ليس جديدا أو مفاجأة أو حتى كارثة أن يظهر فلول مبارك مرة أخرى ويطفوا على السطح بعدما كانوا معزولين منبوذين يعاملون كالكلاب الجربانة، وبعضهم كذلك، فقد حدثت مثل تلك التجارب السياسية فى الثورات الكبرى. فالبوربون اختلط مع إمبراطورية نابليون وتداخل آل رومانوف مع الحزب الشيوعى السوفييتى بقيادة مؤسسه لينين لكن الشعوب حسمتها. وفى مصر سيحسمها الشعب فهو الذى قاد معركته منذ تولى مرسى وجماعته الحكم. كان هناك من يساعد ومن يهيئ المناخ ومن يسرب ومن يخطط ويحفز وينبه ويفضح لتكون الحقيقة واضحة كاملة أمام الشعب ليقود معركته. وتعلم الشعب الدرس بعدما رأى وسمع وذاق. الشعب جاء ورأى وانتصر. وهو الآن يقود معركته المقدسة ولا يزال. هو من سيختار قائده فى المرحلة المقبلة ليسير وراءه. يحلم معه ويعمل معه ويكدح معه ولو مات يحاول أن لا يموت معه. مرارة وقسوة عام مضى جعلت الشعب يقفز لصدارة المشهد يزيح من يشاء ويُجلس على العرش من يشاء. انتهت تلك الأيام التى كان يفرض عليه حاكمه. الشعب هو من سيختار دستوره ونوابه وحاكمه وقائده. والجميع عليه أن يقف ويشاهد عبقرية اختياره. الشعب لا يخطئ أبدا وبوصلته دوما تتوقف على تردد قائده. موروث من الدولة القديمة التى أسسها مينا موحد القطرين. ففى آخر ستين عاما تعرضت الأمة إلى ثلاثة رؤساء ونصف. وأربعة مدارس فى الحكم. الحلم والخيال والواقعية والاستعمار. وهناك فرق شاسع ما بين الثلاث الأولى. الحلم هو الأمل هو المشروع القادر على تصور المستقبل، وهو طلب الممكن كله إذا وضعت الإرادة كلها فى خدمته، وذلك هو جوهر المشروع السياسى، وبالتالى فالحلم مشروع سياسى يحقق كل المقدور عليه فكرا وفعلا، إذا استعملت الإرادة كل وسائلها بقوة وذكاء. وهو نموذج جمال عبد الناصر. لذلك ظهرت نهضة غير عادية وروح ووطنية قومية طغت على المحيط العربى كله. أما الخيال فهو الجموح فى طلب المستحيل بصرف النظر عن حدود الطاقة الحالية والمحتملة للطالب، لأن الجموح إلى الخيال رغبة أقرب إلى الغريزة مستغنية عن الحساب، وهذا المشهد نوع من المقامرة خطرة وخطيرة العواقب على طالبها قبل غيره من الأطراف. وكان أنور السادات من تلك المدرسة. أما مدرسة الواقعية فكانت متمثلة تماما فى حسنى مبارك وكأنها مصنوعة من أجله أو كأنه خُلق من أجلها فهى مدرسة القبول بالمتاح والمسموح به كما هو ظاهر فى لحظة معينة واعتبار أن صورة هذه اللحظة هى الحقيقة الراهنة والدائمة وهى أبعد ما تكون عن السياسة، بل أقرب ما تكون إلى الوظيفة بحدودها. فالسياسة فن الممكن وتصوغ مطالبها مهما كانت صعبة وبعيدة والواقعية تنفذ لوائحها كارهة لها وسعيدة. والنوع الأخير فى الحكم كانت مدرسة الاستعمار التى تستنزف قوت الشعوب وتستحل خيراتها وكنوزها لتكون ثروات بمساعدة قوى خارجية تطمع هى الأخرى باقتسام الغنائم وتنفيذ خطط لتحقيق أهداف تماما كما كان الاستعمار الإنجليزى، وهو ما يمثله مرسى وجماعته. والآن مصر عند مفترق طرق. الكل يظن أنه يمكن أن يجذبها ناحيته ما دام يستطيع التنسيق مع مخابرات دول غربية يظن أنها تستطيع أن تجلسه على عرش مصر كما فعلت مع مرسى، وهو ظن عبد المنعم أبو الفتوح الصديق القديم للمخابرات الأمريكية ويلتف حوله أصدقاء وعملاء لمخابرات عربية وغربية كألمانيا وإنجلترا وأمريكا بالطبع. الإخوان ما زال عندهم أمل أن يعقدوا الصفقات ويرسلوا نفس الرسائل إلى الخارج وهى أننا ما زلنا مسيطرين على الشارع. وسيركزون كل طاقاتهم على الحشد ضد التصويت على الدستور سيجمعون الناس بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة بالترغيب والترهيب بالمال بالزيت بالسكر بالدواء والعلاج المجانى بالدين وبالجنة والنار. بأى شىء وبأى ثمن وأى وسيلة، المهم أن لا يحظى الدستور الجديد بتأييد نسبة كبيرة من الناس. الإخوان هم الخطر على الدستور وعلى الانتخابات وليس السلفيين. «النور» وإخوته وقاداته ومتعاطفوه لا يتحركون إلا بإشارة وتوجيه من السعودية التى تدعمهم ماليا ومخابراتيا ومعنويا لا يستطيعون أن يتخذوا خطوة واحدة دون أمر وتوجيه من المخابرات السعودية. لا خطر من السلفيين ما دام الوفاق المصرى السعودى على ما يرام كما هو الآن. الخطر من الإخوان الأمريكان الذى يمثلهم بِشر وسلطان، الاثنان قضوا أكثر من عشر سنوات هناك، وهم جيل مختلف فى طريقة التفكير والتنفيذ ومعهم عبد الله الحداد الابن الأصغر لعصام الحداد ومن خلفهم التنظيم الدولى بأمواله ونفوذه وصفقاته. كل تلك الجيوش تقف فى مواجهة الشعب ويظنون أنهم بإمكانهم الانتصار عليه. هنا ستظهر قوة الشعب الكاسحة المفرطة. هو الذى سيقود معركة الاستفتاء على الدستور بأعداد لن يتوقعها أحد وسيقر الدستور بنسبة تفوق الوصف، كما أنه سيفاجئ الجميع باختيار نوابه. وفى آخر الرحلة سيبهر العالم وكل السياسيين والمحللين والمتخصصين فى اختيار القائد العام عبد الفتاح السيسى رئيسًا له فى تلك السنوات الصعبة القادمة. طريقة الشعب فى اختيار رئيسه ستكون مفاجأة لأنه لا يرى إلا هو. واقع فى غرامه. غرام من نوع فريد جعلهم ينفذون كل طلباته، لأنه من مدرسة الحلم التى كان يتبعها عبد الناصر الأمل والمشروع القادر على تصور المستقبل. فى الأيام القادمة ستطفو الحرب الخفية على السطح. حرب المصالح والتكتلات كلها، كلها سيحسمها الشعب مهما كان حجم القوة والمال الشعب سيقضى على الجميع وسيحسمها لمن يريد.