من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرغب في الحصول على المزيد من المكاسب والأدوار في الأزمة السورية. هكذا أوضحت زيارته الأخيرة إلى روسيا والتي التقى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي على البحر الأسود. الجانب الروسي أعلن أنه يقيِّم عاليا مستوى العلاقات مع تل أبيب، وأنه مرتاح جدًا لهذه العلاقات. غير أن نتنياهو جاء بصحبة رئيس الاستخبارات الإسرائيلي ومعهما العديد من الوثائق والصور التي تؤكد وجود نشاطات إيرانية واسعة النطاق في سوريا. جميع زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي طوال العامين الأخيرين إلى روسيا تتمحور حول العلاقات الروسية - الإيرانية، ومخاطر إيران على إسرائيل والشرق الأوسط والعالم كله. ومن الملاحَظ أن القوات الإسرائيلية بعد كل زيارة من زيارات نتنياهو إلى روسيا تقوم إما بقصف قوات بشار الأسد أو القوات الإيرانية وميليشيات حزب الله العاملة على الأراضي السورية. وغالبا ما تعلن روسيا بعد كل ضربة أنها تناشد الأطراف عدم اتخاذ إجراءات أحادية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تَوَجَّه إلى روسيا لنقل رسالة شديدة اللهجة تحمل دلالات كثيرة في ظل الخلافات الروسية - الأمريكية، والتقاربات التركية الإيرانية، والتحولات في منطقة الخليج. هذه الرسالة مفادها أن إسرائيل سوف تواصل ضرباتها لقوات الأسد والقوات الإيرانية وميليشيات حزب الله في سوريا في حال لم تقدم روسيا خدمات معينة لإسرائيل، وعلى رأسها إبعاد القوات الإيرانية وميليشيات حزب الله عن حدودها بمسافات معينة، وبذل الضغوط على طهران من أجل عدم التعرض لإسرائيل، وربما تخفيف وتيرة العلاقات الروسية - الإيرانية، نظرًا لوجود خطط إيرانية تتعارض مع تحركات روسيا ومصالحها في سوريا. نتنياهو يعتمد على حظوة إسرائيل لدى كل من الولاياتالمتحدةوروسيا، ويرتكز أيضًا إلى حسن العلاقات مع تركيا. ولكنه في الوقت نفسه يضع الجميع أمام الأمر الواقع، ويفيدهم بشكل مباشر بأنه سيضرب بقوة، وسيواصل ضرباته. ويبدو أنه مطمئن إلى مواقف موسكووواشنطن وأنقرة. غير أن الجديد في هذه الزيارة أنه يكشف لروسيا بعض الخطط والتحركات الإيرانية في سوريا، معولا على دق إسفين بين موسكووطهران. ما يعني أنه على علم كامل بتفاصيل الصراع المكتوم بينهما في سوريا. هذه الخطوات الإسرائيلية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق مكاسب إضافية. فالمنطقة الرابعة لما يسمى ب«تخفيف التوتر» تعني بالدرجة الأولى بأمن إسرائيل. وهي نتاج عمل مشترك بين روسياوالولاياتالمتحدة والأردن وإسرائيل نفسها. ومن أهم شروطها هو إبعاد قوات الأسد والقوات الإيرانية وميليشيات حزب الله عن حدود إسرائيل. وقد وافقت كل الأطراف على ذلك، وانتهى الأمر. ولكن تل أبيب تطمح إلى مكاسب وأدوار أخرى في الداخل السوري. أي ببساطة إلى دور، سواء في ظل وجود الأسد أو في غيابه. الفكرة هنا تتلخص في أن نتنياهو يتصور أن روسيا قادرة على تحجيم إيران أو تقليص الدور الإيراني في سوريا. وهذا تقدير غير دقيق، لأن نظام الأسد نفسه يمنح طهران مساحة ضخمة ودورًا هائلًا تحسبًا لتغير موازين القوى أو جنوح روسيا في اتجاهات معينة أو وقوعه في فخ الاختيار بين الرحيل أو مواصلة الحكم كأمر واقع قد تفرضه عليه قوى دولية وإقليمية من بينها روسيا، وذلك في مرحلة معينة من مراحل التسوية السياسية. في الحقيقة، روسيا لا تستطيع أن تفرض على إيران أي شيء في سوريا أو في غير سوريا، لأنها تعرف جيدًا أن خطة واشنطن الترامبية تستهدف فك الارتباط بينها وبين إيران بشتى الطرق والوسائل. وبالتالي، ليس غريبًا أن تفرض الولاياتالمتحدة عقوبات على روسياوإيران من جهة، وتغازل كلا منهما من جهة أخرى، وتفتح لإيران قنوات أوروبية واعدة وفي الوقت نفسه تبرز لها أوراق تهديد بشأن التراجع عن الاتفاق النووي من جهة ثالثة، وتستعدي عليها دول الخليج من جهة رابعة، وتدعم إسرائيل ضدها من جهة خامسة. من جهة أخرى، قد تكون هناك أفكار لدى بعض الساسة الروس بشأن إمكانية نتنياهو على «تليين» العلاقات بين موسكووواشنطن، بعد أن قررت الأخيرة سحق الأولى عبر العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، واستنزافها عبر وسائل وتوريطات مختلفة. وربما يكون نتنياهو نفسه يلعب على هذا الوتر من أجل مكاسب ما مفيدة له ولحزبه. وبالتالي، يجب أن لا نندهش كثيرًا عندما توجه القوات الإسرائيلية ضرباتها إلى قوى مختلفة في سوريا بعد زيارات نتنياهو إلى روسيا، ولا نندهش أيضًا من ردود الأفعال الروسية والأمريكية، لأنه لا خلاف بينهما على أمن إسرائيل الكامل. ومع ذلك فحظوة إسرائيل لدى موسكووواشنطن لا يمكنها أن تؤهل تل أبيب للعب دور الوسيط بينهما، وخاصة في ظل تلك الخلافات الكبرى القائمة حاليا. كما أن روسيا لا تستطيع أيضًا أن تلبي مطالب إسرائيل بشأن الضغط على إيران أو تحجيمها في سوريا أو تقليص العلاقات معها، سواء كان ذلك باستطاعتها أو بغير استطاعتها، لأن موسكو في حقيقة الأمر تستخدم أيضًا الورقة الإيرانية على أكثر من محور ولأكثر من هدف.