كثيرون يرون أنه لاحدود يقف عندها النفاق الفاحش الذي تبديه نخب ومؤسسات الحكم في بعض عواصم بلدان الغرب الأوروبي خصوصا هؤلاء الذين مازالوا يعيشون في أوهام تاريخهم الاستعماري والإمبريالي الغابر وحالك السواد ، ويظنون أنهم مازالوا في وضع يسمح لهم بالسطو على إرادة الشعوب وإذلالها وإجبارها على خيارات مسمومة أو العيش تحت حكم عصابات فاشية مجرمة كل ميزتها أنها تساير مراميهم وأهدافهم الخبيثة فحسب ، متجاهلين حقيقة أن عواصمهم لم تعد كما كانت في الأزمان الغابرة مركزا للدنيا بعدما تحللت واندحرت الإمبراطوريات الاستعمارية الشاسعة التي أقامها أجدادهم قبل قرون على أشلاء أوطان ومجتمعات إنسانية شتى وهائلة ، كما أن أمراض العنجهية الفارغة تبدو مانعا قويا من تحلي أغلب حكومات أوروبا الغربية بشئ من التواضع يناسب حالتهم الواقعية الراهنة باعتبارهم مجرد ذيول وتوابع (لاتخل من أناقة) لسيد المنظومة الإمبريالية المعاصرة ، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية. هذا هو ملخص ما يراه ويقوله عدد كبير من الناس الآن تعليقا على مظاهر الفحش والقبح التي تميز مواقف العديد من العواصم الأوروبية تجاه مصر دولة ومجتمعا وشعبا توحد تماما بكل مكوناته وثراء تنوعه في رفض ومقاومة ودحر المشروع الفاشي الفاشل ذو الملامح الطائفية البغيضة الذي حاولت جماعة الإخوان المجرمين وحلفائها من قدامى الأرهابيين والقتلة إقامته فوق صدر هذا البلد المتحضر عظيم القدر والشأن. والحق أنني لا أختلف في شئ مع من يقول بهذا الكلام في وصف دوافع وأسباب هذا الموقف الحقير المرتبك الذي يبديه هؤلاء الغربيون عموما والأوربيون منهم بالذات تجاه الشعب المصري وثورته الهائلة العارمة ضد جماعة الشر الإرهابية الفاشية السرية ، وهو موقف بلغ حدا مدهشا من الشذوذ والقرف بحيث صار القول بأن أصحابه البؤساء يظهرون وكأنهم غاصوا في الوحل وانخرطوا فعليا في تحالف وثيق ومفضوح مع عصابات "بن لادن" الإرهابية وقطعان "تنظيم القاعدة" ، قول يبدو برئا ومنزها من أية مبالغة ، ولايجافي حقائق الواقع وشواهده المادية. ومع ذلك أشعر بأن تفسير وإرجاع دوافع الموقف بعض الأوروبيين الراهن الذي لايخفي العداء السافر لحق شعبنا في التقدم والتحرر من الإجرام والإرهاب والتأخر والفاشية ، إلى أوهام وركام العنجهية الباقي من عصور الاستعمار الغابر .. هذا التفسير رغم كونه حقيقيا وصحيحا تماما ، إلا أنه ناقص ويصمت عن دافع آخر ربما هو الذي يصبغ سلوك الغربيون عموما تجاه الواضع الحالي في مصر بملامح لاتخل من بذاءة ولامعقولية ، وأقصد الدافع العنصري والنظرة الدونية لشعوبنا ومجتمعاتنا واعتبارها غير مستحقة للنظم والقواعد المعمول بها في بلدانهم هم بما فيها تلك الأصول والقواعد والضوابط القانونية والدستورية التي تهذب وترشد آليات الديمقراطية وتمنع أن تتوسل بها جماعات سرية فاشية وإجرامية لكي تلحق الأذى بالمجتمع والدولة وتقوض أسس الديموقراطية نفسها وتسحق أرقى مبادئها وقيمها العليا .. باختصار فأنهم في بلادهم يحظرون الأحزاب الفاشية والنازية ، لكنهم عندنا يريدون تركعينا وإجبارنا على السماح بوصول عصابات التكفير والقتل والإرهاب إلى السلطة ، و"التصالح" والتسامح مع جرائمهم البشعة الرهيبة!! أنها العنصرية في أقبح وأوسخ تجلياتها. *** وبمناسبة خزعبلات "المصالحة" مع القتلة والمخربين التي يهرتل بها حاليا قطيع تافه هو خليط من نصابين وبلهاء غلابة جدا في عقولهم وضمائرهم ، فقد وصلني من المهندس سميح ساويرس تعليق مقتضب لكنه محكم ، على ما يردده بعض هؤلاء المهرتلون من حجج بائسة وتعبانة لتسويغ دعواتهم لمصالحة العصابة والاستسلام أمام إرهابها وجرائمها .. يسعدني أن أنشره نصا: .. قرأت مقالا لواحد من الكتاب يبرر فيه موقفه الداعي للمصالحة والتفاوض مع جماعة الإخوان برغم كل ما ارتكبت وفعلت في البلد ، وقد استعان الكاتب بأمثلة لمفاوضات أنهت صراعات عديدة مع منظمات وجماعات مسلحة لم يفلح معها ماسماه "القمع رغم مرور سنين وأنفاق مليارات"!! هذا الكاتب نسى أو تناسى حقيقة مهمة جدا هي أن كل هذه المنظمات التي استعملت العنف والإرهاب بدأت بقناعه أنها سوف تنتصر وأنها قادره علي ذلك ، وهي لم تجلس للتفاوض إلا عندما يأست من نجاح العمل المسلح بسبب للضربات الموجعة التي تلقتها ومرور وقت طويل دون أن تحقق أي انتصار يذكر!!! لم يلاحظ الكاتب ولم يدرك أن "الإخوان" اليوم ليسوا في الوضع نفسه الذي أجبر التنظيمات الكردية المسلحة وحركات الكفاح المسلح الأيرلندية (مع الفارق الكبير بين هذه الحركات وتنظيم الإخوان من حيث مشروعية الأهداف) على ترك الإرهاب والدخول والقبول بالتفاوض والتوصل لتسويات سلمية. والواقع أن دعوات المصالحة مع هذه الجماعة هي مجرد أوهام ولا يبدو أنها ستجد عند قادتها أذانا صاغية ، لأن الشواهد كلها تقول أنهم مازالوا يعيشون في أوهام أن الغرب سوف يعيد محمد مرسي إلى السلطة ، كما أنهم مقتنعون بأن العنف والترويع والتقتيل وقطع الطرق ومحاولة بث الفتنة في المجتمع بحرق الكنائس ، كل ذلك سوف يجعلهم ينتصرون على شعب مصر ودولته ، وبالتالي فهم لن يقبلون أي دعوة للانخراط في العملية السياسية حسب الأصول والقواعده إلاعندما يفيقوا من كل هذه الأحلام والأوهام .. فما جدوى الكلام اليوم عن المصالحة والتفاوض؟!!! مهندس/ سميح ساويرس