فبعد67 عاما من الاستقلال يتحدث اللبنانيون الآن ضرورة تسليح جيشهم الذي اعتمد بشكل كبير في السابق علي المساعدات العسكرية واستعدادهم للمشاركة في تحويل عملية التسليح وهو ما ينهي عمليا نظرية قوة لبنان في ضعفه التي سادت لفترة طويلة بعد الاستقلال لصالح سلاح الميلشيات التي أنتجت حربا أهلية(1975 1990) أخذت من عمر الاستقلال15 عاما, والتي أدت أيضا إلي جود السلاح الفلسطيني في غياب الحماية للاجئين في المخيمات لعدم تكرار مجازر صبرا وشاتيلا, وكذلك إلي وجود المقاومة المسلحة لعدم وجود جيش وطني بإمكانات وقدرات تمكنه من التصدي للعدوان الإسرائيلي المستمر. لكن ماذا بعد اتخاذ القرار؟ في مقابل مخاوف البعض من أن يكون تسليح الجيش عنوانا جذابا لتكريس معادلة الشعب والجيش والمقاومة للدفاع عن لبنان المرفوضة من جانبه بوصفها بوابة لاستمرار سلاح المقاومة وحزب الله, من المفترض أن يتحرك لبنان في هذا الملف تحت عنوان رئيسي هو وضع خطة لتسليح الجيش كلف سليمان الحكومة برئاسة سعد الحريري وضعها, وتحت هذا العنوان, عنوانان فرعيان هما التمويل, وبدء اتصالات مع الدول الشقيقة والصديقة التي هي علي استعداد لتسليح الجيش. فعلي صعيد وضع الخطة, فإن المسألة تأخذ بعض الوقت وربما تكون مؤجلة إلي حين حسم الجدل في ضوء تلك المخاوف إلي جلسة الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية المقرر عقدها في شهر أكتوبر المقبل, بعدما لم تنجز الجلسة التي عقدت في شهر أغسطس الماضي خطوة في الاتجاه التنتفيذي لقرار الرئيس. وعلي صعيد التمويل, فهناك صادرات رسمية وشعبية في هذا الاتجاه لتخفيف الأعباء عن ميزانية الدولة منها فتح حساب بنكي لتلقي التبرعات, وطرح اكتتاب شعبي, وفرض ضريبة علي الأرباح من المضاربات العقارية, وتقليص بعض بنود الموازنة. وفي هذا الصدد أبدي المواطنون تجاوبا لجهة تقديم تبرعات, واتصل رؤساء الجاليات اللبنانية بالخارج بالرئاسة معربين عن رغبة المغتربين في المشاركة وتحويل أموال لصالح هذا المشروع الوطني. لكن مصادر لبنانية أعربت عن مخاوفها ل الأهرام من تصعيد الولاياتالمتحدة بضغط من إسرائيل ضد هذا التحرك لدرجة وضع هذه التحويلات تحت الرقابة بحجة أنها قد تذهب بالنهاية إلي دعم سلاح المقاومة وحزب الله الذي تعتبره أمريكا وإسرائيل منظمة إرهابية!! السلاح الإيراني أما علي صعيد الاتصالات بالدول الشقيقة والصديقة, فلن تبدأ هذه الاتصالات قبل إقرار الحكومة خطة التسليح, ويبدو أن القوي التي تتمسك بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة لن تترك هذه الفرصة تمر دون ممارسة الضغوط لجهة سرعة إقرار هذه الخطة التي تحظي بإجماع شعبي. وكان الملاحظ أنه من دون اتصالات أعربت إيران عن استعدادها لتسليح الجيش اللبناني ورحبت دوائر رسمية وسياسية للموقف الإيراني. ولا يستبعد المراقبون أن يكون هذا الموضوع مطروحا في مباحثات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في لبنان خلال زيارته المرتقبة بعد عيد الفطر المبارك, كما لا يستبعد المراقبون أن يعلن نجاد مبادرة عملية وخطوة تنفيذية في هذا الاتجاه خلال الزيارة كهدية رمزية تحمل رسائل إلي أطراف دولية وإقليمية. ويري المراقبون أن خطوة من هذا النوع قد تشكل ضغطا علي الحكومة لجهة للإسراع بإعداد خطة التسليح من ناحية, وعلاج تباطؤ بعض الدول الشقيقة والصديقة في التجاوب مع دعوة الرئيس سليمان من ناحية أخري, في ضوء أخذ هذه الدول في الاعتبار مواقف حلفائها في لبنان ممن يتحفظون علي تسليح الجيش. المبادرات الشعبية: يشهد لبنان هذه الأونة عقد سلسلة من المنتديات للحوار والنقاش حول قضية تسليح الجيش الوطني, وبعض المنظمات غير الحكومية مثل تجمع اللجان والروابط الشعبية أطلقت حملة لدعم تسليح الجيش تشهد بدورها اطلاق مبادرات وأفكار ومقترحات في هذا الصدد أغلبها يتعامل مع مسألتي تحفظات بعض الأطراف في الداخل, وكيفية التمويل والتعامل مع رفض بعض الأطراف في الخارج لتسليح الجيش لاسيما بعدما أعلن السيناتور جون ماكين المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة رفضه تسليح الجيش اللبناني خشية انتقال السلاح إلي يد المقاومة وحزب الله. ويقول الوزير السابق بشارة مرهج ان فتح حوار وطني واسع حول هذا الملف أمر لابد منه بعد أن بدأه موقف الجيش الجريء والشجاع بالتصدي للعدوان الإسرائيلي علي بلدة العدية الجنوبية في الثالث من أغسطس الماضي, والذي بات لهذا السبب بالتعامل علي العدوان والنتائج يوما تاريخيا في تاريخ لبنان وجيشه اقتضي اتخاذ الرئيس سليمان قراره التاريخي بالعمل علي توفير السلاح اللازم للجيش لتمكينه من القيام بواجباته الدفاعية عن لبنان التي يمليها عليه واجبه الوطني وشرفه العسكري وعقيدته القتالية. وينتقد مرهج بعض الأطراف السياسية التي طالما زخر خطابها السياسي بالحديث عن ضرورة دعم الشرعية اللبنانية والجيش, ثم تتحفظ للآن عندما بدا أن هناك قرارا واجماعا وخطة لدعم وتسليح الجيش؟! ويفسر ذلك بأن تلك الأطراف تريد الجيش سندا لأهدافها أو أداة لخدمة أغراضها, كما انتقد مواقف الأطراف الدولية التي تقف ضد تدعيم الجيش لمصلحة إسرائيل, وبدعوي عدم تعرض لبنان للخطر والتهديد أو لاجراءات قاسية, مشيرا في هذا الصدد إلي نصيحة السفير الأمريكي في بيروت للرئيس الراحل شارل حلو عام1968 بعدم مقاومة العدوان الإسرائيلي علي مطار بيروت لأن الأسطول الحربي الإسرائيلي سيصوب مدافعه نحو القصر الجمهوري, كما يشير إلي الوعود بعدم ضرب لبنان وبرغم ذلك يتعرض لبنان لعدوان إسرائيل المتكرر والمستمر. ويضيف أن كل الأطراف التي كانت تطالب الجيش ببسط سيطرة الدولة علي جميع أراضي لبنان تتراجع الآن عن مواقفها عندما تصدي الجيش بالفعل في العديسة للعدوان في مظهر من مظاهر بسط سيادة الدولة, معتبرا أن مواقف هذه الأطراف تعرضت للانكشاف مجددا. وفي اطار التجاوب مع قرار الرئيس يطرح مرهج مقترحات لوضع القرار موضع التنفيذ أولها صدور قرار من مجلس الوزراء بتبني قرار الرئيس يتلوه قرار آخر بقبول الهبات والتبرعات, وثالث بفتح حساب في مصرفي لبنان لاسباغ الشرعية علي العملية, كون مجلس الوزراء هو الجهة الوحيدة التي يحق لها اصدار قرار بقبول التبرعات, وفتح حساب مصرفي لهذا الغرض. ويضيف مرهج ضمن مقترحاته في تشكيل الحكومة صندوق خاص لدعم وتسليح الجيش, ودرس خطة متكاملة لاعادة النظر في النفقات الجارية في ضوء قرار بالتقشف وتخصيص الموارد الناجمة لصالح صندوق تسليح الجيش, وسن قانون بفرض ضريبة محددة خاصة لصالح التسليح باسم ضريبة الجيش علي رواد المطاعم والفنادق والأندية والملاهي, والمسافرين عبر الموانئ الجوية والبحرية. ويدعو مرهج إلي عقد لقاء وطني موسع برعاية الرئيس بالقصر الجمهوري يقر خلاله ميثاق وطني لدعم الجيش وتسليحه. وعلي صعيد التحرك الخارجي يقترح مرهج في مواجهة الاعتراضات الخارجية تقديم وزارة الخارجية مذكرة إلي كل الأوساط والمؤسسات الدولية لتوضيح أسباب لجوء لبنان إلي تسليح جيشه, علي أن يكلف رئيس الجمهورية مبعوثين بالتوجه إلي جميع الدول الشقيقة والصديقة لشرح موقف لبنان ودعوتها للمساهمة, ودعوة لبنان إلي عقد اجتماع مجلس دفاع عربي مشترك لاتخاذ القرارات اللازمة التي تسهم في دعم خطة لبنان لتسليح جيشه, وتكليف البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الدول التي تتحفظ علي تسليح الجش بالتحرك للدفاع عن حق لبنان السيادي في تسليح جيشه, والتواصل مع جميع الهيئات العربية لإطلاق حملة عربية اقليمية ودولية, وتنظيم يوم لبنان في العواصم العربية وتشكيل لجان في كل بلد عربي لهذا الغرض. الوضع الحالي للجيش اللبناني يقول وزير الدفاع السابق عبدالرحيم مراد ل الأهرام أن الجيش اللبناني لايستطيع وحده أن يواجه إسرائيل في حرب نظامية, مضيفا: أنني كوزير دفاع سابق مطلع علي الامكانات المتوافرة لدي الجيش واحتياجاته أستطيع القول بصراحة وبدون أن نضحك علي أنفسنا أن سلاح الجيش حاليا لايكفي لحفظ للأمن الداخلي أو لصد عدوان إسرائيلي. ويؤكد وزير الدفاع السابق: نحن لانستطيع في أي حرب نظامية أن ندافع عن أنفسنا ضد أي عدوان بالجيش فقط.. وهذا الوضع سوف يستمر اذا لم يتسلح الجيش بالامكانات اللازمة والكافية ويشير في هذا الصدد إلي طلب لبنان من روسيا في شهر فبراير الماضي تعديل هديتها للجيش اللبناني من طائرات ميج مقاتلة إلي هليكوبتر لأنه ليس لدي لبنان أموال لشراء قطع غيار ولايوجد طيارون أصلا في هذا النوع من الطائرات المقاتلة ولا هناجر ولا امكانات الصيانة.. وقد جاء طلب التعديل في اطار تأكيد الرئيس سليمان أن لبنان يواجه التهديدات بجيشه وشعبه ومقاومته. وحول خطة دعم الجيش وتسليحه في ضوء تحفظات بعض الأطراف يلفت مراد النظر إلي أن الحكومة لم تف حتي الآن بتعهداتها في بيانها الوزاري الذي حازت علي أساسه الثقة في مجلس النواب بشأن منح الجيش أولوية في الموازنة العامة للدولة لرفع مستوي استعداده للدفاع عن البلد.. وحتي المشروع الذي كانت قيادة الجيش قدمته في هذا الصدد إلي وزير الدفاع الحالي إلياس المر لم تتجاوب معه الحكومة السابقة بدعوي تكلفته الباهظة؟! ويشدد مراد علي أهمية دعم الجيش مشيرا إلي أنه مؤسسة تحظي باحترام وتقدير ومكانة لدي جميع اللبنانيين لأنه حافظ علي استقلال لبنان ولم يتورط يوما في النزاعات الطائفية والحروب الأهلية, كما رفضت قيادته أي مساعدات خارجية مشروطة بقصر مهامه علي حفظ الأمن الداخلي فقط كامتداد للشرطة وبتغيير عقيدته العسكرية التي تعتبر ان اسرائيل هي العدو. ويشير في هذا الصدد إلي أن طلاب الكليات العسكرية في مصر يدرسون ان العدوان علي مصر منذ فجر التاريخ يأتي من الشرق في ادراك لمفهوم وأولويات الأمن القومي المصري, بينما كان الوضع في لبنان هو أن العدو يأتي من الشرق سوريا وليس من الجنوب إسرائيل. ككل قضايا لبنان فإن مسألة تسليح الجيش الوطني ستكون محل مجال خلال الفترة القادمة بسبب النظام السياسي الطائفي أصل كل الخلافات في هذا البلد. وغدا: حزب الله.. في لحظة تخل منه أم عنه! يمثل فتح ملف تسليح الجيش اللبناني الآن نقطة نوعية في تاريخ لبنان ومؤسسته العسكرية سواء علي مستوي إعلان أغلب قطاعات الشعب تحملهم مسئولية تمويل عملية التسليح, أو علي مستوي اتخاذ الرئيس ميشال سليمان قرار تسليح الجيش بغض النظر حسب قوله عن موقف هذه الدولة أو تلك في ما بات يعزف ب تنويع مصادر السلاح والاعتماد علي كل صديق أو شقيق مستعد لمساعدة لبنان في حماية أرضه وسيادته الوطنية ردا علي إعلان بعض الدول منها الولاياتالمتحدة مخاوفها من أن يتسرب السلاح إلي المقاومة وحزب الله.