«لم نكن الأفضل، ولكننا تحمّلنا المسؤولية».. هكذا وصف الدكتور حازم الببلاوى تجربة حكومته المستقيلة. فقد تحمّل الببلاوى وأعضاء الحكومة المسؤولية فى ظروف دقيقة، وفى وقت آثر الكثيرون فيه الهروب.. إدراكًا منهم بأن التركة ثقيلة، أو انتظارًا لنتيجة الصراع الذى يخوضه الشعب ضد عصابات الإرهاب ومَن يدعمونها فى الداخل والخارج. كان قبول المسؤولية التى تهرّب منها الكثيرون، شجاعة تحسب لمن شاركوا فى هذه الحكومة، وتغفر الكثير من الأخطاء التى وقعت فيها لأسباب كثيرة.. بعضها من صُنعها، وبعضها فرضته الظروف الصعبة والضغوط التى تعرّضت لها مصر -وما زالت- من القوى المعادية للثورة والخائفة من استعادة مصر لدورها واستكمال بناء عناصر قوتها التى غابت على مدى أكثر من ثلاثين سنة!! وقبل أيام قليلة، قال لى الدكتور الببلاوى إنه راضٍ عن أداء حكومته رغم أوجه قصور يعترف بها، وأنه غير نادم على قرار اتخذه، ولا على توقيت صدور هذه القرارات. كان ذلك فى ظل مناخ يشير إلى أن الببلاوى سيستمر فى رئاسة الحكومة بعد تعديلات قد تطال العديد من الوزراء. وأظن أن هذا التقييم من جانب الببلاوى سيظل كما هو، بعد أن تغيّرت الظروف وغادر موقع المسؤولية. والحقيقة أن الأعباء والمشكلات تراكمت فى الفترة الأخيرة على كاهل الحكومة. انفجرت الاضطرابات الفئوية والعمالية مرة أخرى. وثارت مشكلات فى التعامل الأمنى مع بعض شباب الثورة، وترك ذلك آثاره على دولة تحارب إرهاب الإخوان وحلفائهم الذى بلغ درجة من الانحطاط غير مسبوقة. ومع أوضاع اقتصادية صعبة لا تستطيع أن تواجه سقف الطموحات التى جاءت مع ثورة ترفع شعار العدالة وتسعى لتعويض الفقراء عن سنوات الحرمان الطويلة. فى مواجهة ذلك كانت الحكومة «بحكم تكوينها» تعانى من انقسامات عديدة، وكانت الوزارات تعمل كأنها جزر منعزلة، وكانت المشكلة الأساسية هى «غياب الرؤية السياسية» من ناحية، وافتقاد الوضوح ومكاشفة الناس بالحقائق من ناحية أخرى. فى ظل غياب الرؤية السياسية كان العمل يأتى فى إطار «رد الفعل» فقط، وكان الاجتهاد الشخصى هو الذى يقود الوزراء فى وزاراتهم. وكانت الخطوة القادمة دائمًا فى علم الغيب!! ومع افتقاد روح المصارحة والوضوح ومكاشفة الناس بالحقائق، اتسعت الهوة بين الشارع والحكومة. وتصاعدت المطالب الفئوية والاضطرابات العمالية. وبدلًا من طريق واضح يعرف فيه كل طرف حقوقه وواجباته، أصبحت المهمة هى إطفاء الحرائق بعد اشتعالها. المهندس إبراهيم محلب هو المرشّح لتأليف الوزارة الجديدة، وهو كفاءة مهنية عالية وضمير وطنى وعقل مستنير أثبت نجاحًا كبيرًا خلال شهور عمله وزيرًا، ومن قبل فى أثناء قيادته ل«المقاولون العرب». ومن معرفتى به فإن الرجل سيبذل كل الجهد لتحقيق ما هو مطلوب منه ومن حكومته فى هذه المرحلة. لكن المحبة له والحرص على نجاحه يقتضيان أن ننبّه من البداية إلى ضرورة تلافى ما أسقط حكومة الببلاوى رغم أنها كانت تملك الكثير من أسباب النجاح، وأهمها الدعم الشعبى فى بداية حكمها، والسلطات الواسعة التى حصل عليها الدكتور الببلاوى. لا بد من رؤية سياسية واضحة تحكم عمل الوزارة، وبرنامج عمل للفترة القصيرة القادمة، ومصارحة للناس بحقيقة الأوضاع من خلال خطاب واضح وبسيط ومباشر.. ثم فريق متجانس يدرك أنه فى مهمة قتالية لن تتم بالنجاح الذى نأمله جميعًا إلا بتوحّد الصفوف ضد إرهاب الإخوان وحلفائهم، ومن أجل حشد كل الطاقات للبناء المطلوب، وإنهاء التوترات الموجودة بين رفاق الثورة، سواء من الشباب المخلص، حتى لو اختلفت رؤاه عن رؤية مَن فى السلطة، أو من أصحاب المطالب الاجتماعية الباحثين عن عدل طال انتظاره، والمستعدين لتحمل المزيد لو كانت الحقائق واضحة، والأعباء موزّعة بالعدل، والانحياز واضحًا للفقراء، ونهاية الطريق هى مصر التى نحلم بها جميعًا وطنًا للحرية والتقدّم والعدالة. شكرًا لمَن تحمّلوا المسؤولية حين تهرّب الكثيرون. وكل أمنيات التوفيق لحكومة جديدة ليس أمامها إلا أن تكون على قدر التحدّى الذى نواجهه، وليس لديها أهم من استيعاب تجربة مَن سبقها لتتجاوز ما وقع من خطأ، وتبنى على ما تحقق من إنجاز. قد تكون الإشارة واضحة: نريد أن نبنى، حتى لا تكون المهمة الوحيدة هى الهدم، والمصير المطلوب (من أعدائنا) هو بيع الأنقاض!!