مع اقتراب الانتخابات الجزائرية تتوالى إقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لقيادات عسكرية هامة، دون الإفصاح عن أسباب تلك الإقالات، إلا أنها تأتي بعد دعوات للمؤسسة العسكرية "الجيش" بالمشاركة في الانتقال الديمقراطي للسلطة. فاستمرارًا لمسلسل الإقالات في ظل مشهد سياسي غير واضح المعالم، أجرى "بوتفليقة" تغييرات واسعة واستثنائية على قيادات المناطق العسكرية الميدانية التي تنقسم لست مناطق، حيث أنهى مهام قائد الناحية العسكرية الأولى اللواء حبيب شنتوف، وكذا قائد الناحية العسكرية الثانية السعيد باي، كما أجرى تعديلاً على قيادة الناحية العسكرية السادسة. واعتمد الرئيس الجزائري حركة جزئية في قيادات النواحي العسكرية، شملت ناحيتين من أصل 6 في التنظيم العسكري، وتمت خارج قائمة التغييرات المعهودة لكبار الضباط، والتي تتم عادة في ذكرى استقلال البلاد أو في ذكرى الثورة التحريرية، وهو ما يعني أن الدوافع تختلف وقد تكون على علاقة بملف خارجي، مُجريا بذلك تغييرًا جديدًا في هيكل السلطة بالبلاد قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل المقبل. توالي الإقالات جاء عزل اللواءين الأخيرين، بعد نحو شهرين من إقالة الرئيس بوتفليقة المدير العام للأمن الوطني عبد الغني هامل، كما أقال بوتفليقة في يونيو، "مناد نوبا" الذي كان مسؤولًا عن قوات الدرك، وهي وحدة أمنية منفصلة تابعة للجيش، إضافة إلى إقالة مدير الشؤون المالية بوزارة الدفاع الجنرال بوجمعة بودواور. اقرأ أيضًا: سياسة التقشف تشعل الشارع الجزائري.. وبوتفليقة يعلن التحدي فمنذ شهر يونيو الماضي، تتوالى سلسلة الإقالات في صفوف قادة الأجهزة الأمنية في الجزائر بشكل لافت ومتسارع، وسط تكهنات عديدة وذهول خيّم على المشهد السياسي العام في البلاد. الجنرال المعزول هامل، كان يعد من أبرز المرشحين لخلافة بوتفليقة، وخلال تنقلاته كان يحظى بإجراءات بروتوكولية أكثر من تلك التي تخصص لرئيس الحكومة، ما أثار حفيظة جهات عليا في الدولة. وأشيع أن "هامل" تجاوز واجب التحفظ، وأدلى بتصريحات إعلامية مُدوية حول الفساد، وقضية الكوكايين المهرب من البرازيل، والتي تورط فيها قضاة ومسؤولون بارزون في وزارة العدل ودائرة الديوانة. اقرأ أيضًا: هل نظمت الجزائر رحلات جوية إلى إسرائيل؟ كما شهد قطاع الدرك الوطني، وهو جهاز أمني تابع لوزارة الدفاع الوطني منذ فترة تغييرات، بدءًا بإنهاء مهام اللواء نوبة مناد، وتوقيفات أخرى في صفوف الجيش ووزارة الدفاع، بحسب "الشروق الجزائرية". صراع على السلطة وفي الوقت الذي لم تعلن الرئاسة الجزائرية عن أسباب عزل اللواءين، أثيرت هذه الإقالات وسط تساؤلات عديدة خيمت على المشهد السياسي العام في البلاد، وعلاقتها بالانتخابات الرئاسية القادمة 2019، لكن أجمع مراقبون أن هذه المستجدات تنذر بصيف سياسي ساخن في الجزائر. كما يشير بعض المراقبين ووسائل الإعلام المحلية إلى وجود صراع على السلطة بين النخبة السياسية والعسكرية والتجارية قبل أشهر من استحقاق رئاسي يحيطه الغموض، بحسب "يورو نيوز". وترى حركة مجتمع السلم "إخوان الجزائر" أن الصراعات التي تشهدها البلاد لها علاقة بانتخابات 2019، وقالت الحركة: إن "الصراعات التي تعيشها البلاد في هذه الظروف العصيبة تهدد بجعل مؤسسات الدولة رهينة التصارع على السلطة". فيما يرى المحلل الجزائري أحسن خلاص، في تصريح ل"رأي اليوم"، أن السلطة في البلاد بصدد إعادة ترتيب البيت، وأنه في حالة ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، فلن تكون الولاية الرئاسية الرابعة مثل الخامسة، فالجميع يدرك اليوم أن الانتخابات الرئاسية القادمة لن تكون مفتوحة بل توافقية، ولهذا فإنها ستنطلق من الآن. اقرأ أيضًا: بعد «لقاء الخصوم».. هل يشارك الجيش في «الانتقال الديمقراطي» بالجزائر؟ أما النائب البرلماني السابق، محمد حديبي فأشار إلى أن صيف 2018 لن يكون سياسيًا عاديًا بالنظر إلى الأحداث المتسارعة التي تشهدها البلاد على الصعيد السياسي، وذلك في ظل التغييرات الكبيرة التي مست أكبر المؤسسات الأمنية في البلاد، موضحًا أنها أمور داخلية في ترتيب البيت الداخلي للسلطة. دماء جديدة الخبير الأمني عبد الحميد العربي شريف، صرح بأن التغييرات الجديدة التي طالت المؤسسة العسكرية تصب في مصلحة الجزائر، موضحًا أن التغييرات التي قام بها رئيس الجمهورية لا بد منها لضمان استقرار أمني. كما أشار الخبير الأمني إلى أن التحديات الأمنية الجديدة تفرض ضخ دماء جديدة على المؤسسات العسكرية لضمان الأمن القومي، بحسب "النهار". وسبقت هذه الإقالات دعوة "حركة السلم" إلى تدخل الجيش فيما أسماه "حماية الانتقال السياسي في البلاد" قبل انتخابات الرئاسة المرتقبة العام المقبل، إلا أن تلك الدعوة أثارت ردود فعل غاضبة من أحزاب موالية للسلطة. حيث أغضبت هذه الدعوة قيادة جبهة التحرير الوطني، وهو حزب الغالبية الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن سرعان ما انتقد الأمين العام للحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس أصحاب الدعوة من حركة مجتمع السلم، قائلًا: "دعوتكم معناها انزلوا أنتم من الحكم، واتركونا نحكم". كان حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم قد دعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يشهد وضعه الصحي تدهورًا يومًا بعد يوم ونادرًا ما يظهر في العلن منذ إصابته بجلطة دماغية في العام 2013، لخوض الانتخابات لولاية خامسة، كما دعت أحزاب أخرى مقربة من السلطة الرئيس للترشح لعهدة جديدة، وفقا ل"فرانس 24". اقرأ أيضًا: «الحكومة الافتراضية» بالجزائر.. هل ستكون بداية لنهاية «أويحيى»؟ ولم يعلن بوتفليقة، الذي يقود الجزائر منذ عام 1999 عن رغبته فيما إذا كان سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة أم لا.