واصل البيت الأبيض تشاوراته مع قيادات الكونجرس من أجل «تليين موقفهم» وإيضاح الصورة وتبرير موقف الإدارة من احتمال التوصل إلى اتفاق أو «صفقة» مع إيران. الرئيس أوباما، ومعه جون كيرى وزير الخارجية، وسوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى، اجتمعوا مع قيادات بمجلس الشيوخ نحو ساعتين للحديث عن إيران وعما يمكن تحقيقه من خلال الدبلوماسية القائمة والدائرة حاليا فى جنيف. ولا شك أن الشكوك الإسرائيلية العديدة ما زالت «مسموعة» والأهم «تجد آذانًا صاغية» فى العاصمة الأمريكية بل تتبناها جهات سياسية عديدة وتجد فى التودد والتقارب مع إيران «مخاطرة يجب تفاديها». إلا أن الإدارة يبدو أنها «مصممة» على المخرج الدبلوماسى وأيضا فى محاولتها من أجل «حلحلة» المواقف و«إقناع» الأصدقاء فى المنطقة بما قد يتم من اتفاق وما قد يتم اختباره تجاه نيات إيران فى امتلاك السلاح النووى. وحسب ما ذكره بعض المصادر المطلعة فإن ما أبلغته الإدارة من جديد يوم أول من أمس (الثلاثاء) لقيادات الكونجرس «لا داعى لتشديد العقوبات فى الوقت الحالى» أو الحديث عنها ما دامت هناك فرصة ولو ضئيلة للتفاوض. الصفقة الإيرانية بكل تفاصيلها (والتى لم تتكشف بعد) ما زالت تثير كثيرا من التساؤلات والتفسيرات ونظريات المؤامرة! وكأن ما هو مطروح على الساحة ليس كافيا لإحراج إدارة أوباما داخليا وخارجيا، جاء الاتفاق المزمع عقده مع أفغانستان ليزيد من علامات الاستفهام والتعجب حول أداء الرئيس وإدارته. فما تم تسريبه حتى الآن يشير إلى ملف أفغانستان سيظل مفتوحا إلى «ما لا نهاية» وأن ما بعد 2014 سيكون «شكلا آخر» من استمرار وجود القوات الأمريكية فى أفغانستان واستمرار تدفق الأموال الأمريكية إليها. وربما لسنوات عشرٍ أخرى كما كشفت شبكة «إن بى سى» الإخبارية. أما الأمر الأكثر إثارة للانتقاد والاستنكار فهو ما ذكره البعض من أن خطابًا بالاعتذار سيقدمه الرئيس أوباما لأفغانستان وشعبها بخصوص ما ارتكبته القوات الأمريكية من أخطاء فى حقهم. هذا ما قيل وتردد وبالتالى تعجب بعض السياسيين بل استنكروا قبول واشنطن مثل هذه الفكرة. وفى خطوة متوقَّعة وبعد ساعات من إثارة الأمر نفت الإدارة هذا الأمر. وقالت سوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى فى حديث مع «سى إن إن»: «لم يتم كتابة أو إرسال كتاب بهذا المعنى. وليس هناك حاجة للولايات المتحدة إلى أن تعتذر إلى أفغانستان» وأضافت: «بل على العكس نحن ضحّينا وقدمنا الدعم لهم فى تقدمهم الديمقراطى وفى التعامل مع حركات التمرد والقاعدة. وبالتالى خطاب الاعتذار ليس مطروحا». وقد نقل عن مسؤولين أمريكيين أن ما طرحه جون كيرى وزير الخارجية خلال زيارته لأفغانستان كان خطابا لضمانات أو تأكيدات حول مستقبل العلاقة الأمنية بين البلدين. وقد ذكر أيضا فى هذا الصدد أن ما طُرح على كيرى من جانب الرئيس الأفغانى كرزاى كان دعوته لحضور جلسات قادة وزعماء أفغانستان «لويا جيركا» فى أثناء مناقشة قضية الوجود العسكرى الأمريكى ما بعد عام 2014. إلا أن كيرى فضَّل عدم الحضور ومن ثم اقترح فكرة الرسالة. ويشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن العدد المقترح للقوات الأمريكية لا يزيد على 8 آلاف فرد والهدف من استمرار وجودهم القيام بتدريب قوات أمن أفعانية. ويُذكَر أيضا أن العدد المقترح والمطروح لوجود القوات التابعة للحلف الأطلسى يتراوح ما بين 3 و4 آلاف فرد. وتوجد شكوك كثيرة تجاه وجود القوات الأجنبية خصوصا أن أعدادها المحدودة لا تشكل أى قوة قادرة على القيام بأهداف أمنية خصوصا إذا تم استهدافهم من جانب قوات حركة طالبان. كما أن الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع الأزمات المتفاقمة فى المنطقة تبحث عن أماكن لتحريك دورها ووجودها فى إدارة الأزمات. إذ مثلما اختارت إسطنبول للتعامل مع المعارضة السورية ومع حركات الإسلام السياسى. تحدثت أخيرا أو ألمحت إلى كلٍّ من بلغارياوألبانيا فى سياق أزمات أخرى. إذ مع توتر الأوضاع فى ليبيا والحديث عن ضرورة تدريب وتأهيل عناصر أمنية ليبية للقيام بمهام مواجهة الميليشيات والإرهاب ذكرت «البنتاجون» عن خطة سوف يتم تنفيذها فى بلغاريا. أما ألبانيا فكانت من ضمن ما تم ذكره من دول لتسلم والتخلص من السلاح الكيماوى السورى. وإن كانت حلول أخرى تُطرح الآن للتعامل مع مصير ما تم جمعه من هذا السلاح. تطوُّر الأحداث والمواجهات فى سوريا يزيد الأمور تعقيدا. وكما جرت العادة تفادت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين ساكى من جديد الحديث عما يحدث من تغيرات على أرض الواقع ومن انحسار للمناطق التى تسيطر عليها المجموعات المعارضة للنظام، والميليشيات المسلحة. وواشنطن التى اعتادت تكرار الحديث فى وقت ما بأن التغيير فى موازين القوى وفى انتشار التحكم فى جغرافيا سوريا قد تدفع الأسد إلى أن يعيد حساباته. ولكن هذا لم يحدث. وقد لا يحدث أبدا. ونعم «جنيف 2» كمحطة دبلوماسية ما زالت موجودة على «الخريطة السياسية» ولم يعلن أحد بعد إغلاقها أو الاستغناء عن خدماتها إلا أنه مع مرور الأيام وتفاقُم الأزمة وزيادة قبضة النظام السورى على الحكم سياسيا وجغرافيا يبدو أن احتمالات انعقادها فى وقت قريب بدأت تنحسر وتتضاءل. شهر نوفمبر اقترب من نهايته وديسمبر عادةً -خصوصا فى نصفه الثانى- بالنسبة إلى أوروبا وأمريكا ملىء بالأعياد والعطلات. فأهلا ب2014 الذى لن يكون بالتأكيد سهلا بالنسبة إلى الأزمة السورية بتداعياتها الإنسانية ونزوح اللاجئين وتعرُّض الملايين لظروف الشتاء القاسية. قضايا شائكة عديدة تحاصر صانع القرار الأمريكى. ثم ماذا أيضا عن دول «الربيع العربى» أو ما كان يوصَف بذلك؟وهل الشتاء العربى القادم سوف يحمل مفاجآت أخرى تقف أمامها واشنطن وهى أكثر حيرة وأكثر تخبطًا؟ إن غدًا لناظِره قريب وربما فى هذه الأحوال مخيف ومقلِق أيضا.