طلبت الخارجية الأمريكية من السلطات المصرية الإفراج عن الرئيس السابق محمد مرسى، وعلى نفس المنوال سارت الخارجية الألمانية، ثم صعَّدَت الخارجية الأمريكية من مطالبها بالدعوة إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين فى مصر مؤكدة أن الاعتقالات تتم على خلفية سياسية. وبهذا التصعيد بدأت جماعة الإخوان تراهن مجدَّدًا على دعم أمريكى من أجل تحقيق مكاسب محددة فى هذه المرحلة، فقد عادت الجماعة لتقف فى خندق واحد مع الإدارة الأمريكية، وهو ما كشف عنه تصريح عصام العريان الذى علَّق على طلب واشنطن الإفراج عن محمد مرسى بالقول إن «أمريكا تكفر عن ذنوبها» ،أى أنها تحاول العودة إلى موقف داعم للجماعة بعد أن أحجمت عن اتخاذ مثل هذا الموقف خلال ثورة الثلاثين من يونيو، فمن وجهة نظر العريان وجماعته أن واشنطن لم تتخذ الموقف المتوقع منها فى دعم مرسى والجماعة، والآن تعود لتكفر عن ذنوبها وتتخذ موقف داعم لمرسى والجماعة. وقد أدت هذه الإشادة من جانب العريان إلى تولُّد حالة شعورية لدى أنصار الجماعة تتطلع إلى دعم أمريكى لإعادة مرسى إلى منصب الرئيس وهو ما بدا واضحا فى استقبال المعتصمين فى رابعة العدوية لخبر تحرك سفن حربية أمريكية تجاه السواحل المصرية بالتهليل والتكبير والسجود شكرا لله فى مشهد لا يمكن أن يصدر عن شخص ينتمى إلى هذا البلد، فما جاء على لسان العريان وما صدر عن معتصمى رابعة إنما يؤكد وجود خلل شديد فى عقلية وطريقة تفكير هؤلاء البشر الذين لا مشكلة لديهم فى الاستعانة بقوى، يصفونها بأنها شيطانية، إمبريالية، غربية وصليبية أيضا فى قضايا داخلية. يسجدون لله شكرا على تحرك سفن حربية أمريكية باتجاه سواحل بلادنا، يحدث هذا بينما ترفض القوى المدنية بصفة عامة وفى كل الظروف والأحوال أى دور خارجى فى الشأن الداخلى، فمهما كانت خلافاتنا مع تيار الإسلام السياسى فإننا نؤمن ببلدنا مصر ونرى فى الاستقواء بأطراف خارجية خيانة للوطن، هذا مع ملاحظة أن قوى الإسلام سياسى عادة ما توجه تهمة الاستقواء بالخارج إلى القوى المدنية، وهو أمر غير صحيح بالمرة، إضافة إلى أن تجربة حكم الجماعة ورفاقها ومحمد مرسى كشفت مَن الطرف الذى يستقوى بالخارج، ليس هذا فحسب بل الطرف الذى لا يمانع حدوث تدخل خارجى -سياسى وعسكرى- فى مصر إذا كان ذلك يصب فى مصلحة الجماعة ورفاقها. المؤكَّد أن ما يحدث فى مصر هو شأن مصرى خالص لا مجال لدور خارجى فيه، جيش مصر وشعبها من قبله لا يمكن أن يقبل مثل هذا التدخل السافر فى الشأن الداخلى، ماذا تعرف واشنطن أو برلين عن جرائم الجماعة ومخالفات محمد مرسى حتى تطالب بالإفراج عنه؟ قلنا إن ما وقع فى مصر هو ثورة شعبية غير مسبوقة فى تاريخ دول العالم وتجاوزت من حيث المشاركة الشعبية ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقد اضطُرَّت واشنطن وغيرها من العواصمالغربية أن تحجم عن وصف ما جرى بالانقلاب العسكرى. هى ثورة شعبية حقيقية غير مسبوقة فى أى بقعة من العالم، والثورة لا بد أن تحاسب من كان يحكم على ما ارتكب من جرائم مهما كانت، وهناك اتهامات محددة موجهة إلى محمد مرسى وعدد من قيادات الجماعة والجماعات الشقيقة، منها التخابر مع جهات أجنبية (حمساوية ومن حزب الله) لاقتحام السجون وتهريب المساجين من قيادة الجماعة وعلى رأسهم محمد مرسى، إذن هناك جريمة الهروب من سجن وادى النطرون، وهناك جرائم قتل المتظاهرين السلميين والتحريض على قتلهم طوال عام حكم مرسى، وهناك جرائم أخرى ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى ارتكبها مرسى وجماعته. نشير هنا إلى أن مبارك تلقى حكما بالسجن المؤبد لقاء جريمة قتل المتظاهرين السلميين، وأعتقد أن مرسى ارتكب جرائم إضافية منها الهروب من سجن وادى النطرون إضافة إلى ما بدأ يتسرب من جرائم تندرج ضمن الخيانة العظمى للبلد. عموما القضاء المصرى هو الذى سوف يحدد موقف مرسى وكل الموقوفين من أركان نظامه، وهو سوف يحدد موقف كل منهم، من منهم برىء فيطلق سراحه ويعود مواطنًا طبيعيًّا فى المجتمع، ومن ارتكب جرائم، والجزاء العادل لقاء هذه الجرائم. لا مجال لضغوط خارجية فى هذه القضية ولا إمكانية لتدخل خارجى، وعلى من سجدوا لله شكرا وهلَّلوا وكبَّروا لدى سماع خبر تحرُّك قطع بحرية عسكرية أمريكية تجاه السواحل المصرية أن يقرؤوا تاريخ مصر أولا ويتأملوا ما سوف يكتب التاريخ عنهم عندما يسجِّل أحداث هذه المرحلة.