"لا تراجع ولا استسلام،" تبنى أهالي بعض القرى النوبية بأسوان هذا الشعار في تحدٍ واضح للتحذيرات التي أطلقها مسؤولو المحميات الطبيعية بخطورة تربية التماسيح النيلية داخل المنازل، واتخاذها مزارات سياحية لجذب السائحين، بل أصر البعض على استخدامها ضمن المعروضات التراثية النوبية الشهيرة التي تستحوذ على اهتمام وشغف الزائرين. وتأتي قريتا غرب سهيل وجزيرة أسوان في مقدمة المناطق التي اشتهرت بتربية التماسيح داخل المنازل، وباتت طابع مميز لها. يقول أحمد ربيع، مربي تماسيح بقرية غرب سهيل، إن الأهالي أعدوا نموذجا فريدا للسياحة البيئية بتحويل منازلهم إلى مزارٍ لاستقبال السائحين، وذلك عبر المعايشة الكاملة التي يكون فيها الزائرين بداخل تلك المنازل، علاوة على تقديم أفضل وأشهر الأطعمة والمشروبات النوبية، وعرض التراث النوبي عبر بعض المقتنيات، وفي مقدمتها مكان لعرض التماسيح النيلية، يحرص السياح على التقاط الصور التذكارية معها.
ويضيف "ربيع"، أن تربية التماسيح بقرية غرب سهيل بمثابة إرث الأجداد لفترة ما قبل بناء السد العالي، الذي تسبب في اختفائها من الشواطئ والمحميات الطبيعية، ما دفع النوبيون لتربيتها في المنازل، موضحا أنه مع دخول السياحة في فترة التسعينيات "تحولت إلى مصدر رزق". ويشير الحاج أحمد دنقي، مربي تماسيح بقرية غرب سهيل، إلى أن إقبال السائحين على التماسيح، دفعهم للاهتمام بها بشكل أكبر، خاصة بعدما أصبح تراثا اشتهرت به القرى النوبية عالميا رغم خطورتها "بنكون في حذر أثناء التعامل مع التماسيح بوضعهم في حوض خرسانة مغطى بقفص حديدي لضمان سلامة الزوار. ويؤكد "دنقي"، أنهم عانوا أشد المعاناة مؤخرا بسبب تراجع الإقبال السياحي، خاصة في ظل عدم مقدرتهم على توفير طعام التماسيح لارتفاع تكلفته "بنقدم للتماسيح لحوم وأسماك بكميات كبيرة،" لافتا بأن التمساح حركته بسيطة خلال فصل الشتاء، فيما يكف عن الطعام ثلاثة أشهر في السنة "التمساح بيصوم من منتصف شهر ديسمبر وحتى فبراير، لكنه يشرب مع الحر الشديد في الصيف". ويعشق أبناء النوبة كل ما يذكرهم بأرض الذهب "النوبة القديمة"، فقام محمد صبحي، بتحويل منزله بجزيرة أسوان إلى متحف أطلق عليه "أنيماليا" - أي مملكة الحيوانات والنباتات - يتصدرها التمساح النيلي "رمز القوة" إلى جانب الحيوانات التي عُرفت بها قرى النوبة قبل التهجير.
ويقول "صبحي"، إن متحفه يستقبل مئات السائحين سنويا، كما تصدرت صوره العديد من المجلات السياحية العالمية، والمواقع الإلكترونية المعنية بتقييم السياحة العالمية، لعل أبرزها موقع "ترب أدفيزور". في الوقت نفسه، يحذر مدير وحدة التماسيح بإدارة المحميات الطبيعية بأسوان، المهندس عمرو عبد الهادي من استمرار تربية التماسيح داخل المنازل، لإمكانية هروبها من المنازل إلى مياه نهر النيل، الأمر الذي تسبب منذ أسابيع قليلة في ذعر الأهالي عقب ظهور تماسيح بمجرى النيل بالمخالفة للبيئة الطبيعية التي يتواجد فيها التمساح النيلي ببحيرة ناصر فقط.
وشدد "عبد الهادي" - في تصريحات للتحرير - على أنه تم وضع حلول جيدة للاستغلال الأمثل لتماسيح بحيرة ناصر من خلال دراسات تهدف لاستغلال التماسيح كمورد اقتصادي هام يوفر ملايين الدولارات للدولة بإنشاء مزارع لتربية التماسيح بنطاق بحيرة ناصر؛ للاستفادة من جلودها في التصدير، دون الإخلال بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر بشأن الحفاظ على بيئة التماسيح ببحيرة ناصر من بينها اتفاقية "سايتس".