تقدم وزير الدفاع بطلب للشعب لكى يتظاهر لمنحه تفويضًا بالتعامل مع الإرهاب. مع هذا الطلب تعالت أصوات الحرب الأهلية مرة أخرى، بين المنذرين بوقوعها، والمؤكدين أنها حدثت بالفعل على مستوى مصغَّر. ينذر المنذرون، ويؤكد المؤكدون، وهمًا لم يحدث.. وأشك كثيرًا فى احتمالية حدوثه. والتبس الأمر الآن بين مصطلحات كالعنف، الإرهاب، الاقتتال الأهلى، الحرب الأهلية، كل هذه المصطلحات لها معناها الذى تدلّ عليه. فعندما نسمى اعتداءات مسلحة متكررة من اعتصام النهضة كمثال على سكان بين السرايات والمنيل، يقع فيها كثير من الشهداء من المواطنين، على أنها حرب أهلية مصغرة بدلا من أن تسمى باسمها وهو اعتداءات مسلحة، يتوجب على الشرطة حسب القانون، إلقاء القبض على منفذى تلك الاعتداءات والمشاركين فيها وفض اعتصامهم لأنه قائم على إرهاب المواطنين بقوة السلاح وفرض النفوذ. يؤدى بنا هذا إلى إصدار أحكام وتحليلات خاطئة فنخطئ فى الفعل الذى يتوجب علينا فعله. تعريف الحرب الأهلية للمرة الثانية: هى حرب تقوم بين طوائف الشعب المختلفة، للسيطرة على مقاليد السلطة فى الوطن، تستلزم دعمًا دوليًّا ومباركة دولية للطرفين كما يحدث فى سوريا الآن وكما حدث فى الصومال ولبنان والبوسنة والهرسك وكوسوفو، إلخ. فالحرب الأهلية تستوجب أن يكون هناك فصائل مسلحة من مختلف أطياف الشعب، تقوم بالاقتتال فى ما بينها على أساس عرقى، طائفى، مذهبى، دينى، تستوجب وجود دولة مفككة، وسلطة ضعيفة، ولا مركزية للدولة. إن أسقطنا ما سبق على وضعنا الراهن فى مصر سنجد التالى: 1- الدولة المركزية المصرية هى أقدم دولة مركزية فى التاريخ، ما زالت محتفظة بنفس حدودها مع اختلافات طفيفة، منذ أن وحّد مينا القطرين قبل آلاف السنين. ما أهمية مركزية الدولة فى حالة الحرب الأهلية؟ لكى تحدث الحرب الأهلية، لا بد أن يحصل تفكُّك فى بناء الدولة، وأن تفقد الدولة سيطرتها على مؤسساتها، من صحة وقضاء وشرطة وجيش. لكى تحدث الحرب، لا بد من وجود انشقاقات داخل تلك المؤسسات، ولا بد من انفضاض شعبى من حول تلك المؤسسات، وهو ما لم يحدث إلا فى الثامن والعشرين من يناير 2011. 2- لا بد من وجود تسليح كافٍ لدى أطراف تلك الحرب، وإن حدث اختلال فى ميزان تسليح الأطراف -وهو الطبيعى لصالح الجيش- فلا بد من وجود دعم شعبى ليحلّ محل التسليح الناقص. فى حالتنا الآن، الدعم الشعبى الساحق يصبّ فى مصلحة الدولة الآن، لا الإسلاميين الذين تناقصت شعبيتهم بضراوة خلال عام من حكم مرسى، ولم يتبقَّ لهم إلا قواعد تتناقص تدريجيًّا من رقم خمسة الملايين الذين صوتوا لمرسى فى الجولة الأولى. هذا الدعم الشعبى لصالح الجيش هو ما سنشاهده اليوم فى المظاهرات التى طلب وزير الدفاع نزولها لإعطائه تفويضًا بالتعامل، فى رسالة موجهة إلى الغرب تمهيدًا لما ينتويه الجيش (أملا لتعقيد المسألة، ووجود عقل مدبر جديد للجيش، أن يكون فض اعتصام رابعة من ضمن الجدول). فى حالتنا الراهنة، حتى السلاح الذى يمتلكه الإسلاميون لا يمكّنُهُم من الاستمرار فى حرب حقيقية (مستمرة) مع الجيش المصرى أكثر من أسبوع واحد، سينتهى بشلالات من دماء الإسلاميين للأسف. وسيكون المقابل من الإسلاميين اشتباكات كالتى حدثت فى النهضة أو التى تحدث فى سيناء، بتصعيد قوى ضد المواطنين الذين سيُعتبرون فى نظر الإسلاميين خانوا المشروع الإسلامى. فنحن نتحدث عن ضربات إرهابية لترويع المواطنين، وعقابهم على تخلِّيهم عن مرسى والمشروع الإسلامى، قد تصل إلى اغتيالات مفتوحة لعدد كبير من الشخصيات. 3- لا بد من وجود دعم دولى حقيقى وشبه متوازن لأطراف لعبة الحرب الأهلية، وهو المستحيل حدوثه فى هذه اللحظة، فالإسلاميون هزموا تمامًا فى الموجة الأخيرة للثورة فى الثلاثين من يونيو، وانسحب عنهم الدعم الدولى، والمتبقى من هذا الدعم سيفْتُرُ تمامًا ويتوقف. هنا ستظهر مشكلة التسليح بشكل واضح، ولن يكفى الدعم القطرى أو غيره لتسليح الإسلاميين بأى شكل، وسيتم الاعتماد بشكل أكبر على أموال التنظيمات الدولية الإسلامية، لتهريب السلاح من الحدود الجنوبية لمصر مع السودان، كما هى عادتهم. وفى حالة الرهان على أموال التنظيم الدولى، سنجد أنها مستنزَفة بشكل كامل من الحرب السورية، وعلى غير استعداد لتمويل حرب بهذه التكلفة فى مصر. الحديث الآن عن حرب أهلية، هو حديث الهلع/الخوف، الذى ما زال يتصدر المشهد بضراوة، ويجعلنا نخطئ فى أحكامنا، وأفعالنا، ويجعلنا نسلم بالأمر الواقع، وأننا نحتاج إلى حماية من الأشرار الذين يودون أن يقذفوا بالوطن فى أتون الحرب الأهلية. ما يحدث الآن هو هلع من جميع الأطراف، وعدم إدراك تامّ لأن الإسلاميين تَعوَّدوا القمع، وأن ذلك القمع هو الأكسيجين بالنسبة إليهم، وهو الذى يجعلهم أكثر قوة بانتشار أدبيات الاستشهاد وبكائيات الظلم وغربة الإسلام فى وطنه، وأنهم جماعة مختارة من الله، يكرههم الجميع لأنهم أحباب الله، والباقى أعداء الله. نحُّاو الخوف والهلع جانبًا، وتطلعوا إلى الصورة كاملة... يرحمنا ويرحمكم الله.