أخيرا يتسلم تيار استقلال القضاء رئاسة مجلس القضاء الأعلى.. وها هو المستشار حسام الغرياني يتولى رئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى.. وهو الرجل المعروف عنه تأثيره الكبير في ذلك التيار الذي كان يجد ممانعة ومطاردة من النظام السابق وأجهزته ووزرائه ومجالسه التشريعية “المزورة”.. لقد بذل النظام السابق كل ما يملك من أجل إجهاض حركة استقلال القضاء في وقفتهم عام 2005، التي التحم فيها الشعب معهم مقدرا موقفهم.. ونزل فيها القضاة إلى الشارع ليعرفوا أكثر عن معاناة المواطنين من حكم فاسد تسلطي استبدادي.. ولقد ساعد النظام السابق في محاولته القضاء على استقلال القضاء بعض من المنتسبين إلى تلك السلطة ممن قربهم النظام وأعوانه إليهم.. وأغدقوا عليهم المناصب بالانتداب تارة وبالمنح تارة أخرى، ليحولوا دون إنجاح هذه الحركة.. لكن كان ربك بالمرصاد، فقد تم اختزان تلك الحركة مع غيرها من تحركات وانتفاضات في المجتمع، من جميع القوى، لتتبلور في النهاية ثورة شعبية عظيمة تستطيع أن تخلع نظاما طاغيا، وتكشف فساده، ليس على المستوى السياسي فقط، وإنما فساد على جميع مستويات الحياة، أصبح سمة الفئة الظالمة التي حكمت البلاد على مدى 30 عاما، وأهدرت جميع إمكانات المجتمع، من أجل النهوض ليلحق بأمم أخرى كنا نسبقها في التنمية والمعيشة. وها هي ثورة 25 يناير العظيمة تنجح في الإطاحة برأس النظام، الذي كان يعمل من أجل توريث كرسي الحكم لابنه، وينكشف مدى فسادهم مع رجالاتهم بعد استخدامهم جميع إمكانات الدولة، بما فيها القضاء، من أجل تحقيق مآربهم، لكن الله سلم.. ويعود الحكم إلى الشعب، ليكون مصدر السلطات. ومن هنا الفرصة عظيمة لاستعادة القضاة استقلال القضاء بشكل كامل وواضح ودون تدخل من أحد من أجل إرساء العدل بين المواطنين الذين لم يجدوه عند النظام السابق، وقد أصبح للقضاة دور عظيم في تلك المرحلة، وفي المستقبل من خلال إسناد مهام أساسية في إرساء مجتمع مدني ديمقراطي حديث. فهم الآن الذين يتولون رئاسة لجنة الأحزاب، التي تمنح الترخيص للأحزاب الجديدة.. وهم الذين سيشرفون على الانتخابات بشكل كامل.. فضلا عن الاستعانة بهم من قبل الذين يديرون البلاد في وضع تشريعات جديدة. ومن ثم عاد إليهم دورهم العظيم في بناء مصر الجديدة. ومن أجل هذا وغيره يعتمد المواطنون على القضاة في تغيير مصرهم بقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، التي نادوا بها في ثورتهم ضد الاستبداد والظلم والقهر. ومن أجل هذا يستبشر المواطنون بتولي أحد الرموز الكبيرة في تيار الاستقلال القضائي، المستشار حسام الغرياني، أعلى المناصب القضائية، وهو الذي ربما لم يكن يتولى هذا المنصب لو استمر النظام السابق، فربما بحثوا عن أسباب واهية تمنعه من حقه في المنصب، وقد فعلوا ذلك كثيرا مع شخصيات وقامات معروفة لم تكن تدين بالولاء لهم! إنهم ينتظرون منه الكثير في ظل الثورة التي يريدون تبريرها الآن.. إنهم ينتظرون منه العدل.. إنهم ينتظرون منه القصاص من الظالمين والمعتدين.. فلا يعقل أن تقوم ثورة.. وتظل أجهزة العدل كما هي، والكل يعلم أنها لم تكن مستقلة، وكانت تؤتمر من النظام السابق. ولعل ما يحدث في محاكمات المسؤولين السابقين، وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعدوه من وزارة الداخلية، المتهمون بقتل المتظاهرين، من بطء وجدل حول هيئة المحكمة.. هو الهزل بعينه في مصر الثورة. إنهم يريدون المحاكمات علنية.. وما العيب في ذلك؟ وقد شهدنا محاكمات في دول أخرى على شاشات الفضاء.. ولم يحدث شيء. لقد أصبح أمام المستشار الغرياني طلب شعبي لمراجعة قرار سابقه المستشار سري صيام، بمنع التصوير في المحاكم.. فهذا قرار يخص العهد البائد.. وقد أصبحنا في عصر جديد يرفع قيم الشفافية والوضوح.. يا أيها المستشار حسام الغرياني، رئيس مجلس القضاء الأعلى، ويا مجلس القضاء الأعلى.. الشعب يريد منكم تطهير القضاء!