لم تكن المرأة المصرية التى خرجت للاستفتاء فى هذا المشهد العظيم تعطى رأيها فقط فى الدستور، ولكنها كانت تعطى درسًا فى الوطنية، وتصفع كل من أهان نساء مصر وتصور أنهم «كمالة عدد» أو أنهن خلقن من أجل «حسن التبعل» أو الزواج فى سن السابعة كما كان يبشرنا تجار الدين ومحترفو الكذب على الله والناس أجمعين! لم تكن المرأة المصرية فى مشهد الاستفتاء العظيم تقول «نعم» لدستور أعاد كرامتها وأكد حقوقها فقط. ولكنها كانت تقول «نعم» لوطن جميل تنتمى إليه، ولثقافة الاعتدال والتسامح التى تربت عليها، وللمعنى الرائع الذى أكدته حضارة مصر منذ الفراعنة وحتى الآن وغدًا.. وهى تضع المرأة فى مكانها اللائق وتجعلها عماد الأسرة وأساسها المتين. لم تكن المرأة المصرية فى مشهد الاستفتاء العظيم تعطى فقط درسًا لأعداء الوطن الذين تآمروا عليه، وإنما كانت تمحو العار الذى حاول «الإخوان» وأنصارهم من الجماعات الإرهابية أن يلصقوه بنساء مصر، حين أخرجوا نساءهن للشوارع ليحتمى بهن أشباه الرجال من خونة الإخوان! وحين دفعوا بالصبايا المخدوعات أو المغرر بهن لممارسة أعمال البلطجة فى الجامعات، ثم الزعم الرخيص بأن هؤلاء هن «حرائر مصر»! «حرائر مصر» الحقيقيات كن فى طوابير الاستفاء يسطرن أجمل ما يمكن كتابته من فصول المحبة للوطن والانتماء الأصيل له. أُم الشهيد التى لملمت جراحها وذهبت لتقول «نعم» على دستور أخلص مَن وضعوه لدماء الشهداء. أخواتنا وبناتنا اللاتى ذهبن لأداء الواجب نحو الوطن ومعهن الأطفال الصغار بعد ساعات من المحاولة الخائبة من «إخوان الشر والمولوتوف» لإثارة الرعب بتفجير محكمة إمبابة، كن يعطين درسًا فى الشجاعة والإيمان بأن مصر تستحق، وأنها ستنتصر على كل أعدائها، وأن ساعة استخراج شهادة الوفاة الرسمية للإخوان قد حانت بعد أن انتقلت الجماعة من موقع الإرهاب إلى موقع الخيانة.. وما أحقر هذا الموقع عند نساء مصر ورجالها المؤمنين بوطن لم يعرف الإخوان يومًا معنى الانتماء إليه. أمام اللجنة التى أدليت بصوتى فيها كان المشهد يقول إن مصر كلها حاضرة. كان الجو الاحتفالى هو الرد على تفجيرات الإخوان التى أثبتت للمرة المليون أنهم لا يعرفون شعب مصر ولا يفهمون أن من يتحداه لا يمكن أن يكسب المعركة. فى طابور النساء كانت المرأة المصرية الحرة فعلًا تقول كلمتها. كل الطبقات وكل الأعمار يجمعهن الإحساس بأن مصر عادت لأبنائها وبناتها، وبأن المستقبل يولد هنا بعيدًا عن الذين خانوا الأمانة وأرادوا أن يعيدوا مصر إلى عصور الجوارى والعبيد. وسط الملايين من نساء مصر الرائعات، وهن يحتفلن بدستور الثورة أمام لجان الاستفتاء كان طبيعيًّا أن لا يكون هناك مكان للست «أم أيمن» التى نصبت نفسها ذات يوم زعيمة لنساء مصر والعالم الإسلامى (ومن يعترض فليتقدم للمرشد أو يقرأ الفاتحة على مئات السنين من صنع الحضارة على يد رجال مصر ونسائها).. وكان طبيعيًّا أن لا تشارك البلطجيات ممن ينتحلن صفة الحرائر وهن يمارسن البلطجة فى الجامعات، ويخفين الأسلحة والمولوتوف تحت ملابسهن، ليستخدمها أشباه الرجال فى التخريب والدمار. وسط الملايين من نساء مصر الرائعات غابت هذه النماذج التى تحمل عنوان التخلف وتحاول إعادة عقارب الزمن إلى الخلف، لتحضر صورة المرأة المصرية البهية لمكافحة المتحضرة. وريثة هدى شعراوى ونبوية مصطفى وبنت الشاطئ وأمينة السعيد، وأجيال من المناضلات فى سبيل الحرية والكرامة والعدل. تعظيم سلام للمرأة المصرية التى أعطت للعالم كله درسًا فى الوطنية. والفاتحة على روح أمى التى لم تكن تقرأ أو تكتب، ولكنها علمتنى الدرس الأكبر وأنا ما زلت أخرج من الطفولة إلى الشباب، حين فتحت خزانتها، فى لحظة خطر على الوطن، وأعطتنى سلاحًا وهى تقول بكل ثبات: كن رجلًا. ولقد حاولت أن أكون كذلك مدى العمر، ولعلنى استطعت، ولعلها ترضى!