كتب - محمد شرف الدين في خضم الأزمات المتلاحقة قد تتوه في الزحام قضايا مصيرية، ونكبات أكثر فجاعةً، فعندما تكون لقمة العيش وشربة المياه على المحك، ربما يصبح من سبيل الترف أن ينشغل البعض بقضايا سياسية، حتى لو كانت من الأهمية والخطورة بمكان مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فخلال ال3 أعوام الماضية بزغ ملف العلاقات المصرية - الإسرائيلية إلى الواجهة في عدة مناسبات، قبل أن يطويه النسيان في كل مرة، ويُدفن تحت ركام المشكلات الاقتصادية والأمنية، التي صار لا يخلو منها يوم واحد تقريبًا على أرض "أم الدنيا"، حيث تشرق علينا صباح كل يوم.. لكنها لا تغرب أبدًا. الخبر الجيد أن الرئيس قد نجح أخيرًا في إزالة هذا الركام - ولو لأيام معدودة - بحديثه "الدافىء" عن "السلام الدافىء" مع إسرائيل، ما يجعل من الواجب على كل من يعيش تحت سماء هذا البلد، أن يطرح تساؤلًا هامًا حول طبيعة العلاقات بين القاهرة وتل أبيب خلال ال3 سنوات الماضية "خير إن شاء الله؟". هذا السؤال الذي يُتوقع ألا يلقى ردًا أو اهتمامًا حتى من القيادة السياسية المصرية، كعادتها دائمًا عندما يتعلق الأمر بهذه "العلاقات الشائكة"، التي وصفها جاكي حوجي، محلل الشؤون العربية بإذاعة الجيش الإسرائيلي، في 16 أغسطس الماضي ب«العشق الممنوع»، فعلى سبيل المثال - لا الحصر - لم ينبس مسؤول مصري واحد ببنت شفة حيال تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، الذي زعم خلال ندوة بمدينة بئر السبع، في 6 فبراير الماضي، بأن مصر أغرقت الأنفاق الحدودية مع قطاع غزة بمياه البحر بناءً على طلب من إسرائيل! وإذا حاولت التقاط طرف الخيط لتطورات هذا الملف خلال الأعوام الأخيرة، ربما أمسكت يداك بحديث لصحيفة معاريف العبرية في 25 ديسمبر 2013 عن "ضغوط تمارسها إسرائيل على الكونجرس من أجل استئناف إرسال المساعدات الأمريكية لمصر". العديد من التقارير الصحفية الواردة من تل أبيب وواشنطن خلال هذه الفترة، تناولت ما أسمته بدعم اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة بقيادة «AIPAC» للنظام المصري، في مواجهة موقف إدارة أوباما المتعنت بشأن المساعدات، حيث استغل هذا اللوبي نفوذه لدى أعضاء الكونجرس ومسؤولي البنتاجون من أجل إيقاف تجميد المساعدات - بحسب التقارير - وهو ما جرى بالفعل في وقت لاحق. يقودنا هذا إلى السؤال الجوهري الأهم والذي قد تكون إجابته كاشفة "هل تتقرب القيادة المصرية لإسرائيل بالفعل من أجل كسب دعمها لدى دوائر صناعة القرار الأمريكي؟". إذا كانت الإجابة "نعم"، فسيمكننا بسهولة في هذه الحال قراءة جميع مظاهر "العلاقات الحميمة" بين القاهرة وتل أبيب خلال السنوات الأخيرة - كما وصفها "جاكي حوجي" أيضًا - فقد نستطيع عندها تفسير الموقف المصري القريب من إسرائيل خلال حرب غزة 2014، بحسب اعتقاد الإسرائيليين أنفسهم، والذي تجلى في المقولة الشهيرة ل"تسفي برئيل"، المحلل السياسي بصحيفة "هآرتس" العبرية، عندما عبر حينها عن اعتقاده ب "أن القاهرة باتت أقرب لإسرائيل منها لحركة حماس، وأصبحت أقرب للقمر منها لحي الشجاعية في غزة". كما بإمكاننا فهم الدوافع الكامنة خلف تصويت الدولة المصرية لصالح إسرائيل بالأمم المتحدة، في نهاية أكتوبر الماضي، لأول مرة منذ نشأة الدولة العبرية في 14 مايو 1948، أو استقبال السفير الإسرائيلي بالقاهرة لأول مرة منذ عام 2011، وإعادة السفير المصري لتل أبيب لأول مرة منذ عام 2012، بالإضافة إلى ترتيب الدولة لأول زيارة لبابا الإسكندرية للقدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي "عودة ترابين". كل ذلك علاوةً على حديث السيسي المتكرر عن العلاقات بين مصر وإسرائيل، والتي صارت تحظى ب"الأمان والثقة المتبادلة بين الطرفين"، على حد قوله شخصيًا في حوار مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 12 مارس 2015، وهو ما توجه أمس بحث الإسرائيليين على "تدفئة" السلام بين البلدين، عبر إعطاء الفلسطينيين "الأمل" في إقامة دولة. يأتي هذا فيما لا تكف الدوائر السياسية والإعلامية المؤيدة والمتزلفة للسلطة في مصر - بجرأة تُحسد عليها في الواقع - طيلة ال3 أعوام الماضية، عن الحديث حول "المؤامرة الكونية الأمريكوصهيونية" لإسقاط البلاد، فمن نصدق إذًا؟ الرئيس أم كاشفي المؤامرات؟ الكثير من الأسئلة الحائرة التي تبحث عن إجابة، ربما ليس من أهمها حاليًا السؤال حول هوية الجهة المنفذة لقصف عناصر جهادية بمنطقة العجرة بسيناء في 9 أغسطس 2013، والذي رد عليه وقتها المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية بأنه يجري تمشيط المنطقة لتحديد مصدر القصف، والذي نسبته وكالات أنباء عالمية مثل رويترز وأسوشيتد برس لإسرائيل. بالطبع لم يُفصح أحد حتى الآن عن نتيجة "التمشيط"، ولكن هذا لم يعد مهًما، لقد نسينا - أو تناسينا - الأمر، أو ربما سقط بالتقادم بعد مرور نحو 3 سنوات، ما يهمنا الآن هو أن نستغل هذه الفرصة كي ندعو وزارة الخارجية المصرية لتخصيص القليل من وقتها الثمين، للتصدي ولو لبعض "المزاعم" التي ترد من إسرائيل طوال الوقت، حول "العلاقات الحميمة" أو "العشق الممنوع" أو "الأنفاق الغارقة". وإذا زجرنا البعض بأنه لا يُعقل أن ترد الوزارة على كل ما يرد بشأن مصر، على ألسنة المسؤولين أو الإعلاميين الإسرائيليين، فسنكتفي بالإشارة إلى معارك وزير الخارجية "البطولية" ضد ميكروفون قناة الجزيرة.