فى مثل هذه الأيام قبل 12 شهرا كنا فى قلب عام الجمر الإخوانى الأشد بشاعة والأفدح ثقلا فى كل مراحل تاريخنا المعاصر والحديث، وبينما لون السواد الغطيس يصبغ صورة نهارنا وليالينا وقد شاع الألم والإحباط والقنوط فى أوساط خلق الله آنذاك.. وبينما نحن على هذه الحال التى كانت تسر العدو وتبهجه وتثير الأسى والحزن فى صدور الأحبة، حلت ذكرى حرب أكتوبر المجيدة فإذا بالمأساة تتحول إلى مسخرة فاقعة تستعصى على الوصف، إذ أتحفتنا عصابة «إخوان الشياطين» وقتها بحفنة مشاهد مفرطة فى الهزل وبدت مختلسة من عرض كوميدى هابط وردىء جدا، ومع ذلك لا بد أن نعترف أنها خففت قليلا من وطأة الهم والغم الراقد على صدورنا آنذاك وانتزعت من ثغورنا بسمات وبعض قهقهات عالية ربما كانت بطعم المر أو أمرّ من النواح والبكاء، لكنها أنعشت الأمل فى نفوس بعضنا أن فرصة الموت من الضحك (بدل الموت من القرف) ما زالت قائمة ولم تضع ولا تبددت تماما!! وبعد.. فإن نسينا لن ننسى أبدا من وقائع هذه المسخرة التاريخية مشهدين بالذات أظنهما اختصرا ببلاغة معنى غربة جماعة الشر عن مصر وشعبها وتاريخهما، وأنها مجرد عصابة حاولت فى غفلة من الزمن «نشل» وطن لا تعرفه ولا تشعر بالانتماء إلى شعبه وعلاقتها به لا تتجاوز علاقة حرامى الغسيل بأهل البيت الذى تسلق مواسيره وهو يمنى نفسه بغنيمة بائسة تناسب ذكاءه المحدود ومواهبه المعدومة ومهاراته التى تبدأ وتنتهى بقص «حبل غسيل» من طرفيه ولملمة ملابس وأسمال السكان الغلابة المنشورة عليه، والهروب بها من على المواسير أيضا.. ثم لا شىء ولا حاجة تانية أبدا خالص البتة!! وأعود لمشهدى الكوميديا السوداء، وأولهما منظر الأخ مرسى جماعة الشر و«ذراعها» الرئاسية التعبانة وهو يمتطى سيارة مكشوفة راح يصول بها ويتسكع فى جنبات أرض ملعب استاد ناصر الذى كانت مدرجاته تئن لحظتها وتكاد تنطق بالجزع والوجع من أهل وعشيرة الإجرام وقطعان القتلة والإرهابيين العواجيز الهاربين من وجه العدالة الذين جلبوا جميعا وجرى حشدهم وترصيصهم فى هذا المكان لكى يكذبوا على الناس والمولى تعالى ويتصنعوا الاحتفال بذكرى حرب خاضها المصريون وجيشهم، بينما كان أغلب هؤلاء المحتشدين مدفونين فى مغاراتهم المظلمة يناجون ويلاعبون الشياطين الزرق!! يومها شاهد أهل مصر على شاشات التلفزة هذا الرجل «الذراع» وهو يبتسم ببلاهة ويلوح لقطعان عصابته ويضرب الهواء بكلتا يديه، وبدا وهو يهز منكبيه ويعوجهما ويلتفت بعصبية ذات اليمين وذات اليسار كأنه مجنون هرب للتو من سراية المجاذيب، حيث لم تفلح جلسات العلاج بالصدمات الكهربائية فى إبراء عقله «الفسافيسى» من أضاليل وهلوسات صورت له أنه جنرال تركه جنوده تائها يهيم على وجهه فى الفيافى، أيام الحروب النابليونية!! فأما المشهد الثانى فلم يكن أقل بلاغة تعبيرية من الأول، بل لعله تفوق عليه وحلّق أبعد وأعلى فى سماوات المسخرة، فقد ظهر واحد من قادة العصابة على إحدى شاشات التلفزة وأخذ يحكى قصة خرافية ملخصها أنه كان نطعا فتيا يوم قيام حرب السادس من أكتوبر الموافق العاشر من رمضان، ومع ذلك ففى اللحظة التى بثت فيها وسائل الإعلام قبل عصر هذا اليوم خبر البيان الحربى الأول كان النطع وصديق له يتغديان ويطفحان السم الهارى معا، لكنه لما تأكد من صحة الخبر وأصبح على يقين من أن جنودنا عبروا فعلا قناة السويس فعل كما يفعل، المسلمون الملتزمون فقام وصلى ركعتين شكرًا لله وتجاهل أنه وصديقه مفطران فى واحد من أيام شهر الصيام عند أتباع دين الإسلام!! كل عام أنتم بخير.. والحمد لله على النجاة.