شدَّد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على أنَّه "يجب التمييز بين رسالة الإسلام النبيلة التي تتمثل في الرحمة والسلام وبين المغالطات والممارسات والجرائم التي ظهرت من المتطرفين والإرهابيين الذين يشوهون تعاليم الإسلام السمحة أمام العالمين". وقال علام - خلال لقاء تلفزيوني مع القناة الرابعة البريطانية، حسب بيانٍ صادرٍ عن دار الإفتاء، اليوم السبت: :"تنظيم داعش الإرهابي - الذي لا يعد دولة ولا أفعاله الإجرامية تعد أفعالًا إسلامية - لايجب أنَّه نستخدم أبدًا تسمية الدولة الإسلامية للإشارة إلى هذا التنظيم الإرهابي؛ لأنَّ ما يقوم به هو وأمثاله من الجماعات المتطرفة تتعارض كليًّا مع الجوهر الحقيقي للرسالة المحمدية من خلال ذبحهم الأبرياء وحرقهم المدارس وسبيهم النساء واضطهادهم الأقليات الدينية وترويعهم المجتمع بأكمله وانتهاكهم حقوق الإنسان بصورة صارخة". وأضاف: "الإسلام تصدَّى للإرهاب ولكل أشكال العنف وإشاعة الفوضى، والانحراف الفكري، وكل عمل يقوِّض الأمن ويروع الآمنين، فجميعها وإن تعدَّدت صورها تشيع في المجتمع الرعب والخوف وترويع الآمنين فيه، وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة، التي يسودها الأمن والأمان والسلم الاجتماعي". وتابع: "الإسلام لا يبحث أبدًا عن الصدام والتعارض، بل أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنَّ الاختلاف ليس مدعاة أبدًا للفرقة والاختلاف بل هو أدعى للتعارف والتقارب والتحاور، يقول تعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". واستطرد: "العالم بحاجة ماسة إلى تعزيز ثقافة الحوار والتعايش في عالم رفعت فيه الحواجز والحدود، وينطلق من الاعتراف بالهويات والخصوصيات، ويبقي على الاحترام ولا يسعى إلى تأجيج الكراهية أو السيطرة على الآخر، واحترام التعددية الدينية وتنوع الثقافات".
وأوضح المفتي: "المطلوب تحقيقه من المنظور الديني الإسلامي الصحيح هو تقبل الآخر واحترامه واكتشاف النقاط المشتركة فيما بينهم حتى يتحقق التعاون والعمل سويًّا من أجل عمارة هذا الكون".
ومضى يقول: "علينا أن نعمل سويًّا من أجل التصدي للقضايا الشائكة التي تشغل بال الناس في يومنا هذا مع السعي الجاد في السبل التي نجحنا من خلالها على مر التاريخ في العيش والتعاون معًا بسلام في توافق وتسامح لقرون عدة، ودار الإفتاء تحرص دائمًا على نشر صحيح الدين، حيث إنَّ ذلك هو السبيل الوحيد لضمان العيش في وئام مع النفس وتعايش مع الآخر مؤسس على السلام والحب اللذين هما أساس الأديان جميعًا".
وحول ما إذا كان هناك تأثير للشريعة والمفاهيم الإسلامية في المفاهيم الغربية، قال مفتي الجمهورية: "التأثير جليٌّ وواضح على مر التاريخ، فالقانون الفرنسي يتفق مع الفقه المالكي في كثير من نصوصه، والبقية تتفق مع المذاهب الأخرى، وكان للسنهوري تجربة رائدة في المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الفرنسي، وكذلك الأمر في مختلف العلوم حيث استفاد الغرب من علماء الإسلام في مجالات عدة مثل الفلك والرياضيات والطب والعلوم وعلم الاجتماع، فضلًا عن كثير من العادات التي انتقلت إليهم باحتكاكهم للعرب والمسلمين".
وبشأن مزاعم أنَّ الشريعة الإسلامية غير صالحة للعصر الحالي بعد مرور أكثر من 1400 سنة، أكَّد المفتي: "الشريعة الإسلامية تمتلك من عوامل المرونة ما يجعل أحكامها تساير كل مستجدات العصر وتستوعب كل قضايا الإنسان في مختلف الأزمة والأمكنة، ولذا دعا الإسلام إلى الاجتهاد في استنباط الأحكام المناسبة اعتمادًا على القواعد العامة التي قررها".
وأضاف: "لكل عصر مستجداته ومشكلاته ولابد من اجتهاد جديد يعالج مشكلات العصر الذي نعيش فيه، والفقهاء الأعلام تَرَكُوا لنا ثروة كبيرة ينبغي أن نستفيد من مناهجنا ولا نقف عند مسائلها". أمَّا عن المثلية الجنسية وموقف الإسلام منها، فأجاب المفتي: "الأديان السماوية جميعها رافضة لمسألة المثلية الجنسية باعتبار ذلك خروجًا عن القيم الدينية الراسخة عبر تاريخ الأديان كافة". وتابع: "دار الإفتاء تبذل ولا تزال الكثير من الجهود من أجل مواجهة التطرف والإرهاب، حيث أنشأت – منذ أواخر عام 2013 وحتى قبل ظهور داعش - وحدةً لرصد الفتاوى التكفيرية ودحضها، حيث ترصد هذه الوحدة ما يقرب من 183 موقعًا مختلفًا لدحض ما ينشر عليها من فتاوى تكفيرية". استعرض المفتي آليات مواجهة "داعش" عبر استخدام وسائل التواصل الحديثة على الإنترنت، ومنها صفحة "داعش تحت المجهر" والتي تختص بمواجهة رسائل وفتاوى داعش، ومجلة "Insight" التي يتم من خلالها دحض ما يرد في مجلة "دابق" التي تصدرها داعش، وكذلك موقع دار الإفتاء الإلكتروني الذي يبث بعشر لغات، فضلًا عن تطبيق إلكتروني للفتوى من خلال الهواتف الذكية والذي تمَّ إطلاقه مؤخرًا لتيسير الوصول لأبرز الفتاوى الموجودة في أرشيف دار الإفتاء.