من أجواء مجموعتها الجديدة «يتناول الخبز المحمص، أكتفى بالقهوة، يقرأ المصرى اليوم، وأقرأ البديل، يسرع نحو المصعد، وأستخدم الدرج، يدير محرك السيارة بينما ابتسم للبواب، فى المساء تنتاول الابتسامات المتعبة والأسئلة الباردة، يطفئ سيجارته بينما أغسل أسنانى بالفرشاة، وفى السرير يدير كلانا ظهره للآخر». ربما يكون حظ الكاتبة دنيا كمال أفضل من غيرها، فقد نشأت فى بيت كاتب، كانت القراءة فى بيتها منذ الصغر شيئا عاديا، حيث احتوت مكتبتهم الضخمة على أمهات الكتب، على المجموعات الكاملة لكبار وصغار الكتّاب. لم تواجه أى رقابة على ما كانت تقرأه أو على ما تختاره من كتب. تقول صاحبة رواية «هى وضحى»: «كانت هناك علاقة خاصة بينى وبين مكتبة أبى.. أتذكر أننى عندما كنت فى الرابعة عشرة من عمرى طلب منى أبى فى إجازة الصيف أن أقوم بترتيب المكتبة وتصنيف وفرز الكتب التى تحتويها.. بدت لى وقتها مهمة مستحيلة.. المكتبة تحتوى على أكثر من خمسة آلاف كتاب.. هذا بجانب المجلات والمخطوطات والأوراق التى تبدو مهمة، كان يطلبه منى وقتها هو أن أقوم بكتابة عناوين الكتب فى كراسة ضخمة، وأن أضع رقما لكل رفٍّ، وحصرا لكل ما نملك من كتب. كان أجرى عن الرف الواحد 20 جنيها. كان المبلغ وقتها مغريا، ثروة صغيرة أكوّنها من بضع ساعات عمل يومية فى إجازة الصيف.. وافقت على العرض بالطبع طمعا فى المال، ولم أكن أعرف أن بعد 16 سنة من هذا التاريخ أن هذا العمل سيكون أكثر ما استمتعت به فى حياتى كلها.. مكتبة أبى هى العالم السحرى الذى لم يكُف يوما عن إبهارى، لم تتوقف أبدا عن تزويدى بأشياء كانت دوما ساحرة ومُبهجة وقادرة على إلهامى وإلهائى عن صغائر الحياة.. ومع كتابتى وتصنيفى لكل رف فى المكتبة، كنت أضع بضعة كتب فى غرفتى أختارها على أساس الغلاف والألوان والعنوان الذى أراه أحيانا جذابا.. قرأت فى 3 أشهر مخزونا يكفينى 3 سنوات، وجدت مخطوطات لمشاريع روايات لكُتاب كبار، حاولت وقتها أن أضع كل المخطوطات فى رف واحد وأصنّفه فى صفحات خاصة من الكراسة، هيكل، دستويفسكى، جمال حمدان، عبد الوهاب المسيرى، صنع الله إبراهيم، يحىى الطاهر عبد الله، نجيب محفوظ، تشيكوف، الطاهر وطار، كُتب عن الإسلام، عن الشيوعية، سير ذاتية، قصص، حواديت للأطفال، مجلات عن السينما، مسرحيات، تاريخ وعلم نفس… أعتقد بأن هذه التجربة كانت من أهم ما مررت به فى حياتى، وبالتأكيد هو أكثر عمل استمتعت به حتى اليوم». دنيا اختارت أن تدرس الآداب، فقرأت المزيد من الشعر والمسرح والرواية والأدب، درست الأدب الإنجليزى فى جامعة عين شمس، وكانت بدأت من السنة الأولى فى كتابة روايتها الأولى «حكايتان: هى وضحى». تقول عن رحلتها مع عالم الرواية: «أعترف بأننى عندما بدأت الكتابة لم أكن أقصد أن تكون رواية، كنت أريد أن أكتب فقط، كان لدى شغف بالكتابة، وكنت أحاول أن أجرب أى شكل من أشكال الكتابة.. انتهت التجربة برواية قصيرة مقسمة لجزأين نشرتها دار ميريت.. كنت أعتقد وقتها بأن شغفى بالكتابة سينتهى بإصدار الرواية الأولى كما يحدث لكثيرين.. اكتفيت بعدها بكتابة قصاصات صغيرة أضعها على فضاءات إلكترونية مختلفة، مثل خطاب أكتبه كل سنة فى ذكرى وفاة أبى، وبعض القطع القصيرة التى أكتبها عندما تضيق بى مساحات التواصل. فى خلال 3 سنوات، تأكدت أن لا حل لى سوى الكتابة، الكتابة هى المخرج الوحيد لشغفى بالتفاصيل، وهى الوسيلة الوحيدة التى أستطيع التعبير من خلالها بأريحية غير مشروطة. فى هذه المرحلة، وبعد تجارب قصيرة فى الكتابة على مدونات شخصية للغاية، أدركت أن الرواية هى الوسيلة المُثلى للتعبير. بدأت فى كتابة روايتى الثانية «سيجارة سابعة» فى منتصف 2012، وانتهيت منها بعد أقل من 6 أشهر. أتذكر جملة قالتها لى أستاذتى رضوى عاشور بعد أن قرأت «سيجارة سابعة» وسعدت بها للغاية، قالت لى «إنتى ماعندكيش حل غير إنك تكتبى، يا تكتبى يا تخبطى راسك فى الحيطة».. دنيا لا تفضِّل تعبير الكتابة النسائية، تؤمن بأن الكتابة هى الكتابة، وأن العمل الجيد يظلّ جيدا ويفرض نفسه على الجميع آجلا أم عاجلا، وإن كانت ترى أن رصيد السيدات من الأعمال الأدبية ليس كافيا أبدا. صاحبة رواية «سيجارة سابعة» تحبّ أن تقرأ للكاتبة الكبيرة رضوى عاشور منذ زمن، كما أنها تحب كتابات: لطيفة الزيات، وزهرة عُمر، وأروى صالح.. وغيرهن، ومن الأدب العالمى قرأت: فيرجينيا وولف، وجين أوستين، وإليزابيث. أما عن الكُتَّاب الشباب، فهى تقرأ لكل من: مصطفى إبراهيم ورامى يحيى ومايكل عادل ومحمد خير، وتعتقد بأن الأول (مصطفى إبراهيم) هو صلاح جاهين هذا الجيل دون أى مبالغة، وتتوقع أن يكتبه التاريخ فى مكانة قريبة للغاية يوما ما، كما أنها تصرح بأنها تحسد الثلاثة على قدرتهم السلسة فى الكتابة، وتشيد بموهبتهم غير المحدودة، تتمنى أن ترى منهم إصدارات أكثر فى المستقبل، وتتمنى أيضا أن لا يقف النشر عقبة فى طريق هذه المواهب العبقرية. وعن تحضيرها لكتابة «سيجارة سابعة» والتى جرت معظم أحداثها فى فترة الموجة الأولى للثورة، بداية من يوم 25 وصولا إلى يوم التنحى، تقول: «لم يكن لدى أبدا نية مبيّتة للكتابة.. لم يكن لدى النية أبدا أن أكتب قصة عن شىء معين، فقط أمسك القلم وأكتب وتأخذنى الكتابة حيثما تريد. يأتينى أشخاص وتأتينى تفاصيل بعينها لها علاقة بكل ما يحيط بى من عناصر حياتية، وأجد نفسى أذهب بهم إلى طريق أعرفه فقط فى أثناء عملية الكتابة.. بالطبع كان للثورة عامل ضخم فى كتابتى ل«سيجارة سابعة»، فقد كنت أحاول أن أنقل تفاصيل الاعتصام الأول، أو على الأقل أجزاء منه إلى عمل أدبى دون أن يتحول إلى وثائقى. وعلى الرغم من حبى الشديد للأعمال الأدبية الوثائقية، ولكنى كنت خائفة جدا من أن تتحول الرواية إلى عمل وثائقى، ففى النهاية الثورة حدث غير مكتمل من الصعب جدا توثيقه الآن، ولكنى أتمنى أن أستطيع يوما ما توثيقه فى عمل أثقل وأكبر من روايتى الأخيرة. والرواية أساسا لا يمكن تصنيفها على أنها رواية عن الثورة، هى رواية عن الأحلام غير المكتملة، عن أشخاص وتفاصيل تخصهم، أشخاص من المفترض أن يشبهونى ويشبهوا من هم من جيل الثورة، ولكن تصنيفها كرواية عن الثورة يزعجنى، أعتقد بأن الوقت لم يأتِ بعد لتوثيق الثورة».