صدر حديثا لسفير لبنان ومندوبها الدائم في جامعة الدول العربية الدكتور خالد زيادة، كتاب «الكاتب والسلطان»، عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة ، في 310 صفحات من القطع المتوسط، وبتقديم للناقد الدكتور جابر عصفور. الموضوع الرئيسي للكتاب الذي يحتوي على ستة فصول غير تقديم ومدخل وخاتمة، هو علاقة المثقف بالسلطة منذ كان الفقيه هو مثقف السلطان الذي يصدر له الفتاوى التى تناسبه وتتوافق مع رأيه، وكيف تطورت هذه العلاقة وصولا إلى المثقف في العصر الحديث الذي حل محل الفقيه يسوغ للسلطة قمعها ويكتب لها الرأي الذي يتوافق مع هواها. ينطلق الكتاب من سؤالين : يتعلق الأول بالموقع الذي كانت تشغله الأجهزة الفقهية في الدولة ، والثاني يأتي من فضاء مختلف ، ويتعلق ببروز شخصية اجتماعية جديدة متمثلة بالمثقف ، ومن المعروف أن الأجهزة الفقهية كان منوطا بها القيام بأعباء الوظائف الدينية من إمامة وخطابة وتدريس ، وصولا إلى تولي القضاء ، وكانت تملك حيزا من الاستقلال الذاتي في تسيير شؤونها، إلا أن هذه العلاقة كانت عرضة للتبدل مع الانعطافات والانقلابات وتغير الدول. ويشرح الكاتب أن السؤال المتعلق ببروز المثقف يبدو أكثر تعقيدا، فقد درجت الدراسات التي تناولت الموضوع على استعادة التجربة الفرنسية من إميل زولا إلى جان بول سارتر، أو بالعودة إلى الأدبيات الماركسية، خصوصا لدى الإيطالي أنطونيو جرامشي ، وكان لهذه الدراسات أن توضح لنا مسار المثقف اللاتيني أكثر من التعرف إلى شخصية المثقف العربي، فضلا عن كونها قدمت صورة يظهر فيها المثقف مستقلا ومعارضا للسلطة، مسترجعا فكرة التنوير في القرن الثامن عشر المعادية للاستبداد والكنيسة. ويقول خالد زيادة «لقد اقتنعت بأن ولادة المثقف في البيئة العربية ترتبط بتجربة التحديث في عصر النهضة والتنظيمات، وأن وظيفته لا يمكن فهمها إلا في ضوء الوظائف التي شغلها من قبل الفقهاء وكتاب الدواوين، مع التأكيد على ضرورة التمييز بين الوظيفة ، التي يضطلع بها الفرد أو المؤسسة وبين الدور الاجتماعي والثقافي والسياسي ، الذي يتبدل تبعا لتبدل الظروف وتغير الأسئلة من حقبة إلى أخرى». ويضيف :«ندخل اليوم في العالم العربي مرحلة جديدة من التحولات التي ستستغرق سنوات عديدة ، نشهد فيها مجابهة بين المثقف الذي يحمل أفكار التحديث ويدافع عن الدولة ، وبين من يعتبر أنه يملك الفهم الصحيح لتعاليم الدين ، مجابهة لم نشهدها على هذا النحو الصريح من قبل، ومع ذلك فإن قراءة التجربة التاريخية تتيح لنا أن نفهم على نحو أفضل الجذور التاريخية ، لما نشهده راهنا، وما سنشهده في المستقبل القريب». وفي تقديمه للكتاب يقول الدكتور جابر عصفور: كتاب الصديق خالد زيادة «الكاتب والسلطان» يعرض لعدد من الموضوعات المهمة التي تكشف عن تفاصيل العلاقة المتوترة بين زوايا المثلث «الكاتب والسلطان والعامة» الذي لم يكف عن التغير والتبدل والتحول عبر تاريخنا الثقافي والسياسي والاجتماعي في آن، وتمضي هذه الفصول بين منعطفين تاريخيين، يخص أولهما مطلع القرن السادس عشر، ويرجع ثانيهما إلى بداية القرن التاسع عشر، وما تبع كلا المنعطفين من متغيرات، فضلا عما يندرجان فيه من سياق طويل من التغير والتحول الذي لم تفارق عملياته مؤثرات متعددة داخلية وخارجية. ويضيف الدكتور جابر عصفور: «بقدر ما يؤكد خالد زيادة في كتابه الذي يستحق القراءة المتأملة ،تحولات العلاقة بين أهل العلم، وأهل القلم من ناحية، وأهل السلطة الحاكمة من ناحية مقابلة، فإنه لا يتجاهل الوجه الآخر من العلاقة التي تصل الطرفين بالطرف الثالث المنطوي على حضور الجماهير، في صراعات القوة والسلطة المعروفة ما بين الفاعلين لها والمنفعلين بها». ويرى عصفور أن «أهم ما في الفصول الستة التي يضمها الكتاب، أنها تطرح من الأسئلة ما يدفع القراء إلى تحويل الإجابات إلى أسئلة موازية، تفتح للوعي التاريخي آفاقا واعدة بإمكاناتها الثرية، وهو ما حدث لي أثناء قراءة هذا الكتاب». خالد زيادة، ولد في طرابلس «لبنان 1952، حصل على إجازة بالفلسفة من الجامعة اللبنانية سنة 1977 وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون الثالثة» باريس 1980 وهو أستاذ جامعي، يشغل منذ 2007 منصب سفير لبنان في مصر والمندوب الدائم في جامعة الدول العربية.