الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أو المنهارة سيكون لها نصيب كبير من أجندة زيارة كيرى أمريكا تُصِرّ على مشاركة الجميع فى الانتخابات البرلمانية القادمة واشنطن حائرة مع الإخوان.. لا تريد خسارة حليف استراتيجى ولا معجبة بطريقة إدارتهم كيرى فى القاهرة ليستمع ويتكلم، وغالبا لكى يستمع أكثر مما يتكلم، وبالتأكيد لكى يستمع لكل الأطراف المختلفة والأصوات المتعددة، وهى زيارة استماع لأصحاب السلطة وقوى المعارضة والمجتمع المدنى، وأيضا زيارة تذكير وتأكيد لما تريد أن تراه واشنطن، أو فلنقل لما لا تريد أن تراه، وفى الأيام الأخيرة كما هو واضح أو على الأقل مُعلَن ومكرَّر بعبارات تبدو محددة، واشنطن بجانب اهتمامها وحرصها على الاستقرار الأمنى فى مصر وعلاقاتها العسكرية معها بهذا الخصوص فإنها مهتمة ومهمومة و«أيضًا مرتبكة وتتخبط» فى ما يسمى بالاستقرار السياسى فى مصر، أو بكل ما يعرقله أو يعوقه أو يجهض الفكرة نفسها من أساسها، لذلك فإن زيارة وزير الخارجية الأمريكى لمصر اليوم هامة وضرورية، ومهمته شاقة، حتى لو قيل له أهلًا، فلن يكون سهلًا. ولا شك أن المكالمة الهاتفية الأخيرة التى أجراها الرئيس الأمريكى أوباما يوم الثلاثاء الماضى مع الرئيس محمد مرسى وضعت بعض النقاط فوق بعض الحروف وإن كانت أثارت تساؤلات عديدة حول ما ستفعله أو لن تفعله واشنطن تجاه تطور، أو فلنقل تدهور الأوضاع فى مصر، وهل واشنطن قادرة أو راغبة فى أن تفعل ما لا تفعله أم «ما باليد حيلة»، بخاصة أن تداعيات «الربيع العربى» والخروج من مرحلة التعامل مع الديكتاتوريات، بالتأكيد هو بالأمر المعقد لها وللشعوب العربية، وحالة مصر «واضحة وحارقة مثل الشمس»، وحسب ما ذُكر فى البيان الصادر عن البيت الأبيض عن مضمون ومحتوى المكالمة فإن عديدًا من التحديات السياسية والاقتصادية يجب أن تواجهه القيادة فى مصر، وكيرى فى زيارته «سيشدد على ضرورة أن يعمل كل المصريين معا من أجل بناء ديمقراطيتهم وتعزيز الاستقرار الاقتصادى والرخاء». ما يحمله كيرى معه للقاهرة بالتأكيد سيتم الإعلان عنه خلال وجوده فى القاهرة، كما أن ما سيتم التوصل إليه قد يتم التصريح به أو الإشارة إليه خلال أيام. واشنطن ما زالت تصر على مشاركة الجميع فى العمل السياسى ومن ثم الانتخابات البرلمانية المقبلة، لذلك عندما أثارت «التحرير» يوم الخميس مجدَّدًا موقف المعارضة وتحديدا «جبهة الإنقاذ» الرافض للمشاركة فى الإيجاز الصحفى اليومى للخارجية الأمريكية قال باتريك فنتريل القائم بأعمال المتحدث «بالتأكيد أنت رأيت البيان الصادر عن المكالمة التى أجراها الرئيس أوباما مع الرئيس مرسى، وعن اتجاه الموقف الأمريكى، إذ نحن نحثّ كل الأحزاب السياسية والأفراد ذوى الاهتمام بتمثيل الشعب المصرى أن يشاركوا فى الانتخابات، ومن ثَم نحن نعتقد أن انتخابات برلمانية ناجحة سوف تتيح فرصة أخرى للمصريين لكى يشاركوا فى العملية الديمقراطية ويتم سماع أصواتهم، ونحن سنستمر فى الحثّ ليس فقط على المشاركة بل على خروج الناس وقيامهم بالتصويت»، ولا شك أن واشنطن خلال الفترة الماضية ومع «تزايد استحواذ وهيمنة الرئيس ومن ثم الإخوان على أدوات الحكم والسلطة» و«ترسيخ الاستقطاب فى مصر»، أعلنت وذكرت مطلبها من مصر أو دعوتها لأصحاب القرار: «إقامة حياة سياسية شاملة لا إقصاء فيها واحترام حقوق المرأة وحماية الأقليات والالتزام بالمبادئ الإنسانية الأساسية للحريات». ومثلما أثارت «التحرير» موقف المعارضة الرافض للمشاركة ذكرت أيضا أسباب هذا الموقف حينما لم تجد تلبية لمطالبها، بخاصة أن الانتخابات ليست تصويتا فقط بل عملية متكاملة، وسألت عن موقف الإدارة من كل هذا فقال فنتريل «إنها قرارات سوف يقررها المصريون، وليس موقفنا بطريقة أو أخرى أن نقول كيف يجب أن يعمل النظام، غير أننا نريد انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة وأن يشارك أكبر عدد ممكن من الأحزاب وأن يخرج أكبر عدد ممكن من الناس ويدلوا بأصواتهم»، وفى سؤال متابعة طرحت «التحرير» ما قالته المعارضة من أن واشنطن تتدخل فى الشأن المصرى وتنحاز لطرف دون آخر فقال باتريك فنتريل «أنت تعرف موقفنا العامّ بالنسبة إلى مصر، نحن نريد مستقبلا مزدهرا وديمقراطيا للشعب المصرى، تُحترم فيه كل حقوق الإنسان العالمية للمصريين من كل العقائد، رجالا ونساء على السواء، وهذا هو الإطار الأوسع الذى نعمل فيه مع مصر، وأن لا تتخذ الولاياتالمتحدة موقفا من طرف أو آخر حول من يجب أن يحكم مصر، ونحن لا نختار هذا أو ذاك القائد، ما نفعله بالفعل هو أن نعمل لمساعدة هذه العملية الديمقراطية، وهذه المساعدة تتضمن المساعدة الاقتصادية والمشورة بينما يتم بناء المؤسسات وسيادة القانون، هذه النوعية من التدريب والمساعدة». ولا شك أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أو المنهارة سيكون لها نصيب كبير من أجندة زيارة كيرى، فالاتفاق مع صندوق النقد ما زال «قيد البحث والتفاوض» رغم تدفق التصريحات وطوفان الأخبار والتعليقات، بخاصة من جانب المسؤولين المصريين، وحسب ما قاله أحد المراقبين «لو كان هذا التدفق فى التصريحات صاحبه تدفق فى الأموال والاستثمارات لكانت مصر فى حالة ثراء ورخاء لا مثيل لها». وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى الجديد ليس جديدًا على المنطقة ومصر تحديدًا، ومثلما اقترب وتعارف وتعاون مع مبارك والقيادات العسكرية فى مصر واطلع و«دخل فى تفاصيل تفاصيل الشأن المصرى» فإنه منذ نهاية عام 2011 تعامل علنا بالأسلوب نفسه مع الإخوان وقياداتهم، فالوزير الحالى، البالغ من العمر 69 عاما، كان على مدى نحو ثلاثة عقود عضوا بارزا وقياديا فى مجلس الشيوخ، خصوصا من هؤلاء المهتمين بالشؤون الخارجية وأصحاب العلاقات الممتدة مع زعماء وقيادات العالم، وكيرى كما قيل وقت مجيئه كوزير يفضل ما يسمى «الدبلوماسية الهادئة»، وما يتم إنجازه وتحقيقه وراء الأبواب المغلقة لا أمام كاميرات التليفزيون، وهذا ما قد نراه ونتأكد منه فى الأيام المقبلة. وحسب تصريحات المتحدثة باسم الخارجية فيكتوريا نولاند قبل بدء جولة كيرى فى المنطقة فإن الوزير لديه كثير ليقوله ويريد أن يستمع كثيرًا فى مصر. وإذا كان المراقبون يترقبون أول زيارة لكيرى وزيرًا إلى مصر ومن ثم المنطقة، فإن الكل يعرف جيدا ما يمثله الشرق الأوسط كمنطقة من «لعنة» طاردت و«جابت أجل» أغلب وزراء الخارجية فى العقود الأخيرة، وحسب رصد مكتب المؤرخ بالخارجية الأمريكية فإن هيلارى كلينتون كوزيرة زارت مصر 6 مرات، فى حين بلغ عدد زيارات كوندوليزا رايس لمصر 11 زيارة، أما مادلين أولبرايت ف9 زيارات وكولن باول 9 زيارات وجيمس بيكر 12 زيارة، وحسب هذا الرصد لزيارات وزراء الخارجية ما بين عامَى 1989 و2012 فقد بلغ عدد الزيارات لمصر 61 زيارة أكثرها كان من جانب وارن كريستوفر، 14 زيارة، وأقلها من جانب هيلارى كلينتون. ومع مجىء كيرى للقاهرة من الطبيعى أن يتساءل المراقبون: هل واشنطن مهتمة فقط ب«علاقتها الاستراتيجية» كما كانت من قبل وكما يشدد عليها البعض، وما يريده مرسى والإخوان؟ ومن ثَم فإن واشنطن «لا تريد ولا تحبذ إثارة أمور الديمقراطية وما شابه ذلك» و«لا تفضل المواجهة فى ما يخصّ الاستبداد ما دام التعاون الاستراتيجى مستمرًّا» مثلما هو الأمر مع ما يخصّ السلام مع إسرائيل وأمن سيناء و«كبح جماح حماس» والعمل مع المعارضة السورية والمواجهة مع إيران، وهذا هو ما نراه حتى الآن، إلا أن الأمور ليست دائما أبيض وأسود، وبالتأكيد فيها مساحات كبرى من الرمادى.