ بتصوير ثلاثة متهمين مكبلى الأيدى مربوطى الأعين وملقىن على الأرض. أحدهم يتم إخراجه بسرعة ويقول له الذى يدير المشهد «اخرج انت يا إسلام انت مالكش فى الليلة دى.. خرّجوه)، فيحملونه ويخرجونه. الاثنان اسمهما حسن وسيد، يأمر المدير بكشف أعينهما، ثم بمجهود شديد يجبرونهما على الوقوف، ثم يبدأ التلطيش فيهما. رجال يرتدون ملابس تظهر أن بعضهم من رجال الشرطة وبعضهم من رجال الجيش، والجميع دون استثناء يضربون المتهمين بأيديهم ما عدا واحد يستخدم صاعقا كهربائيا يصعق به سيد فى أذنه وظهره، ويصعق حسن بدرجة أقل، لأن حسن ينال من التلطيش أكثر من سيد. أعتقد أن حسن كان مخدرا، ولا يشعر بالألم الجسمانى كما هو معتاد بالنسبة إلى محترفى التعرض للضرب فى الأقسام، وبالتالى لن يفيد الضرب فى استنطاقه، أما سيد فكان يتألم ويبدو متيقظا أكثر قليلا من حسن، لكن الواضح أنه ليس مطلوبا منه معلومات أصلا. يبدو أن الضرب كان هدفا فى حد ذاته.. ممكن؟ يحاول الرجل المدير أو المحقق الذى لم يظهر فى الفيديو إطلاقا أن يستنطق حسن عن اسم من أعطى له الأسلحة التى وجدوها فى بيته «الطبنجات»، وحسن ينكر معرفته بالأسلحة أصلا. والتلطيش مستمر، والألفاظ البذيئة متدفقة، أما سيد فقد قال إنه يدرس فى كلية أصول الدين، فازداد الهجوم عليه لفظا وتلطيشا وصعقا بالكهرباء، يعلن المحقق أن هؤلاء الرجال جاؤوا من مصر خصيصا بأوامر من المشير والوزير ليعرفوا من حسن معلومة عمن أعطاه الأسلحة. يظهر فى الجانب الآخر من الصورة شخص آخر يمسك فى يده محمولا، ويصور نفس المشاهد من زاوية مختلفة. والمؤكد أن الجميع يعرفون أن المشهد يتم تصويره. بعد ساعات من انتشار الفيديو صدر قرار من الشرطة العسكرية بالتحقيق فى الواقعة. لا أعتقد أن من أصدر القرار بالتحقيق قد سبب له هذا المشهد صدمة أو مفاجأة. الجديد الوحيد فى المشهد هو وجود رجال يبدو من ملابسهم أنهم من الشرطة العسكرية، وأنهم يشتركون فى الضرب بنفس كفاءة وآلية رجال الشرطة. أعتقد أن هذا نوع ما جديد بالنسبة إلينا، لكن ليس غريبا ولا مفاجأة أيضا، على الأقل بالنسبة إلى. هل يعنى هذا أننى لا أوافق على خطوة التحقيق أو لا أقدرها، على العكس تماما، أقدرها جدا على أساس أنها خطوة شكلية تظهر أهمية أن نبدو إنسانيين، وهذا فى حد ذاته مطلوب. مطلوب أن نعرف أهمية أن يكون شكلنا يشبه الإنسان. الفيديو لم يظهر فيه شكل الإنسان إطلاقا. وتعليقات البعض على الفيديو توضح أن ترك هذه المشاهد دون تحقيق سيجعلها تحدث فى المستقبل علنا. ربما على شاشات التليفزيون مثلا. من يصدق أن الإضافة التى أضافتها الثورة إلى مثل هذه الفيديوهات هى ظهور الوجه الحقيقى لإنسانية رجال الشرطة العسكرية. المفاجأة الحقيقية هى ظهور الوجه الآخر لرجال النيابة فى القصة التى عرفت خلال الأيام الماضية، والتى تحكيها طبيبة فى الغردقة تعرضت لإهانات وتهديدات من وكيل نيابة منعته من دخول الرعاية المركزة، فأصر على استدعائها إلى النيابة، وهددها وأجبرها على الوقوف على بلاطة واحدة لمدة أربع ساعات!! هل سينضم رجال النيابة أيضا؟ أم أنهم انضموا بالفعل فى غفلة منى؟!