على طريقة إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة، أو أبوت وكوستيللو يقابلان فرانكنشتين أفكر فى كتابة رواية أو فيلم سينمائى عنوانه: وحيد حامد يقابل النطع. فى هذا الفيلم يمكن أن أحكى عن مصر، وما حدث لها من بعد حرب أكتوبر، ويمكننى أن أعرض للمشاهدين كل صور التخريب التى قام بها الصحراويون فى قلب وعقل مصر، كما أستطيع أن أنقل مشاهد عن الناس المستورين الذين تحولوا إلى متسولين يطلبون اللقمة الذليلة من سادة الصحراء. ويمكن للرواية أيضاً أن تتطرق إلى القرار المصرى الذى صار مرهوناً برضاء أهل الصحارى والقفار، والحقوق المصرية الضائعة تحت نعال أصحاب الزفت والقطران، والقانون الذى يتعطل إذا كان أحد أصحاب الفيافى والفلوات طرفاً فى القضية! قفزت فكرة السيناريو السابق إلى ذهنى بعد أن شاهدت تحفة وحيد حامد ويسرى نصر الله السينمائية الجديدة «إحكى يا شهر زاد»، واستمتعت بالغزل والنسج والتضفير السينمائى الرومانسى الهامس، حتى وهو يتناول أحداث القتل والغدر والخيانة والفساد. الفيلم يقدم منى زكى فى أجمل أدوارها على الإطلاق، والذين انتقدوها وأطلقوا فيها ألسنتهم هم الجهلاء الذين استمدوا فكرهم وثقافتهم من تعاليم أبىجهل وأبى لهب. يتناول الفيلم أربع قصص لأربع نساء إحداهن هى المذيعة نفسها التى تقدم حكاياتهن على الشاشة، ثم تصبح هى بعد ذلك بطلة لقصة لا تختلف عن قصصهن التى تفضح الرجال الأشاوس فى وطن فاسد ساسته فاسدون ونخبته انتهازية، وهم يملأون المجتمع جوراً وغدراً ونذالة. قدم الفيلم نماذج تمثل طبقات المجتمع.. فهناك الشخصية التى جسدتها سوسن بدر لفتاة مثقفة من الطبقة المتوسطة تحلم برجل عادى فى مجتمع عز فيه الرجال العاديون، وتصل بها حساسيتها وذكاؤها ومنطقها البسيط إلى مصحة الأمراض النفسية! وهناك الشقيقات الثلاث ساكنات الحى العشوائى اللاتى يتم تداولهن على يد عامل أجير فى الدكان المملوك لهن، وقد قدمت الأدوار الفنانات رحاب الجمل وناهد السباعى ونسرين أمين.. وحكايتهن تذكرنا برائعة يوسف إدريس «بيت من لحم» عندما كان الشيخ الكفيف يعاشر الأم والفتيات الثلاث على أساس أنه ليس على الأعمى حرج.. أما بطل وحيد حامد فكان مبصراً ومع هذا فإنه لم يبصر الهاوية التى اندفع إليها عندما أقام علاقة مع الشقيقات الثلاث بعد أن وعدهن بالزواج! النموذج الثالث كان الفتاة الأرستقراطية ابنة الحسب والنسب التى تعمل طبيبة أسنان، وقامت بالدور الفنانة المغربية سناء عكرود فى أول أدوارها بمصر، وفى الفيلم تقع بين براثن رجل سياسة محترف وصياد ثروات يسعى لابتزاز النساء وسلبهن أموالهن، وقدم الدور باقتدار الفنان محمود حميدة، وهو نموذج شديد الصدق لرجال السياسة الذين نعرفهم ونلمس آثارهم ونرى بصماتهم فى مسرح كل جريمة يرتكبونها فى حق الوطن. ورابعة النساء بالفيلم هى بطلته المذيعة التى جسدتها منى زكى وصراعها مع الزوج الذى جسّده الفنان حسن الرداد الذى يحلم باختياره ضمن رؤساء التحرير الجدد، ويرى أن موضوعات حلقاتها التليفزيونية تسبب له حرجاً مع المسؤولين، الأمر الذى يجعلها توافق على تقديم حلقات إنسانية خالية من السياسة من أجل خاطره.. لكن المشكلة تكمن فى أن الأنطاع لا يرضون عن الجيد والأصيل من الأعمال أيًا كان توجهها.. سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا، ولا يرضيهم سوى التافه والسخيف والباعث على القرف الذى يتفق مع أذواقهم الشخصية وفكرهم الضحل، فيتم استبعاد الزوج من المنصب رغم إجادته الرقص، لأن هناك من يرقصون أفضل ويملكون عقولاً خاوية فى نفس الوقت! استمتاعى بالفيلم جعلنى أدرك لماذا يكره بعض رجال البادية غلاظ القلوب الكبير جداً- رغم أنوفهم جميعاً- وحيد حامد، وعرفت أن حقدهم الدفين عليه يرجع إلى أن كل أموال زفتهم وقطرانهم لم تستطع أن تصنع مبدعاً رفيع المستوى فى قامته أو فى نصف قامته، ذلك أن تربتهم المالحة لا ينبت بها سوى الشوك والصبار، وأنهم إذا ما أرادوا أن يذوقوا طعم الحياة بفنونها وبهجتها وأفراحها فإنهم يشدون الرحال إلى الخارج.. أما فى الداخل فلا يوجد سوى الجدب والجهامة والموت الأسود. أقول هذا لأننى علمت أن الفنان العظيم وحيد حامد قد قابل مصادفة أحد الأنطاع، وأن هذا النطع قد تطاول على كاتبنا الكبير، ولم يدرك أنه بفعلته الشائنة يتطاول على الجمال والصدق والتفوق والموهبة، أو ربما كان يعرف ويقصد ما فعل عن غل وعدوانية تليق بنطع كبير. أستاذ وحيد: هل توافق على أن أشرع فى كتابة قصة عنوانها «وحيد حامد يقابل النطع» أروى فيها قصة تغلغل الأنطاع وتسيدهم داخل بلدنا وشرائهم ذمم وضمائر أناس لم يكن يخطر على البال أن يتلوثوا؟ لقد كتب نزار قبانى عما حاق بمصر منذ بضعة عقود فقال: من ينبى المتنبى أن كافوراً فكك الأهراما.. وأن عبداً أسوداً قد باع التراما. فهل يتعين أن أخبر المتنبى بالمصيبة الجديدة وأقول: من ينبى المتنبى أن نطعاً بليداً أحمقاً قد تطاول على عمه وسيده وتاج راسه.. الكبير وحيد حامد؟