تحل غدًا الخميس ذكرى عاشوراء التي تذكرنا بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين في ذلك اليوم ونجاتهم من عدو ظالم متجبر أراد تحدى الله وادعى الربوبية وظلم وقتل واستضعف المؤمنين وانتهك أعراضهم وظن أنه منتصر وأن العقاب الإلهي لن يطوله. في يوم العاشر من محرم نجى الله فيه موسى عليه السلام والمؤمنين معه من قومه بني إسرائيل من ظلم وعدوان فرعون الذي أجبر الناس على عبادته واستعبد بني إسرائيل، فنجاهم الله من بطشهم وأورثهم الأرض بعد أن كانوا مستضعفين وجاء النَّصر بعد أن ظنوا أنَّهم هلكوا وبعد أن ظنَّ عدوهم أنه فاز فقد جاء النصر بغتة. أنعم الله علي عباده بمواسم الخيرات التي تتابع عليهم طوال العام، فبعد أن يصوم المسلمون شهر رمضان ثم يؤدون شعائر الحج إلى بيت الله الحرام يحل عليهم شهر الخيرات، وهو شهر محرم الذي هو أحد الأشهر الحُرُم التي حرم فيها القتال. صيام عاشوراء يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم وهو بداية السنة الهجرية وحين جاء الإسلام، وهاجر رسول الله إلى المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فرحا بنجاة موسى عليه السلام من فرعون وجنوده أبلغ صحابته بصيامه: "أنا أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه، وكان ذلك في أول السنة الثانية من الهجرة، فكان صيامه واجبا فلما فرض الله صيام شهر رمضان، فوض الأمر في صيامه إلى التطوع للتقرب إلى الله. وإذا علمنا أن صيام رمضان كان في السنة الثانية من الهجرة تبين لنا أن الأمر الرباني بصيام يوم عاشوراء وجوبا لم يقع إلا في السنة الأولى من الهجرة النبوية، حسبما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه، أي عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه". أحداث كبرى 5 أحداث عظام وقعت في يوم عاشوراء الكريم، وهي: التوبة على سيدنا آدم عليه السلام، نجى الله سيدنا نوح عليه السلام من الطوفان ونجاة سيدنا موسى عليه السلام من فرعون كما وقعت فيه غزوة ذات الرقاع ثم حادث استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهم. يختلف المسلمون بشأن الاحتفالات في ذكرى عاشوراء، فالسني يحتفل لنجاة نبي الله موسى وبنو إسرائيل بمثل ذلك اليوم من فرعون وجنده، بينما تجد المسلم الشيعي يحزن لمقتل الإمام الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة بمثل ذلك اليوم. وعن صيام يوم عاشوراء منفردًا قالت دار الإفتاء المصرية: "نعم يجوز صوم يوم عاشوراء منفردًا، ولا حرج فى ذلك شرعًا؛ لأنه لم يرد نهي عن صومه منفردًا، بل ورد ثبوت الثواب لمن صامه ولو منفردًا ولكن من المستحب صيام اليومين التاسع والعاشر من محرم". والدليل على ذلك ما ورد عن رسول الله حين سأله الصحابة: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال لهم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، بالإضافة إلى يوم عاشوراء. وذهب الحنفية إلى أن إفراد يوم عاشوراء بالصوم مكروهٌ كراهة تنزيه؛ وبناءً عليه: فيجوز صوم يوم العاشر من شهر الله المحرم منفردًا، ويستحب مع ذلك صوم يوم قبله أو يوم بعده خروجًا من الخلاف. مأساة كربلاء وسار المسلمون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وقعت مأساة كربلاء التي استشهد فيها سبط النبي الحسين بن علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام؛ وذلك عندما ثار لله في وجه الحكم العاض الذي تحول في عهد معاوية بن أبي سفيان إلى حكم وراثي، تؤخذ فيه البيعة للحاكم التالي في حياة الحاكم الحالي، لينتقل الحكم باسم خلافة النبي إلى التوريث بالقرابة بعد اغتيال الشورى بالحرب، فقفز إلى الحكم صحابي مفضول في حضور وحياة صحابة أفاضل أكارم من ذوي الفضل والسابقة في الإسلام. واستثمر الشيعة هذه المأساة التي ظلم وأهين فيها أهل بيت رسول الله على يد يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد لشحذها وشحنها بدلالات جديدة من معاناة الحسين وآل البيت عليهم السلام، وتهدف إلى إظهار الحزن والندم والحسرة على خذلان آل البيت في ساعة العسرة. وذلك بالبكاء والعويل وتعذيب النفس بالجلد بالسياط والسكاكين والسيوف والعزم على نصرة الأئمة من آل البيت الكرام. طقوس غريبة يحتفل السُنة بذكرى عاشوراء في المساجد الكبرى ويقيمون الموائد للمريدين والمساكين ويرددون عبارات المدح والأناشيد الدينية في حب النبي وآل البيت الكرام ويُفتح ضريح الإمام الحسين تزامنًا مع ذكرى عاشوراء لإحياء تلك الليلة المباركة. ويحتفي المسلمون في مصر بشهر محرم، فيصومون يومي التاسع والعاشر سُنة عن رسول الله كما يتناول المصريون طبق عاشوراء، وتشهد مساجد آل البيت حالة من الاستنفار الأمني تزامنًا مع يوم عاشوراء. في المقابل، تُعرف طوائف الشيعة في طقوسها لإحياء هذا اليوم بالعنف والدم تكفيرًا منهم عن مقتل الإمام الحسين في كربلاء بين صياح وعويل ولطم للوجوه، يتبعها تقطيع في الأجساد بآلات حادة وأسلحة بيضاء، وضرب للرؤوس في الحوائط حتى تنزف مزيدًا من الدماء. البداية من هنا تصاعدت مظاهر الاحتفال الدموية للشيعة بذكرى عاشوراء خلال عصر الدولتين "البويهية" و"الصفوية" التي حكمت غرب إيرانوالعراق، بعدما أمر حاكمها الدولة بإغلاق الأسواق في العاشر من محرم، وخرج وقتها النساء يلطمن الوجوه ويشققن الملابس حزنًا على مقتل الحسين. بعد ذلك تطورت مظاهر وطقوس الاحتفال حتى ظهرت مجالس التعزية، لمحاكاة الآلام التي عانى منها الحسين بمقتله، ومن هنا بدأت مظاهر الضرب بالسلاسل الحديدية على الظهر والسكاكين على الرأس، وتقييد أيدي النساء والزحف على أرجلهم في موكب الحسين يجسدون من خلاله وقائع ما حدث في كربلاء. بينما تختلف طقوس الشيعة في الاحتفال بيوم عاشوراء حول العالم، ويعتبر اليوم عطلة رسمية في بعض الدول ذات الأغلبية الشيعية مثل مصر وإيران، لبنان، البحرين، الهندوالعراق والجزائر، في حين تقتصر مظاهر الاحتفال في البلدان السنية علي الصيام. مرقد الحسين في العراق يحتشد آلاف الزوار بلباسهم الأسود عند مرقد الإمامين يستمعون من خلال مكبرات الصوت، إلى سيرة معركة كربلاء، حيث قتل الحسين، ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة الأثني عشرية، مع عدد من أفراد عائلته، وتتحرك مواكب لمئات الرجال يرتدون ملابس بيضاء بممارسة شعائر التطبير بحز رؤوسهم بالسيوف والحراب قبل الضرب عليها وسريان الدم منها، ويحتشد حولهم آلاف الزوار عند مرقد الحسين. وفي المغرب يطلقون عليه "يوم زمزم" ويقوم فيه المغاربة برش الماء على بعضهم وعلى مقتنياتهم للتبارك، ويجتهد التجار في بيع كل بضائعهم، ويعقب عاشوراء "ليلة الشعالة"، حيث يجتمعون حول نار ويرددون الأناشيد ويقصون على الأطفال قصة مقتل الحسين. كما تشكل الشيعة الأغلبية الإثنى عشرية في البحرين، ويحيى ذلك اليوم الآلاف، بالدماء وضرب بعضهم بالأسلحة البيضاء والسلاسل الحديدية. وفي المملكة العربية السعودية رغم التشديدات القوية التي تقوم بها المملكة، إلا أن الآلاف يحيون يوم عاشوراء في شوارع القطيف بالمنطقة الشرقية مرتدين اللباس الأسود. الشارات السوداء ويحيي الشيعة ذكرى عاشوراء في إيران بطقوس ومراسم مختلفة، حيث تتشح الشوارع بالسواد، وترفع الشارات السوداء في كل مكان، ويكتب عليها شعارات دينية مؤلمة: مثل "يا حسين يا مظلوم، يا ثأر الله، السلام عليك يا أبا عبد الله". كما تمتلئ سرادقات العزاء في شوارع وأزقة البلاد مرفوعًا عليها الأعلام السوداء مكتوبة بالأحمر، بما يشير إلى الدماء كلمة: "يا حسين يا شهيد، يا قمر بني هاشم".