وافق مجلس الوزراء مساء أمس الأربعاء، على مشروع قانون الدواء المصري الذي تأجل إقراره لسنوات طويلة، لإعادة تنظيم سوق الدواء بشكل صحي وسليم، حيث يعد إحدى الركائز الأساسية التي لطالما طالبت بها منظمات المجتمع المدني وممثلو النقابات المهنية لتطوير المنظومة الصحية بمصر، وتنمية الصناعات الطبية وتوفير الأدوية للمواطنين، ومواجهة جشع التجار والسوق السوداء. يحتوي القانون الجديد على أربع مواد أساسية حاكمة لتنظيم أوضاع الصناعة الدوائية ومادتين للرقابة بدءًا من الاستيراد ومرورا بالتصنيع ووصولًا إلى التوزيع سواء كانت أدوية بشرية أو بيطرية، وكذلك تحديد آليات الشراء الموحد من المصنع، ووافقت وزارة العدل على مطلب المجتمع المدني بإضافة مادة تنص على وجود مجلس أعلي للدواء والتكنولوجيا الطبية وهذا المقترح كان مقدمًا من جامعة زويل وأن تكون تبعية المجلس لرئاسة الجمهورية وعضوية الوزراء المختصين، ويهدف لوضع السياسة العامة المتعلقة بالدواء والتكنولوجيات الطبية والرقابة عليها. كما أقر مشروع القانون الجديد في إحدى مواده وجود هيئة عليا للدواء كهيئة خدمية للرقابة على الدواء، وهيئة أخرى اقتصادية تكون مهمتها القيام بعمليات الشراء الموحد للأجهزة والمستلزمات والمستحضرات الدوائية تحت اسم «الهيئة المصرية للتكنولوجيات الطبية» وإحدى المواد حددت أن يكون مقر هيئة الدواء العليا في العاصمة الإدارية الجديدة. على أن يتم إحالة الملاحظات التى تمت إثارتها خلال الاجتماع لوزارة العدل لإضافتها ثم إعادة العرض فى الصيغة النهائية قبل عرضه على مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه لإقراره ويعمل بأحكام مشروع القانون فى تنظيم ورقابة نشاط تصنيع واستيراد وتداول المستحضرات الطبية «البشرية والبيطرية» وما فى حكمهم، وينظم عملية الشراء الموحد للمستحضرات الدوائية والأجهزة والمستلزمات الطبية التي يحتاجها السوق المصرية كما جرى في صفقة «برلين». وأعلن مجلس الوزراء في بيان له أمس أن القانون الجديد لا يهدف إلى تطوير منظومة الصحة في مصر فقط، لكن يسعى لتوفير الدواء بوفرة وبشكل منتظم وبأسعار مقبولة، مؤكدين أن القانون الجديد يسهم فى إصلاح منظومة الدواء فى مصر وشكلت وزارة الصحة لجنة من المعنيين بقطاع الصيدلة ورجال صناعة الدواء والهيئات الرقابية مع القانونيين من وزارتى الصحة والعدل لإعداد تلك المسودة الأولية لمشروع قانون الدواء. في تصريحات مقتضبة أكد خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة اهتمام الوزارة بتصنيع المواد الخام الدوائية محليا، فى المصانع المصرية، وهو ما يسعى إليه قانون الدواء الجديد وتوجد محاولات فى شركة النصر لتصنيع الكيماويات، إحدى الشركات التابعة للقابضة للأدوية لتصنيع خامات الدواء محليا بدلًا من شرائها بالكامل من الخارج وإعادة إحياء الصناعة الوطنية. هل ينهي احتكار الدواء؟ «خطوة جريئة لتنظيم أوضاع الصناعة ومواجهة الممارسات الاحتكارية في سوق الدواء».. يقول المحامي الحقوقي محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء إن قرار الحكومة بالموافقة على قانون الدواء المصري خطوة على الطريق تؤكد أن هناك تحركات رسمية صادقة وإرادة سياسية ورغبة حقيقية لتأمين الحق الدستوري في الدواء للمريض المصري وأن التصديق على مشروع القرار وإحالته إلى مجلس النواب جاء قبل إقرار هيئة الدواء العليا من قبل البرلمان حتى لا يخرج قطاع الدواء عن سيطرة الدولة وفتح الباب أمام الاستثمارات في إطار نظم حاكمة بعيدًا عن التلاعب بالمريض ولمواجهة أي ممارسات احتكارية. وأضاف أن حق المريض في الدواء يضيع بسبب تداخل الصناعة وأرباحها مع التجارة وهامش ربحها وهى عصب الدواء في مصر، وفلسفة قانون الدواء تتلخص في أن الحكومة ستضع قبضتها على كل المراحل المنظمة للصناعة الدوائية لمواجهة الاحتكارات والتلاعب بالأسعار والمريض حتى هيئة الدواء العليا لن تفلت من أيديهم، لأنه لا يجوز تعيين قيادات غرفة صناعة الدواء يُشرّعون لنا الدواء في الهيئة بحكم مناصبهم». ابحث عن المستفيد واستطرد: القانون الجديد يصب في مصلحة الشركات الأجنبية على حساب الشركات الصغيرة ومصانع الإنتاج لدى الغير، لأن تلك الشركات الكبرى تسير على نظام حاكم وتنتج الأدوية المطلوبة وتمتلك رؤية مستقبلية شاملة في حين أنه يضر الشركات المتلاعبة في الأسعار، خاصه الموزعين ومن ثم يستأصل أوراما ضارة وخبيثة علقت بالصناعة الدوائية طوال العقود الماضية. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي والبرازيل وجنوب إفريقيا أعطوا المصنعين للأدوية كل الحقوق وفي الوقت ذاته فرضت عليهم نظما حاكمة لتنفيذ الواجبات المطلوبة، ولكن في مصر عند تحريك أسعار الدواء في المرتين الأولى والثانية أوصت وزارة الصحة والسكان كل الشركات وأصحاب المصانع الدوائية بإنتاج الأدوية الناقصة بالسوق المحلية، وحددت لهم مهلة 6 أشهر تم مدّها أكثر من مرة دون توفير الدواء الذي تزايدت قوائم النقص فيه حتى اقتربت من ألفي صنف دوائي، بينها 250 دواء بدون بدائل أو مثائل بصورة باتت تهدد حياة آلاف المصريين. الرئاسة تتدخل وأشار إلى أنه في ظل تقاعس عدد من شركات التوزيع عن مدّ الأسواق بالأدوية قرر رئيس الجمهورية تخصيص 160 مليون دولار لشراء أدوية لصالح مرضى أمراض الدم والأورام والأمراض المزمنة، وأنه برز هنا دور الدولة في حماية حق الشعب في الدواء بعيدًا عن سياسات الشركات الاحتكارية، واتخاذ خطوات أخرى تبعت القرار الجمهوري عبر شراء الأدوية بالأمر المباشر تمثل ذلك في ضخ 18 مليون عبوة ألبان للأطفال عن طريق جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة للقضاء على السوق السوداء حتى انتهت الأزمة. في الوقت ذاته قامت الدولة بفتح آفاق جديدة بالتخطيط لافتتاح مصنع لإنتاج مشتقات الدم كأول مشروع من نوعه في الشرق الأوسط سينهي تماما أي أزمات تحدث، ورغم هذه الخطوات يقول مدير مركز الحق في الدواء ل«التحرير» إن الممارسات الاحتكارية للشركات، بالإضافة إلى فشل سياسات وزير الصحة الحالي بصورة لم تمكن مصر من توفير الأدوية الحيوية والاستراتيجية اللازمة تمثلت في غياب أصناف حيوية، كما أن تراجع الأوضاع الاقتصادية وتوالي الأزمات المالية دفعت فؤاد للتأكيد على أن القانون الجديد سيكون بمثابة «الأب الروحي» للصناعة الاستراتيجية بشكل منظم وحاكم بكل أوضاعها كما أن تأسيس هيئة عليا لشراء المستحضرات والمستلزمات الطبية سينهي مآسي عديدة استمرت لسنوات طويلة ويوقف نزيف الأموال المهدرة، حفاظا على المال العام ومدّ المستشفيات بالاحتياجات المطلوبة. تحت الوصاية أكد الدكتور محيى عبيد، نقيب الصيادلة أن غياب هيئة عليا للدواء خلال السنوات الماضية تسبب في فوضى شديدة في السوق المصرية، ومن ثم كان لا بد من تدخل الدولة لفرض رقابتها على أوضاع الصناعة التي تجاوزت استثماراتها هذا العام ال50 مليار جنيه، حيث يوجد 14 ألف دواء مسجل في وزارة الصحة، و8 آلاف صنف متداول في السوق المحلية. كما أن مقترح إنشاء مجلس أعلى للدواء كان مقدمًا من قبل الدكتور عادل عدوى وزير الصحة السابق الذي طالب بإنشاء المجلس الأعلى للصحة والدواء، رغم وجود المجلس الأعلى للصحة منذ عام 1960، مضيفا: «إلا أنه تم وضع كلمة الأدوية معه لإلغاء مشروع الهيئة المستقلة برئاسة صيدلى، والذى عملنا لتنفيذه لفترات طويلة، فتم الالتفاف على هذا الأمر، وضم كل الهيئات من الصحة والدواء والمعلومات لتبعية الوزارة». 20 عاما من الأزمات وتابع "تراكمت أزمة الدواء على مدار عقدين كاملين وتفاقمت أكثر خلال العامين الماضيين عقب قرار تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف وأدت لانتهاك كبير للحقوق الصحية للمرضى وقبل ظهور الهيئة العليا للدواء خلال أسابيع ستكون عامل أمان للصناعة والاستثمار والمريض، ولكن إطلاقها دون ضوابط حاكمة لن يغير شيئًا من الأوضاع القائمة أو ينهي الممارسات الاحتكارية للشركات أو يمكن الدولة من مواجهة أي أزمات طارئة تحدث في المستقبل وتضر بصحة المصريين" . كما يتم وضع بنود إنشاء الهيئة العليا للدواء ابتداء من اليوم دون مناقشة ذلك مع نقابة الصيادلة وتحتوي على بنود للتوريدات والدعاية والتصنيع وشركات التوزيع وبنود مهمة المخازن، ورغم إرسال المكتب الفنى للوزير مقترح القانون لنقابة الصيادلة فإن المشروع الجديد خالف ما تم الاتفاق عليه بشأن إنشاء هيئة للدواء تكون مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالى وإدارى، ولها بهذه الصفة القيام بجميع التصرفات القانونية اللازمة لتحقيق أهدافها وتتبع الهيئة العليا رئاسة مجلس الوزراء مباشرة.