"أصلحها أو تخلص منها" هكذا كانت نصيحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، مساء أمس الثلاثاء، واستمع ترامب لنصيحة نتنياهو وقام بالانسحاب منها. إعلان الرئيس الأمريكي انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية، متعهدا بتوقيع "أقسى العقوبات الاقتصادية" على الجمهورية الإسلامية، مما يمكن اعتباره أحد أعظم إنجازات نتنياهو في السياسة الخارجية، على قدم المساواة أو حتى أكبر من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، رصدت أول رد فعل لرئيس الوزراء الإسرائيلي على خطاب ترامب، حيث أشاد نتنياهو بقرار الرئيس "الجريء"، لكنه لم يعزِ الفضل إلى نفسه، إلا أن آخرين قاموا بذلك نيابة عنه. حيث قال زئيف إلكين عضو الكنيست عن حزب الليكود، إن "كل أولئك الذين هاجموا رئيس الوزراء في ذلك الوقت لتصميمه على محاربة الاتفاق النووي، وقالوا إنه ليس هناك أي احتمال لإلغاء الاتفاق، يجب أن يصمتوا تمامًا اليوم ويعتذروا لنتنياهو". وكان كثيرون، انتقدوا رئيس الوزراء بسبب خطابه في الكونجرس الأمريكي عام 2015، للتعبير عن معارضتهم للاتفاق الذي تم التوصل إليه آنذاك مع إيران. اقرأ المزيد: نتنياهو يشكر ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وأشاروا إلى أن الخطاب لن يكون له دور في التراجع عن توقيع الاتفاقية، فضلًا عن إثارة غضب الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، وقال منتقدو نتنياهو لاحقًا، إن أوباما انتقم من إسرائيل، بعدم استخدام حق النقض "الفيتو" ضد قرار مناهض للاستيطان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2016. لذا فإن معسكر نتنياهو يمكن أن يعتبر إعلان ترامب بالقضاء على أحد إنجازات أوباما الرئيسية في السياسة الخارجية، رد اعتبار له، حيث أشارت الصحيفة العبرية إلى أن خطاب ترامب بدا كما لو أنه كُتِب في القدس. وقد أدرجت تقريبا جميع النقاط التي كان سيقولها رئيس الوزراء الإسرائيلي، إذا كان قد ألقى الخطاب بنفسه، حيث ذكر الخطاب ما يعتبره نتنياهو عيوبًا قاتلة في الاتفاق النووي، ودعم إيران للإرهاب، وتطويرها للصواريخ الباليستية. حتى أن ترامب ذكر العرض "الدرامي" لنتنياهو الأسبوع الماضي، والذي كشف فيه عن الأرشيف النووي السري لطهران، من خلال عملية استخباراتية "للموساد"، قائلاً إنها أثبتت بشكل حاسم تاريخ النظام الإيراني في السعي للحصول على أسلحة نووية. وأشارت "تايمز أوف إسرائيل"، إلى أن الشيء الوحيد الذي كان من المحتمل أن يضيفه نتنياهو إلى الخطاب هو التهديد بالعمل العسكري إذا حاولت إيران السعي للحصول على أسلحة نووية. وتعتقد تل أبيب أنه لا يمكن منع الجمهورية الإسلامية من تنفيذ مخططاتها لتصنيع أسلحة نووية، إلا من خلال فرض عقوبات قاسية مقترنة بتهديد قوي للقوة العسكرية. اقرأ المزيد: «طهران تعمل على صنع قنبلة».. ما لم يقله نتنياهو عن برنامج إيران النووي وقال وزير الاستخبارات يسرائيل كاتز في بيان صدر بعد دقائق من خطاب ترامب، "كما ثبت في حالة كوريا الشمالية، فإن الطريقة الوحيدة لمنع الأنظمة الديكتاتورية من الحصول على أسلحة نووية هي فرض عقوبات صارمة وإظهار الرغبة في استخدام القوة". لكن الرئيس الأمريكي، الذي يفترض أنه لا يريد أن يُنظر إليه على أنه حريص على شن حروب جديدة في الشرق الأوسط، لم يعرب عن مثل هذا الاستعداد. حيث أشارت الصحيفة، إلى أن الرئيس لم يقل إن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة" أو أي شيء من هذا القبيل، حيث اكتفى بالقول إنه إذا استمرت إيران في السعي وراء تحقيق طموحاتها النووية، فإنها "ستواجه مشاكل أكبر من أي وقت مضى"، وهو تهديد غامض، يمكن تقديمه في سياق "العقوبات القوية" بدلًا من القوة العسكرية الأمريكية. هل لنتنياهو دور في قرار ترامب؟ الصحيفة العبرية، أكدت أنه من الصعب القول ما إذا كان لنتنياهو دور في الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية، حيث لم يخف دونالد ترامب سر ازدرائه المطلق للاتفاقية. وفي معرض حديثه أمام مؤتمر "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" في مارس 2016، عندما كان لا يزال مرشحًا للرئاسة، قال ترامب إنه درس القضية الإيرانية "بتفصيل كبير، أود أن أقول أكبر بكثير من أي شخص آخر"، ووعد بأن يكون الانسحاب مما أسماه "الاتفاقية الكارثية" على رأس أولوياته. قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية، جاء بعد قراراته بالتراجع عن جميع الإنجازات السياسية الأخرى التي حققها سلفه، مثل إصلاح نظام الرعاية الصحية، وتقاربه مع كوبا، واتفاق باريس بشأن المناخ، وغيرها من الاتفاقات الدولية الأخرى. بالنسبة لإسرائيل، لا يهم حقا ما دفع ترامب للانسحاب من الاتفاقية، طالما أصبحت من الماضي، غير أن المستقبل غير واضح تمامًا في الوقت الحالي. اقرأ المزيد: «العرب وإسرائيل Vs أوروبا وطهران».. كيف تعامل العالم مع انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي؟ أحد الآثار الوشيكة لانسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاقية الإيرانية، يمكن أن يكون إحياء نظرية "الربط" المزعومة، والتي تفترض أن تتبنى واشنطن نهجا متشددا تجاه إيران، إذا أبدت إسرائيل استعدادًا لحل القضية الفلسطينية. العودة إلى طاولة المفاوضات أو أجهزة الطرد المركزي؟ ستدرس طهران والقوى العالمية الخمس الباقية في الصفقة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، الخطوات التالية بعناية، وتتراوح النتائج المحتملة من السيناريوهات المختلفة التي ناقشها محللون من إعلان إيران القضاء غير المشروط على برنامجها النووي أو شن حرب إقليمية. وعلى جانب الساحة الدولية، تقف الولاياتالمتحدة وإسرائيل، اللتان تعتقدان أن عقوبات ترامب الجديدة ستجبر إيران عاجلاً أم آجلاً على العودة إلى طاولة المفاوضات، والموافقة في النهاية على اتفاقية أفضل، تقوم على تفكيك برنامج الأسلحة النووية الإيراني بالكامل، دون إضافة "بنود الغروب"، وتحد من تطوير إيران للصواريخ الباليستية والسلوك العدواني في المنطقة. وفي الجانب الآخر، يقف الأوروبيون المتفائلون، المستمرون في الدفاع عن الاتفاقية، من خلال التأكيد على أن إلغائها "سيؤدي إلى تصعيد"، كما قال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس. اقرأ المزيد: ماذا سيحدث إذا انسحب ترامب من الاتفاقية النووية مع إيران؟ وبعد خطاب ترامب يوم الثلاثاء، طرحت الصحيفة العبرية العديد من الأسئلة، هل ستكون العقوبات الأمريكية كافية لجعل الإيرانيين يستسلمون؟ هل ستلتزم طهران بالاتفاقية، أم ستستأنف برنامجها النووي؟ هل سيعمل الاتحاد الأوروبي على "حماية استثماراته" ويتحدى العقوبات الأمريكية، كما أعلنت رئيسة السياسة الخارجية فيديريكا موجيريني؟ وأشارت إلى أن تل أبيب يمكنها الاحتفال الآن، إلا أنه من المحتمل أن يستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن نعرف كيف سيؤثر قرار ترامب على الولاياتالمتحدة، وإيران وإسرائيل، وبقية العالم.