فطين عبد الوهاب.. أحد أهم مخرجي السينما المصرية في القرن الماضي، دارس الهندسة والزراعة والفنون الجميلة، موظف إدارة الجوازات بالداخلية، وضابط الاحتياط بالحربية، اليوزباشي الذي ترك كل ما سبق من أجل الفن، ولما لا وهو ابن عائلة تحب الفن وتحترفه، فتأثر بأخويه "سراج وحسن" اللذين جذباه للمجد، فأصبح مبدعًا ارتبط اسمه بفن كوميديا الموقف، قال عنه عمر الشريف إنه "أفضل مخرج كوميديا في العالم"، أحبته ليلى مراد، وأنجبت له ابنه الوحيد "زكي" الذي سلك نهج أبويه وعمل بالفن، ورحل بطريقة مفاجئة إثر أزمة قلبية حادة. النشأة ولد في مدينة دمياط في 22 نوفمبر عام 1913، أخوه الأكبر الممثل سراج منير، والأخ الثاني هو الناقد السينمائي حسن عبد الوهاب، الذي سافر لدراسة السينما بعدما درس الهندسة، وكان لديه مكتبة سينمائية ضخمة، التهمها فطين الأخ الأصغر فيما بعد، وتشجع على إثر هذه المعرفة أن يخوض تجربته المميزة في عالم السينما. أنهى فطين دراسته السينمائية التي كانت تعرف وقتها بالبكالوريا والتحق بعدها بكلية الزراعة؛ وجرب حظه مع كلية الفنون الجميلة بغرض دراسة التصوير، لكن التنسيق الداخلي للكلية ألقى به في قسم العمارة، وهذا ما لم يحبه أيضًا، فاتخذ قرارًا جريئًا وترك سلك التعليم نهائيًا، وعمل موظفًا بقسم الجنسية في وزارة الداخلية "إدارة الجوازات"، ثم تطوع في الجيش وتخرج في الكلية الحربية بأول دفعة لضباط الاحتياط عام 1939. من الجيش إلى السينما ظل يتدرج بين الرتب حتى عام 1944 الذي ترك فيه الجيش وهو يوزباشي، وكان ذلك لأسباب أولها مكتبة أخيه "حسن" التي أمدته بثقافة سينمائية جيدة للغاية؛ كوّنت لديه مجموعة من الأفكار البصرية التي أرادها أن تظهر للنور، حيث وجد لديه حصيلة ثقافية سينمائية جيدة دفعته إلى ارتياد الأفلام وتتبع حركة السينما في مصر، وبدأ بكتابة مقالات في النقد السينمائي لتنشرها له مجلة "فن السينما". بدأ مشواره كمساعد مخرج عندما استدعاه يوسف وهبي وطلب منه أن يكون مخرجًا مساعدًا في فيلم "بنات الريف" عام 1945، وعرض عليه أجر 250 جنيهًا، وهو أكبر من رابته كيوزباشي في عام، وأثناء التصوير طلب منه وهبي أن يلعب دور ضابط يحقق مع بطلة الفيلم، ولعب الدور وقرر بعدها ألا يعود للتمثيل مرة أخرى، حتى أنه رفض طلبًا من ليلي مراد أن يكون بطل فيلمين لها. في نفس العام عمل كمساعد مخرج في فيلم من إخراج شقيقه "حسن"، وهو "قلوب دامية" عام 1945، ثم تلاه ب5 أعمال كمساعد أيضًا، وهي "الخمسة جنيه، العرسان الثلاثة، الستات عفاريت، غروب، المستقبل المجهول"، وكان أول عمل له كمخرج أول هو "نادية" عام 1949، ويعتبر فيلم "جوز الأربعة" عام 1950، هو الميلاد الحقيقى لفطين، حيث تلمح فيه أسلوبه الذي يعتمد على كوميديا الموقف وما يلحق بها من مواقف متعاقبة، وكتب سيناريو الفيلم بنفسه بالإضافة لمشاركته في الإنتاج. من الأفلام الجادة إلى الكوميديا في بداية مشواره، لقى فطين نجاحًا نقديًا وفشلًا جماهيريًا، بعدها قال له المنتج جبرائيل تلحمي: "نجحنا فنيا لكن خسرت أنا أموالي وظللت أنت عام دون عمل، هل تستطيع أن تخرج الآن فيلمًا يُكلف قروشًا ويكسب جنيهات؟"، فتش عبد الوهاب وقتها عن جديده حتى وجد ضالته عند ممثل كوميدي يظهر في أدوار مساعدة اسمه إسماعيل يس، قدّم به فيلم "بيت الأشباح" عام 1951، وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ثم عاد للأفلام الجادة، وعاد معهم للفشل الجماهيري، فقرر العودة إلى الضحك، وقدّم "الآنسة حنفي" ثم بدأت سلسلة أفلام إسماعيل يس في "الجيش، البوليس، الأسطول، والطيران" وغيرها، وقال عن ذلك: "الناس ترتاح أكثر لصاحب الوجه البشوش، وهم في حاجة طول الوقت لمن يغسل أعصابهم من المتاعب، كمان الكوميديا أصعب، وأنا أحب الصعب". أثناء تصوير فيلم "نصف ساعة جواز" عام 1969، تمزق قميص فطين، فنادى على فردوس مساعدة شادية لتقوم بخياطته، ليتفاجأ بشادية وهي تقسم أنها هي التي ستتولى خياطة القميص بنفسها، ليقترب رشدي أباظة من فطين ويشاغبه، قائلًا: "هذا أهم فيلم في حياتك". أفلام المرأة اهتمام مدهش بالمرأة وقضاياها الاجتماعية مثّل رؤية اجتماعية لسينما فطين عبد الوهاب، حيث وضع يده في فترة مبكرة للغاية على قضية اجتماعية شديدة الأهمية، وهي أن مجتمعنا لن يحقق أي أحلام مستقبلية دون أن يقوم أولًا بتصحيح أوضاع المرأة بوصفها نصف هذا المجتمع، وناقش ذلك في أفلام عدة، منها "الأستاذة فاطمة، الآنسة حنفي، الزوجة 13، آه من حواء". وعلى مدى أكثر من 50 فيلمًا كان فطين لا يسمح لأحد بالتدخل للتعديل في سيناريو فيلم انتهت كتابته، حيث كان يؤمن أن "تقفيل" فيلم كوميدي هو أمر صعب للغاية، لكن عمال الاستوديو فقط هم الذين يحق لهم إبداء الملاحظات والتعديل، وكان يقول: "اطمئن جدًا إذا ضحك عمال الاستوديو أثناء التصوير، هم الترمومتر الحقيقي، وقد يهمس عامل الإضاءة في أذني قبل تصوير المشهد باقتراح فيه إضافة للضحك". الزواج تزوج فطين 4 مرات، معظمها من الوسط الفني، الأولى من الفنانة ليلى مراد، ونشرت مجلة "الجيل" قصة زواجهما في عام 1954، وأوضحت أن "فطين" ظل يراقب الأخيرة في صمت لسنوات، يذهب ليراها يوميًا في كواليس فيلم "غزل البنات"، في حين أنها لم تلتفت إليه كزوج أو حبيب، وإنما طلبته ليكون بطلًا أمامها في فيلم "الحب الجميل"، لكنه رفض التمثيل تحت إشراف مخرج آخر، وانتهى الأمر بغير اتفاق، حيث كانت تعيش حالة من العزوف عن الزواج، بعد خروجها من تجربتي زواج فاشلتين، الأولى من الفنان أنور وجدي، والثانية من الضابط وجيه أباظة، وبعد عامين من رفضه البطولة أمامها، ظهر صديق مشترك يُدعى سعيد أبو بكر صديق، وقال لها: "مش أنتي عاوزة تتجوزي راجل مخلص يعيش معاك؟"، فردت عليه: "هو فين الراجل المخلص"، ليعرض عليها فطين عبد الوهاب، لكنها أخبرته بعدم معرفتها له بشكل شخصي، فعرض سعيد عليها الجلوس معه، ووجد فطين فرصته، وبدأ يتقرب من ليلى، وبعد شهرين قالت له: "عندك حق فطين راجل كويس فعلًا"، إلى أن تم الزواج بينهما، فاشترى فطين "شبكة" قدرها 500 جنيه، ساعدته في اختيارها الراقصة سامية جمال، ونص في عقد الزواج على أن المؤخر 500 جنيه، واستمر الزواج 11 عامًا، وأنجب فطين ابنه الأول والوحيد "زكي"، الذي تزوج فيما بعد من الفنانة سعاد حسني، وأصبح مخرجًا وممثلًا معروفًا، لكن المشكلات عرفت طريقها إلى بيت "فطين وليلى"، وحاول العديد من الفنانات إصلاح العلاقة بين الزوجين، لكن الأمر قد انتهى بالطلاق بعد 11 عامًا، واحتفظت ليلى بحضانة ابنها. عقب ذلك، كان فطين عبد الوهاب واحدًا من ال14 رجلًا الذين تزوجت منهم الراقصة تحية كاريوكا، لكن "فطين" لم يحتمل حياة النجومية للفنانة الراحلة، خاصة المعجبين الذين تجاوزوا حدود الإعجاب، فثارت غيرته، وحدث الطلاق بعد وقت قصير دون إنجاب أبناء، ثم تزوج كذلك من إحدى أبرز نجمات الإغراء في تاريخ السينما المصرية، وهي الراقصة هاجر حمدي، التي سبق أن تزوجت من الفنان كمال الشناوي، لكن الزواج لم يستمر طويلًا، وكانت هذه الزيجة الأخيرة من داخل الوسط الفني، ثم عقب ذلك في حفل عائلي ضم عددًا محدودًا من العاملين بالسينما، تم عقد قران فطين على منيرة فتحي، شقيقة الفنانة نجلاء فتحي، التي تزوجت منه وعمرها 24 عامًا، وذلك بعد خروج من وعكة صحية لأزمته لأسابيع، وشهد عليه الفنانان رشدي أباظة وأحمد رمزي، اللذان أصرا على الحضور ومشاركة المخرج الكبير فرحته بهذه المناسبة السعيدة. الرحيل سافر فطين إلى بيروت لمقابلة الأخوين رحباني، بهدف الاتفاق على إنتاج فيلم غنائي بطولة المطربة فيروز عن قصة "مجنون ليلى"، وعندما أعلن عن موعد العودة وقف الصحفيون في المطار في انتظار وصوله بأخبار جديدة، وإذا بهم لا يجدونه ضمن الركاب، والذي قالوا إنهم شاهدوا فطين يصعد معهم إلى الطائرة وفجأة سقط مصابًا بأزمة قلبية هي السادسة في حياته، والأخيرة، ومات متأثرًا بها في 11 مايو 1972، وعاد جثمانه إلى القاهرة بعدها بيوم، واتصلت ليلى مراد بأصدقاء صحفيين لها، تطلب منهم ألا ينشروا خبر الوفاة، حيث إن نجلهما "زكي" كان حينها في امتحانات الثانوية، وتخشى إذا علِم بالخبر أن يتأثر، وهو ما حدث.