منذ أن تدخل الجيش الروسي في الصراع السوري للمرة الأولى عام 2015، كانت هناك تفاهمات بين موسكو وتل أبيب، سمحت للأخيرة بحرية العمل في الأجواء السورية، إلا أنه من الواضح أن الفترة المقبلة ستشهد نهاية لهذا الوضع، وذلك بعد سقوط طائرة المراقبة الروسية، بواسطة الدفاعات الجوية السورية، خلال غارة جوية اسرائيلية ضد أهداف إيرانية. صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، أن هذه الحادثة أدت إلى تدني العلاقات بين إسرائيل وروسيا إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات. في المقابل، صرح مسؤول إسرائيلي بارز أن قرار روسيا بتقديم أنظمة الدفاع الجوي "إس 300" إلى سوريا، يشكل تحديًا خطيرًا للدولة اليهودية، لكنه أضاف أن إسرائيل تعمل على إيجاد طرق لمنع هذا الأمر من أن يصبح تهديدًا كبيرًا لأمن البلاد. وأضاف المسؤول أنه يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يدرك أنه في الوقت الذي اتخذت فيه موسكو قرارًا خطيرًا، فإن إسرائيل تحتفظ بحقها في حماية نفسها وأن لديها دعمًا من الولاياتالمتحدة. بينما انتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الجمعة، قرار روسيا بتزويد سوريا بنظام "إس 300"، واصفًا إياه بأنه "غير مسؤول"، لكنه قال: إن إسرائيل ملتزمة بمواصلة التعامل مع موسكو في عملياتها العسكرية في المنطقة. ووفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن مقتل 15 جنديًا روسيًا سبب إحراجًا كبيرًا لموسكو، التي نصبت نفسها كقوة عظمى رئيسية في المنطقة، وألقت باللوم على إسقاط الطائرة الأسبوع الماضي بشكل مباشر على إسرائيل، متهمةً إياها باستخدام الطائرة كغطاء لتنفيذ الضربات على أهداف في سوريا. وفي هذه الأثناء، ألقت إسرائيل باللائمة في الحادث على النظام السوري، الذي استخدم بطارية مضادة للطائرات روسية الصنع لإسقاط الطائرة خلال هجوم شنته مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف 16" على منشأة عسكرية سورية بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية، في 17 سبتمبر الجاري. البداية، أرسلت إسرائيل وفدًا من الجيش إلى موسكو عقب الحادث برئاسة قائد سلاح الجو الجنرال عميكام نوركين، لعرض كل الحقائق المتعلقة بالحادث على الروس، بما في ذلك المعلومات التي تم جمعها قبل الهجوم، وتسجيل مكالمات الخط الساخن بين تل أبيب وقاعدة حميميم الجوية قبل العملية الإسرائيلية، ونتائج التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي في الحادث. وبحسب ما ورد رفض المسؤولون الروس محاولة إسرائيلية لإرسال وفد حكومي رفيع المستوى إلى موسكو برئاسة مستشار الأمن القومي مئير بن شبات، إلى جانب وفد سلاح الجو الذي يترأسه نوركين. اقرأ المزيد: إسرائيل في مأزق.. الاعتراف بالخطأ تعويض روسيا الوحيد عن إسقاط الطائرة ووفقًا للتقارير، فقد سعت إسرائيل أيضًا لإرسال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أو وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، لزيارة موسكو لمنع تصاعد الأزمة الدبلوماسية. لكن روسيا، التي ألقت باللوم على الجيش الإسرائيلي وليس الحكومة، وفضلت بدلًا من ذلك مقابلة نوركين فقط، للاستماع إلى تفسيره للحادث المميت. وفي الوقت الذي لم يشكك أحد في أن القوات السورية هي التي أسقطت الطائرة الروسية باستخدام نظام دفاع صاروخي روسي الصنع، وبالإضافة إلى زيارة الوفد الإسرائيلي لموسكو والمكالمات الهاتفية بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أنه روسيا تجاهلت نتائج تحقيق سلاح الجو الإسرائيلي. وتساءلت الصحيفة عن سبب هذا التجاهل، هل للحفاظ على ماء وجهها، بعد أن أشار البعض إلى تحمل روسيا، التي تساعد في إدارة شبكة الدفاع الجوي السورية، بعض المسؤولية؟ أم لأن موسكو رأت في إسقاط الطائرة ذريعة طال انتظارها لإبطال اتفاقها مع إسرائيل، وهو الأمر الذي سمح حتى الآن للقوات الجوية الإسرائيلية بمهاجمة أهداف في سوريا دون عقاب؟ الصحيفة ترى أن الخيارين محتملين على حد سواء، حيث أوضح العديد من المحللين، إن إسقاط الطائرة الروسية قد كشف عن وجود مشاكل جوهرية في الدفاعات الجوية السورية، روسية الصنع، ولا سيما فيما يتعلق بمدى فاعلية أنظمة التعرف على القوات المعادية والصديقة التي تحملها طائراتها. وحقيقة أن موسكو لم تنجح في إنقاذ إحدى طائرات التجسس الخاصة بها، هي إحراج كبير لجيشها، خاصة وأن الضباط الروس الذين يديرون الدفاعات الجوية السورية إلى جانب السوريين، فشلوا في الإشراف بشكل صحيح على الجنود السوريين الذين ضغطوا على زر الإطلاق، ضد الطائرات الإسرائيلية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إسقاط الطائرة الروسية. وأضافت أن اتهام إسرائيل باستخدام الطائرة الروسية كدرع من الصواريخ السورية، ليس من المرجح أن يكون أكثر من "درع" ضد فشل قواتها المنتشرة في سوريا. اقرأ المزيد: الدفاع الروسية تعلن تفاصيل حادث الطائرة «إيل-20» والأمر المزعج بالقدر نفسه هو الضربات التي تعرض لها حلفاء روسيا في سوريا خلال الأشهر الأخيرة، من الطائرات الإسرائيلية، خاصة بعد اعتراف إسرائيل مؤخرًا بأنها شنت أكثر من 200 هجمة على سوريا منذ عام 2017، وهو ما دفع موسكو إلى الشعور بحاجتها إلى إظهار بعض العزيمة، لإظهار التزامها بحماية طهران ودمشق، شركائها الاستراتيجيين الأساسيين في المنطقة. حيث شددت روسيا، التي تنظر إلى إيران باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في حل الأزمة في سوريا، مرارًا وتكرارًا على أهمية الدور الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية في البلد الذي مزقته الحرب. ونادرا ما تعلق إسرائيل على التقارير الأجنبية عن أنشطتها العسكرية في سوريا، وتجاهلت اتهامها بشن مئات الهجمات منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد. وأشارت "جيروزاليم بوست" إلى أن بعض الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل وقعت في المناطق التي قام فيها الروس بنشر أنظمة الدفاع الجوي من طراز "إس 300" و"إس 400"، ولكن بفضل اتفاق عدم التصعيد لم تواجه الطائرات الإسرائيلية أي خطر على الإطلاق. وبعد إسقاط الطائرة الروسية، أعلنت موسكو أنها ستزود سوريا بنظام الدفاع الصاروخي المتقدم من طراز "إس 300"، وستنشر مضادات إلكترونية على الساحل السوري من شأنها أن تعرقل عمل الأقمار الصناعية وأنظمة الرادار والاتصالات على متن الطائرات الحربية التي تهاجم أهدافًا في الأراضي السورية. وقال نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، الأربعاء الماضي، إن "إسرائيل التي اعتادت على تنفيذ العديد من الهجمات في سوريا تحت ذرائع مختلفة، سوف تضطر إلى إعادة النظر قبل شن هجمات أخرى". لكن في حين يعتقد البعض أن منح أنظمة "إس 300" للسوريين قد يعرض المهام الإسرائيلية في سوريا للخطر، أفادت تقارير أجنبية أن الطيارون الإسرائيليون تدربوا بالفعل على مواجهة هذا النظام والتغلب عليه. اقرأ المزيد: هل تنجح منظومة «إس 300» الروسية في تأمين أجواء سوريا بشكل كامل؟ فعلى سبيل المثال، قامت اليونان العضو في حلف الناتو، بتشغيل نظام "إس 300" منذ أواخر التسعينيات، في الوقت الذي تدربت فيه الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي، مما منحها فرصة لتعلم نظام تتبعها على أرض الواقع. ومن جانبه كتب عاموس يادلين رئيس معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، على حسابه على تويتر يوم الثلاثاء "إنه تم تهويل أنباء حصول سوريا على أنظمة (إس 300)"، مضيفًا أن "أنظمة (إس 300) لن تقوم بتغيير التوازن الاستراتيجي في المنطقة، فلا يوجد نظام دفاع جوي منيع أو غير قابل للتدمير، لدى إسرائيل طائرات (إف 35) التي صممت من أجل هذه الأنظمة". وأكمل أنه "إذا أدار الروس بطاريات (إس 300) بأنفسهم فهذا ليس أمرًا جديدًا، حيث تعمل بطاريات (إس 400) الروسية في سوريا لسنوات، ولم تطلق الصواريخ ضد الطائرات الإسرائيلية أو الأمريكية، وإذا قامت طواقم سورية بتشغيلها، فإن إسرائيل ستعرف كيف تصيبها، وستتضرر سمعة أنظمة الدفاع الجوي الروسية".