ما إن انتهى لقاء ممثلى جبهة الإنقاذ مع السيدة كاترين أشتون، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشؤون الأمنية والسياسة الخارجية، حتى بدأت جماعة الإخوان فى الهجوم على ممثلى الجبهة، متهمة إياهم بالاستقواء، فقد أكد أكثر من متحدث باسم الجماعة أن ما قامت به السيدة أشتون هو بمنزلة تدخل خارجى فى الشؤون الداخلية، وأن ممثلى جبهة الإنقاذ الذين التقوا أشتون إنما يستقوون بها وبالاتحاد الأوروبى فى خلافاتهم مع الجماعة. وفى تقديرى أن ما تقوله الجماعة هو كذب بواح لأكثر من سبب، نذكر منها أولا أن مسألة لقاء المسؤولين الأجانب الذين يزورون البلاد هى مسألة طبيعية، فعادة عندما يزور مسؤول أجنبى دولة ما تسير على طريق التحول الديمقراطى، يطلب لقاء ممثلى أحزاب المعارضة للوصول إلى تقييم حقيقى حول ما يجرى من ناحية وفتح قناة اتصال حتى إذا ما وصلت المعارضة إلى السلطة فى لحظة ما يكون هناك تقدير مسبق لرؤيتها، ويمكن تحقيق التواصل بعد ذلك لمصلحة الطرفين. ومنها ثانيا أن مسألة اللقاء مع المسؤولين الأجانب لم تكن محرمة لدى الجماعة أيام نظام مبارك، ففى ذلك الوقت كان نظام مبارك يتهم معارضيه ومن بينهم جماعة الإخوان بالاستقواء بالخارج عقب كل لقاء مع مسؤول أجنبى، وكانت وسائل إعلام نظام مبارك تشن هجوما شديدا على كل من يلتقى مسؤولا أجنبيا وكانت توجه إليه تهمة الاستقواء، وأحيانا تقفز إلى اتهامه بالخيانة والعمل ضد مصالح الوطن. فى ذلك الوقت كانت جماعة الإخوان لا تلتقى المسؤولين الأجانب فقط، بل كانت تذهب بانتظام إلى السفارة الأمريكية فى القاهرة، وكان قادة الجماعة يجرون الحوارات مع السفارة ومع كل مسؤول أمريكى يزور مصر، ومن خلال هذه اللقاءات تم الاتفاق على نقل الحوار إلى واشنطن وتحت مظلة مراكز بحثية لعبت فيها شخصيات مصرية دورا بارزا بتكليف من واشنطن مباشرة، وعبر هذه الحوارات قدمت الجماعة تعهدات لواشنطن بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل، وعدم المساس بأمن الدولة العبرية، وأيضا التوافق الكامل مع السياسة الأمريكية فى المنطقة. كان نظام مبارك على علم بهذه اللقاءات، وكان يحذر واشنطن من التعامل مع الجماعة، ويحذر الأخيرة من إجراء مثل هذه الاتصالات التى يعتبرها «خيانة للوطن». استثمرت الجماعة لقاءاتها مع المسؤولين الأمريكيين وقدمت من خلال اللقاءات تعهدات واضحة برعاية المصالح الأمريكية فى المنطقة، فكان الدور الأمريكى الضاغط على مبارك للتخلى عن السلطة ثم الدور فى الدفع باتجاه إجراء انتخابات برلمانية بسرعة، وبعدها أشيع عن دور أمريكى ضاغط على المجلس العسكرى لإعلان مرسى فائزا بمنصب الرئيس. وفى ما يخص الاستقواء، فالجماعة هى صاحب الاختصاص الأصيل فى الاستقواء بالخارج، ليس فقط فى ما يخص الاتصالات مع الجهات الأمريكية، بل فى التورط مباشرة فى أنشطة داعمة لمكونات الجماعة العابرة للحدود الوطنية، تقديم دعم لفروع الجماعة فى مناطق مختلفة، التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى والذى يصل إلى درجة التورط فى أنشطة معادية للأمن والاستقرار فى دول أخرى (خلية الإخوان التى تم ضبطها فى الإمارات العربية المتحدة) أيضا حصلت الجماعة على دعم مباشر من فروع لها خارج مصر، وصل إلى درجة الدعم العسكرى على النحو الذى سجله وزير الداخلية الأسبق مجمود وجدى فى شهادته حول ما جرى فى عملية اقتحام سجن وادى النطرون وتهريب معتقلى الجماعة ومن بينهم مرسى، حيث سجل مشاركة عناصر حركة حماس وحزب الله فى الهجوم على السجن، وهناك معلومات تشير إلى تورط عناصر حمساوية فى عمليات قتل المتظاهرين المصريين، إضافة إلى اتهامات موجهة إلى عناصر حمساوية بالضلوع فى جرائم قتل الجنود المصريين، حتى يطيح مرسى بالمشير والفريق، وجريمة خطف 7 جنود مصريين، وهناك تقديرات تشير إلى استدعاء الجماعة لعناصر من حماس لمواجهة المظاهرات ضد مرسى فى الثلاثين من يونيو الجارى. يحدث كل ذلك من الجماعة، ثم توجه تهمة الاستقواء إلى عدد من ممثلى جبهة الإنقاذ لمجرد الالتقاء مع مسؤول أوروبى يرغب فى التعرف على رؤية المعارضة ووجهات نظرها فى كل ما يجرى، وهى تهمة مثيرة للسخرية، فلا الاتحاد الأوروبى له دور فاعل فى توجيه الأحداث فى مصر، فهذا الدور قاصر على واشنطن التى تتحالف الجماعة معها، ولا جبهة الإنقاذ تستقوى بأحد، لأن قوتها تأتى من تبنيها مطالب غالبية الشعب المصرى وتعبيرها عن هذه المطالب، هذا إضافة إلى الإدراك التام فى الجبهة لتبلور قوى جديدة فى الشارع المصرى مثل «تمرد» تحظى بقبول عام، ولديها قدرة على توجيه الشارع، ومن لديه هذه القدرة لا يبحث عن استقواء بطرف خارجى.