رحّبت الخارجية الأمريكية بإنهاء حالة الطوارئ فى مصر وإن حرصت على أن تبدى قلقها تجاه بعض ما يجرى بمصر بشكل عام. وتفادت المتحدثة باسم الخارجية التعقيب أو التعليق عن زيارة وفد روسى لمصر وعما أُثير أخيرًا من توجّه وترحيب ب«قدوم الروس». كما أن واشنطن أبدت وتبدى حرصها على الوقوف مع مصر فى مواجهة تحدياتها الاقتصادية، قائلة «نحن نريد أن تنجح مصر». وقد حرصت الخارجية الأمريكية، على لسان المتحدثة باسمها جين ساكى، على إبداء ترحيبها برفع حالة الطوارئ بما فيها حظر التجول، وذلك ردًّا على سؤال طرحته «التحرير» حول رد فعل واشنطن تجاه قرار إنهاء الطوارئ، وقالت ساكى أيضًا «إلا أننا نشير إلى أن الحكومة تدرس إمكانية إصدار تشريع آخر فى ما يخص الأمن. ونحن نحث الحكومة على أن تحترم حقوق كل المصريين. وهذا يشمل ضمان أن يكون المصريون فى كل الأطراف باستطاعتهم أن يمارسوا سلميًّا حرية حقّهم فى التجمع والتعبير. هذا بالإضافة إلى ضمان توفير الإجراءات القانونية وأن كل المدنيين المعتقلين يتم تقديمهم فقط لمحاكم مدنية»، ثم أضافت «إذن نحن نرحّب به (إنهاء الطوارئ)، ولكن هناك خطوات أخرى تثير قلقنا». وعما إذا كانت هذه الأمور طُرحت على الجانب المصرى خلال لقاءات كيرى الأخيرة بالقاهرة، جاء سؤال متابعة من «التحرير»، فقالت ساكى «بالتأكيد كل هذه الأمور تم مناقشتها عندما كان الوزير كيرى هناك». ثم طرحت «التحرير» سؤالًا عن التقارب المصرى-الروسى وتوجّه وفد روسى رسمى إلى مصر، وعما يمكن وصفه بوجود توجّه «الروس قادمون» والحديث عن احتمال إبرام صفقات للأسلحة. ساكى تفادت التعقيب أو التعليق، واكتفت بالقول «أنا أستطيع التحدّث فقط عن علاقتنا. ومن الواضح أن الوزير كان أخيرًا هناك، وأنه ناقش التزامنا بالنجاح طويل المدى لمصر. وهذه هى الرسالة التى أبلغها هناك، وكان مهمًّا له أن يقوم بالزيارة، وأنه ناقش أيضًا الخطوات التى يجب أن يستمروا (المصريون) فى اتخاذها لتطبيق خارطة الطريق، ووضع حمايات أكبر للشعب المصرى. ونحن نظل ملتزمين بذلك. وزيارته هناك كانت دليلًا لالتزامنا تجاه مصر». ثم أصافت ساكى «نحن على علم بالتأكيد أن للروس وفدًا يزور مصر وأنا سوف أقوم بتوجيهك إلى المسؤولين الروس والمصريين لمزيد من التفاصيل حول ما يتمنوا تحقيقه». وهل هذا التقارب المصرى الروسى طُرح خلال لقاءات كيرى فى القاهرة، تساءلت «التحرير»، فقالت المتحدثة باسم الخارجية «لست على علم بأن هذا الأمر كان جزءًا من المناقشة. وكما تعرف نحن كنا هناك لوقت قصير وكانت هناك أمور عديدة للنقاش، وكان الوزير لديه العديد من اللقاءات حينما كان هناك، ولكنها كانت أكثر حول العلاقة بين مصر والولايات المتحدة». كما طرحت «التحرير» سؤالًا حول ما قاله كيرى فى دولة الإمارات بعد لقائه المسؤولين بها عن مساندة مصر ودعمها لمواجهة التحديات الاقتصادية، أكدت ساكى أن الاهتمام بالاقتصاد المصرى ودعمه دعامة أساسية لنجاح مصر فى التحرّك قدمًا وقالت «نحن نريد أن تكون مصر ناجحة، ونحن نريد أن يزدهر الشعب، وجزء من هذا هو الإصلاحات الاقتصادية وضمان أن الاقتصاد يزدهر وينمو»، وأضافت «نحن نريد للانتقال فى مصر أن ينجح، وهناك خطوات نحن نؤمن بأن الحكومة المؤقتة فى حاجة إلى أن تأخذها». ولا شك أن تصريحات اللواء محمد فريد التهامى مدير المخابرات العامة، للكاتب الصحفى ديفيد إجناشيوس، ب«واشنطن بوست»، وهى تخاطب بوضوح وتحديدًا صناع القرار فى العاصمة الأمريكية والرأى العام الأمريكى، وضعت الأمور فى نصابها الصحيح، خصوصًا أنها أكدت أن العلاقة الاستخباراتية القائمة بين البلدين مستمرة و«لم يحدث أى تغيير بها»، وأن هذا التعاون يتم فى مسار مختلف عن المسار السياسى، وما قد يشهده من توترات أحيانًا. والأهم فى رأى مراقبين للوضع المصرى أن هذه التصريحات وضعت النقاط فوق الحروف فى ما يخص التحديات التى تواجهها حاليًّا مصر أمنيًّا وسياسيًّا وأيضًا تحليله وتقييمه لما يحدث وقد يحدث فى ليبيا وسوريا. يُذكر أن مقالات إجناشيوس غالبًا لها معنى ومغزى، ولها نفوذ وتأثير فى إيضاح وتحديد توجهات واشنطن وأصحاب القرار بها، خصوصًا فى تعاملهم بالعالم الخارجى. إن المشهد المصرى بتغيراته وتوتراته وتقلباته ما زال موضع اهتمام وقلق، والهاجس الأمنى أو تحقيق الاستقرار يشغل بال الكثير من المهتمين والمهمومين بالشأن المصرى. ولذلك الحديث المصرى الرسمى عن تحقيق الأمن والاستقرار يجد غالبًا صدى إيجابيًّا لدى أهل القرار وأهل البزنس فى واشنطن وأمريكا بشكل عام. كما أن حرص المسؤولين المصريين أو فلنقل سعيهم لتقديم الصورة الصحيحة ووضع الأمور فى نصابها الصحيح أمر ضرورى ومهم لا يمكن التغاضى عنه أو إرجاؤه لما بعد، خصوصًا فى وقت يزداد فيه خلط الأوراق وتغييب أو لوى الحقائق. ولعل عملية «كتابة الدستور الجديد» بكافة تفاصيلها فى التوجهات والاختيارات، مثال صارخ لا يمكن وصفه بالتجاهل الأمريكى له ومن ثَم الأخطر البكاء على أطلال «دستور 2012» وعلى «التجربة الديمقراطية الوليدة فى عهد الإخوان»، وهو التوجه الذى يتبناه العديد من المتخصصين والأكاديميين الأمريكيين، وتعكس افتتاحيات الصحف الأمريكية الكبرى هذا التوجه فى ما يخص خارطة الطريق السياسية فى مصر والتيارات الليبرالية «المتشددة» و«الرافضة» فى رأى تلك الصحف المصالحة السياسية والحوار الوطنى. واشنطن تراقب الموقف كعادتها باهتمام وعن كثب. زيارة كيرى الأخيرة وتصريحاته فى أثناء وبعد زيارته تؤكد ذلك. كما أن الاتصالات القائمة والمستمرة سواء على مستوى الإدارة أو من جانب الكونجرس تثبت هذا التوجه. وكانت غرفة التجارة الأمريكيةبواشنطن قد أعلنت مع زيارة زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء إلى واشنطن، عن قيام مجموعة كبيرة من كبار رجال الأعمال الأمريكيين بزيارة لمصر فى شهر يناير المقبل، من أجل مناقشة مشروعات استثمارية والدفع بها فى هذه المرحلة الحيوية فى مصر. وواشنطن بشكل عام تبدى تفهّمًا لتعامل السلطات المصرية مع الأوضاع الأمنية وتصميمها على تحقيق الاستقرار، خصوصًا أن حالة الاستقرار ضرورية وحيوية لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحريك عجلة السياحة والعمل على جذب الاستثمارات الخارجية.