زاد الجدل حول الرئيس القادم، وبدأ موسم التكهن والترشيحات؟ فما بين محبى الفريق السيسى، وهم كُثُر بالمناسبة، ومعهم الحق أن يجدوا فيه المنقذ، بعد تجربة حكم الإخوان، والمخاوف التى ملأت القلوب من ديمومتها! وبين المتلمعين من سقْط الانتخابات الماضية، ومنهم من يحاول أن يجدد الطلة، بوجه جديد إى نعم، ولكن ليس أقل بَهتَانا وبُهتانا، فتجدهم يختلقون أحداثا ومواقف لمجرد الإعلان عن وجودهم! فى السيسى يرى الناس صورة مُحدَثة من عبد الناصر، حيث لا يدخر الرجل وُسْعًا فى تقديم ما افتقدوه من أمن وتحدى وكرامة وطنية، أشياء اعتقد الناس فنائها مع توالى حكم الإخوان بعد مبارك. لم يعلن الفريق السيسى نية الترشح، ولا يربط قيامه بدوره الوطنى، بوجوده فى مقعد الرئاسة. بل أعلن أن العمل من أجل كرامة مصر وشعبها، ليس له علاقة بأى منصب. ونحن على ثقة بأن تفانى الرجل فى حماية ودعم إرادة الشعب، لم ولن يتأثر بموقعه، ولا يجب أن نوحى للناس بغير ذلك. أكد السيسى عمليا أن الدور الوطنى للجيش لا يرتبط بمن فى السلطة، بل هو عقيدة مقدسة لدى مؤسستنا العسكرية. ذلك ما نبتغيه اليوم، الحيلولة دون تداخل مؤسسات الدولة، أو هيمنة إحداها على الأخرى، وأن لا ترتبط إرادة ومصالح القوى المختلفة إلا مع مصالح الشعب. ويظل الجيش حاميا للإرادة الوطنية، حائلا دون تغول مؤسسة الحكم، حائط الصد لأية محاولة للخروج على الدستور. هل نريد أكثر من ذلك فى تلك اللحظة المفصلية من مسيرة الوطن والثورة؟ من ناحية أخرى لم يعد هناك مكان لمرشحى الانتخابات الماضية، والتى أعقب فشلهم فيها، التحاق وتطبيل (معظمهم) إما لمبارك، أو للإخوان. ناهيك بأنهم لم يقدموا شيئا حقيقيا للوطن والثورة، إلا الكلام الأجوف والمواقف «المتحولة»، أضف تلاشيهم فى الأزمات، ومزايداتهم اللا معقولة الآن سعيًا لأى ضجيج. ماذا نريد من الرئيس القادم؟ لا يجب أن تُخلَط الأوراق، لسنا فى مرحلة انتقالية! من اليوم ولفترة رئاسية قادمة (على الأقل)، نحن فى «مرحلة تأسيسية» مرحلة وضع الدستور والتأكيد على حكمه. مرحلة تأسيس دولة سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وسيادة الأمة، والتأكيد على أن شرعية الحاكم لا تستقيم إلا بخضوعه للدستور، والرضا الشعبى. مرحلة مراجعة تشريعاتنا، والتأكيد على تعزيزها للحقوق والحريات، وتفعيل آليات العدالة والمساواة، حتى تصير ممارسة وثقافة. هى مرحلة سهر مؤسسات الدولة على تحقيق أهداف الثورة، وإصلاح أحوال الناس. وتحول صفوف المواطنين فى الشوارع إلى مشاركة فعالة، من خلال مؤسسات مدنية دينامية تعمل وسط الناس وتعبر عن مطالبهم. هل يصعب تحقيق ذلك؟ هل يمكن لمرحلة تأسيسية أن تشهد تحولا حقيقيا ينقل ثورة الشعب إلى ميادين العمل والإنتاج؟ لا نريد رئيسا يَشرْع فى إحكام قبضته، ممهدا لتربعه على كرسى العرش لعقود قادمة، لا نريد رئيسا يعيد أمجاد من سبقوه فى الاستئثار بالسلطة وتوسيع الصلاحيات، وإحكام القبض على مفاصل الدولة، بشلته أو عشيرته، والتدلى للاستبداد. ما نحتاجه هو، رئيس يعمل على تحويل مبادئ ومواد الدستور إلى واقع، نحتاج إلى برلمان يعبر بصدق عن الناس، حكومة إصلاح وإنجاز، مؤسسات مجتمع مدنى ديمقراطية وشعبية، أحزاب وجمعيات ونقابات، تستوعب الحراك الجماهيرى وتعبر عن الناس، شعب يمارس حقوقه، ويطالب بها، ويحميها. إذا كان الرئيس فى ثقافتنا وخبرتنا هو محور إنجاز كل شىء، فنحن نحتاج لرئيس يكون هو المفعل لكل ما سبق. مفعل لمحور العدالة والمساواة فى دولتنا، يدعمهم ويحميهم، لندعمه نحن ونحميه. نريد رئيسا يؤمن بالشعب والإرادة الوطنية، رجل دولة عادلا حكيما، يعمل ولا يهتم إلا بالإنجاز. رئيسا يرانا بوضوح، يحترمنا بصدق، يؤمن بحقوقنا وحرياتنا ويسهر عليها. من لديه مرشح يفى بالغرض؟ سيُفتح المنصب قريبا، المريدون والحالمون كُثُر، ولكن نعلم جميعا ندرة من يصلُح! لن أخفيكم أننى كنت أواجه نفس الأزمة فى الانتخابات السابقة، واضطررت لأن أختار من بين 13 مرشحا أرفضهم، فحاولت أن أتفزلك وأبحث بينهم عن «رجل دولة»! لكن بتنا اليوم ندرك جميعا أنه، لم يعد هناك مجال للمواءمات أو الحلول الوسط على حساب المصلحة الوطنية. رجل الدولة الذى نحتاج إليه، هو من يؤمن حقا بحكم الدستور، يُفعل سيف العدالة على الجميع، يعيد الحق والكرامة للفقراء والمهمشين، ويسهر على تخليص دروب الدولة من آليات ورجال الفساد. من نرشح لرئاسة مصر لفترة 4 سنوات قادمة تؤسس لدولة سيادة القانون والشعب، ننتقل بعدها لفترات حكم لا نخشى فيها بطش حاكم أو فوضى محكومين؟ رئيس مصر القادم لم يُطرح اسمه بعد، وهذا ليس تقليلا من شأن أى مرشح سمّى نفسه أو سماه الناس، كلهم وطنيون، ولكن لكلٍّ قدر ودور وميعاد!