رواية «2 ضباط» أعيد طبعها 4 مرات فى 4 أشهر. وتجد على غلاف طبعتها الرابعة باللغة الإنجليزية «bestseller»، أى أفضل مبيعات. قد يكون السبب فى الشعبية الهائلة لهذه الرواية، قدرتها على اختراق بعض أساليب عمل وزارة الداخلية، وعلى اختراق شخصية ضابط فاسد، يشتبك فى صراع شخصى مع ضابط ملتزم، ثمّ تتمكن الرواية من فضح الفاسد أولا ثم إدانته ثانيا والانتقام منه ثالثا. مع ذلك فقد تردّدت عدة مرات فى استكمال قراءتها بامتداد المئتى صفحة الأولى، بسبب وجود معلومات لا معنى لها على الإطلاق، تشغل عشرات الصفحات، مثل الوصف التفصيلى الجسمانى والمهنى والنفسى لعدد لا نهاية له من الأشخاص، من بين أصدقاء الضابطين، بل من بين أصدقاء أصدقائهما، ثمّ أنواع الكرافات «Boss»، والفساتين «السينييه»، والساعات الرولكس التى تباع فى مصر ب22 ألف جنيه، وكراسى الصالون الأوبيسون، ومزايا وأسعار الماركات المختلفة للسيارات التى تباع فى التوكيلات المختلفة، وشراء فيللا فى كومباوند القطامية بعشرة ملايين جنيه. شىء استفزازى جدا، قد يكون المقصود به بثّ كراهية الأشخاص المنتمين إلى تلك الطبقة المرفّهة، فى نفوس القرّاء، لكن تحقيق هذا الهدف كان مبالغا فيه جدا. ثمّ ما الداعى لتخصيص عشر صفحات «من 131 إلى 141 بالطبعة الرابعة» لحوارات مكرّرة وممّلة بشكل مبالغ فيه جدا، فى وصف المحاولات التى قام بها أحد أفراد الشلة لجمع أصدقائه فى منزله بدعوى معاونته فى استرداد سيارته المسروقة، وفى الواقع هى لم تكن مسروقة وإنما هو كان يريد أن يقضوا السهرة عنده فى بارتيتة كوتشينة؟ عشر صفحات كاملة؟ ثمّ تخصيص عشر صفحات أخرى «من 179 إلى 189 بالطبعة الرابعة» للحديث عن رحلة صيد سمك فى وادى الدوم بالبحر الأحمر دون أن يكون لهذا الوصف أى دلالة درامية على الإطلاق. دعونى أصرّح للمؤلف بأن هذه الرواية كانت مترهّلة جدا فى بدايتها، وحتى 40% منها، وأنها كان يمكنها أن تصبح أفضل بكثير لو حذفنا نصف الصفحات من صفحة واحد إلى صفحة 222. وأن هناك موضوعين وحيدين كانا جديرين حقا باهتمام القارئ وبانتباهه فى هذه الصفحات المئتين والعشرين، الأول هو كيف تمكّن الضابط الفاسد من جذب انتباه بيرى «بيريهان»، ابنة المليونير التى ستصبح زوجته، والثانى هو كيف تمكن الضابط الملتزم مع قواته الخاصة من مهاجمة وكر المخدّرات بالصعيد، والقضاء على زعيم العصابة. كان فى هذين الموضوعين وحدهما فقط لا غير ما يكفى لتحقيق غرض كراهية الرائد الفاسد، والإعجاب بالنقيب الملتزم. يصبح العمل جذابا فقط من ص 223 بحادثة المحطّة، عندما يحدث بالصدفة البحتة أن يتقاطع لأول مرة خط حياة الضابط الفاسد، بخط حياة الضابط الملتزم. إذن فإن الموضوع الرئيسى لهذا العمل هو الصراع بين اثنين من ضبّاط الشرطة، أحدهما برتبة رائد، وهو نموذج مجسّم للفساد، والآخر برتبة نقيب، وهو نموذج مجسّم للاستقامة. ماذا فعل الرائد ليستحق منا هذا الوصف بالفساد بل بالظلم والافتراء على خلق الله؟ أولا: هو استغل ثقة والد خطيبته فيه، وذهب بها إلى شاليه فى الساحل الشمالى حيث اغتصبها ليضمن إتمام الزواج. ثانيا: هو يستغل وظيفته كضابط مباحث فى إقامة علاقات جنسية مع سيّدات «سحر مثلا» وقعن فى براثنه بسبب رخص سيّاراتهن المنتهية الصلاحية «وقد انتقمت سحر لاحقا عندما اتصلت بزوجة الرائد وأبلغتها بما حدث». ثالثا: هو يحتفظ بشقة لنزواته «جارسونيرة» فى المقطم. رابعا: هو يستغل وظيفته كضابط فى تهريب السيارات عبر الحدود الليبية وبيعها فى السوق المصرية دون دفع جمارك «وقد انتبه جهاز الشرطة لهذه المخالفة». خامسا وهو المهم بالنسبة لروايتنا: هو اعتدى بالضرب على زوجة ضابط زميله فأفقدها جنينها، لسبب تافه جدا وهو أن سيارة شقيق النقيب وقفت فى المكان المخصص لسيارته هو أمام محطة سكك حديد الجيزة، ثم أنكر تماما فى المحضر وجوده فى المكان، وتعاون معه فى ذلك مأمور قسم شرطة المحطة. بالطبع هذه هى الميزة الكبرى لهذه الرواية، فضح أفعال بعض ضبّاط الشرطة، الذين يستغلون وظيفتهم أسوأ استغلال. فقد تمكن الرائد من أن يقتصر محضر قسم شرطة المحطّة على اتهام شقيق النقيب بالاعتداء على أمين شرطة، رغم أن أمين الشرطة كان أضخم وأقوى بكثير من الشقيق. وكما قيل فى الرواية «المجنى عليه سليم مئة بالمئة، والجانى المتهم فى حالة يرثى لها بسبب الجروح والإصابات وتمزيق الملابس». فى البداية حاول النقيب بالطرق القانونية، أن يحصل من زميله الرائد عبر الوسائل القانونية فى إدارة التفتيش بوزارة الداخلية، على حقوقه المسلوبة، المتعلّقة بإهانة زوجته وفقدها الجنين والاعتداء على شقيقه، فتقدّم إلى هذه الجهات بملف كامل بالتقارير الوافية من أطبّاء مستشفى أم المصريين، عن حالة الزوجة، وبالتقارير الواردة على لسان شهود الحادثة من غير شهود الزور المتعاملين مع الشرطة. إلا أن القانون يخذله بقرار حفظ التحقيق فى القضية، التى كانت قد تحوّلت من جنحة اعتداء شقيق النقيب على أمين شرطة فى أثناء تأدية وظيفته، إلى جناية قتل جنين النقيب على يد الرائد. كان تحالف المصالح بين ثراء والد زوجة الرائد والسلطة ممثلة فى لواء شرطة، قد أدّى إلى حفظ التحقيق فى القضية. ثم قرّر النقيب أن يحصل على حقه بذراعه. وهذه هى فى الواقع الرسالة المختفية the hidden message خلف هذا العمل، الرسالة التى تدعو الناس الذين لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم عبر الطرق القانونية، بسبب الفساد المستشرى فى الحكومات ووزارة الداخلية وجهاز الشرطة والمجتمع، من الحصول على حقوقهم بقوة الذراع عبر وسائلهم الخاصة. لقد خطّط النقيب للانتقام من الرائد، بذكاء وصبر غير عاديين، حتى تمكن فعلا من الانتقام. وكان قد استعان بعدد كبير من أصدقاء طفولته ومراهقته من بين الملاكمين المحترفين وأشبال الملاكمة فى نادى الزمالك، واستعان بالعشرات من جنود قواته الخاصة، فى تحقيق خطّة الانتقام التى سأترككم تقرؤونها قرب نهاية الرواية، ثم تمكّن كذلك بالحيلة والدهاء من إثبات أنه لم يغادر نوبته «نوبتجيته» فى موقعه بقطاع الأمن العام فى المنيا، خلال توقيت تنفيذ الخطة. حقا إنه عمل جدير بالقراءة، مع القفز فوق المئتى صفحة الأولى.