الرئيس السودانى يقطع الإنترنت.. وقواته تقتل 60 شخصا.. والاحتجاجات العارمة تصيب الخرطوم بالشلل «أتحدى لو فى زول سمع بالهوت دوج قبل الإنقاذ»، كلمات قالها الرئيس السودانى عمر البشير فى أحد تصريحاته العنترية عقب رفع الدعم عن المحروقات والوقود استباقا للتظاهرات، ولكنه لم يكن يدرى أنها ستكون سببا فى إشعال غضب الشارع، الذى شعر أن الرئيس المنتمى فكريا لجماعة الإخوان المسلمين تقمص فى تلك التصريحات شخصية العقيد المقتول القذافى، أو حتى إخوانه فى مصر ومقولات المعزول محمد مرسى المأثورة.. ويبدو أن البشير مثله مثل كل الزعماء العرب، فبات «جنونه» يعميه عن مصائر المستبدين العرب السابقين، وأصر على أن يتبع آلياتهم ويسير على نفس دربهم.. وصلت الاحتجاجات التى أطلقتها المعارضة السودانية وحركات شبابية عديدة أبرزها حركة «أبينا» الرافضة لرفع الدعم عن الوقود، إلى يومها الرابع على التوالى، وبدلا من أن يستمع إليها البشير نفذ نفس سيناريو أقرانه وإخوانه واستمر فى استخدام القمع الدموى. وأبرز آليات القمع تلك كانت قطع الإنترنت فى العاصمة السودانية الخرطوم، فى محاولة منه لقطع وسائل التواصل بين النشطاء والمشاركين فى الاحتجاجات، من أجل منعهم من المشاركة فى الاحتجاجات والتنسيق فى ما بينهم، فى خطوة ثانية خطيرة عقب تعليق الدراسة فى المدارس والجماعات لأجل غير مسمى لحرمان الطلبة من أى فرصة للتجمع، كما قالت مصادر إن السلطات عطلت شبكة الإنترنت فى جميع أرجاء السودان، بعد أن بدأ النشطاء يتبادلون صور الاحتجاجات من خلال مواقع التواصل الاجتماعى.. ولكن ما صدم السلطات السودانية أن التظاهرات خرجت أكبر مما كانت عليه فى الأيام الثلاثة الأولى، وطرقت مدنا جديدة، أبرزها مدينة «بورت سودان» التى تحوى الميناء الوحيد والحيوى للسودان، بالإضافة إلى خروج الاحتجاجات للمرة الأولى من مدينة «عطبرة» التاريخية الهامة. كما أثار هذا كله غضب الشارع، الذى بات يصب جام غضبه على مقرات حزب «المؤتمر الوطنى» الحاكم للبلاد، حيث أحرقت مقرا جديدا فى جنوبالخرطوم. وأصابت تلك الاحتجاجات العارمة العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان بحالة من الشلل، حيث أغلقت المحال التجارية، وتوقفت حركة المواصلات العامة، فى ما وصفته وكالات أنباء أنه أشبه ب«إضراب عام، وعصيان مدنى» شامل فى المدينتين. واندلعت تلك التظاهرات، حسب وكالات أنباء، بصورة عفوية، صباح أمس الخميس وأول من أمس الأربعاء فى عدد كبير من أحياء الخرطوم، والبعض منها قريب من وسط العاصمة، وردد المتظاهرون الذين شكل الطلاب القسم الأكبر منهم «حرية، حرية» والشعار المعتاد لاحتجاجات الربيع العربى «الشعب يريد إسقاط النظام»، كما أغلق المتظاهرون الطريق الرئيسى المؤدى إلى مطار الخرطوم الدولى، وهو ما أدى إلى توقف رحلات الطيران بصورة جزئية. كما حاصر مجموعات من المتظاهرين مدينة «ود مدنى» عاصمة ولاية الجزيرة مبنى التليفزيون السودانى، الذى اتهموه ببث ونشر الأكاذيب عنهم، وشركة الكهرباء، وهو ما جعل قوات الأمن تفتح النار عليهم لتفريق تلك الاحتجاجات.. ونقلت شبكة «سكاى نيوز» عن رئيس الهيئة السودانية للدفاع عن الحريات فاروق محمد إبراهيم قوله إن خروج المظاهرات إلى أماكن خارج العاصمة الخرطوم يغير من أوراق اللعبة، قائلا «فى حال استمرت حشود المواطنين فى النزول إلى الشوارع، لا سيما مع مواصلة قوات الأمن قمع المتظاهرين، ومع استبعاد عودة الهدوء قريبا، يصل بالأمور لمرحلة صعبة، ستستدعى تدخل الجيش والشرطة، وأعتقد أنهما سينحازان للشعب». ولكن الأزمة أنه فى المقابل لجأت قوات الشرطة إلى استخدام العنف الدموى والمميت، وأطلقت على المتظاهرين قنابل الغاز والخرطوش، وأظهرت مقاطع فيديو نشرها نشطاء سودانيون إطلاق قوات الأمن الرصاص الحى، مما أوقع حتى الآن نحو 60 قتيلا بين المحتجين، حسب وكالة أنباء «الأناضول» التركية.. كما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مصدر فى الإسعاف السودانى تأكيده وصول جثث العشرات من المحتجين، وقال مصدر طبى إنه وصلت 27 جثة إلى مستشفى أم درمان فقط، وهو ما أكده أسامة مرتضى مدير المستشفى ذاته، مشيرا إلى أن جميع من قُتلوا كانوا بالرصاص الحى، علاوة على إصابة 60 آخرين جميعهم نتيجة إصابتهم بالرصاص الحى فى الرأس والبطن والصدر والأطراف. بالإضافة إلى وجود عمليات قتل أخرى فى الخرطوم وود مدنى ونيالا وبورت سودان وعطبرة ودارفور، حيث تخرج الاحتجاجات بكثافة كبيرة. ومن جانبها، كان رد الفعل الرسمى من الحكومة السودانية، قولها إنها ستتخذ ما وصفته ب«إجراءات حاسمة لتفلتات المتظاهرين». وقال أحمد بلال، وزير الإعلام المتحدث الرسمى باسم الحكومة، فى تصريحات لوسائل إعلام محلية إن هناك توجيهات قد صدرت للقوات المسلحة بحماية المنشآت الحكومية العامة ومحطات الوقود، ومواجهة أى أعمال تخريبية. وقال أيضا، قال أمين التعبئة السياسية فى حزب المؤتمر الوطنى الحاكم قطب المهدى إن «هذه التظاهرات كانت متوقعة، الشرطة التى تلقت أوامر مسبقة بالتعامل سلميا مع المتظاهرين اضطرت إلى التدخل بعدما وقعت محاولات شغب وتخريب لمنشآت الدولة».