تنتشر مصارف المياه في ربوع محافظة القليوبية تنهش في صحة المواطنين وتفتك بهم بلا هوادة ولا شفقة وتحولت إلى كابوس مرعب يطارد سكان العديد من مناطق المحافظة، التي أصبحت مصبًا لمياه المجاري ومكانًا لتجمع الحيوانات النافقة والقمامة مما أدى إلى انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الحشرات الضارة والأمراض. "البلبيسي" من أخطر مصارف المحافظة، يمتد من الطريق الدائري من المرج مرورًا بالقلج وعرب العيايدة وسرياقوس والجبل الأصفر وأبو زعبل، وتحول إلى مصدر رئيسي للتلوث يبث سمومه، بعد أن أصبح منفذًا لرمي القمامة ومخلفات مجازر الدواجن والمصانع مما تسبب في انتشار الأمراض بتلك المناطق ووجود أسراب من الناموس والذباب تهاجم المواطنين وتنغص حياتهم، خاصة في فصل الصيف. قال وائل الدخاخني، أحد أهالي قرية عرب العيايدة، إن الأهالي يأسوا من تكرار الشكوى والمخاطبات التي أرسلوها إلى الجهات المسئولة ولم يتحرك أحد وما زالت المشكلة قائمة وكل ما يسمعونه أن ردم المصرف وتغطيته يحتاج إلى ملايين الجنيهات "ومفيش ميزانيات". وأضاف الدخاخني أنه في بعض القرى المصرف يشطر الكتلة السكنية إلى نصفين مما استوجب إنشاء معديات لعبور الأهالي والطلاب إلى مدارسهم لا يتعدي عرضها مترًا واحدًا، ودون أسوار عالية، عفى عليها الزمن، وتآكلت بسبب الأملاح والأبخرة مما يهدد حياة الأطفال والمواطنين بالخطر. وكشف قيام بعض الأشخاص بمنطقة الجبل الأصفر بعمل فتحات بالمصرف لإقامة مزراع سمكية لتربية سمك "الحيتان" المعروف ب "القراميط"، وبيعها للمواطنين بمناطق أخرى أو للمطاعم والمحلات في المحافظات متفرقة، بجانب ري الأراضي الزراعية في المنطقة بمياه الصرف الصحي الأمر الذي ينذر بكارثة. يأتي مصرف "بحر البقر" في المرتبة الثانية بعد "البلبيسي"، ويمر بالعديد من القرى والعزب التابعة للمحافظة منها: سنهرة، منصورة نامول، مشتهر، كفر العرب، كفر فرسيس، كفر الحمام، كفر عطا لله وشبرا هارس وغيرها، حتى حدود قرية الصنفين، التابعة لمحافظة الشرقية، ويهدد حياة ما يزيد عن 80 ألف نسمة تقطن بالقرب من هذا "الثعبان الأسود"، الذي يعد مصدرًا رئيسيًا للتلوث والأمراض بعد أن أصبح المصب الرئيسي لمياه الصرف الصحي الخام والصرف الزراعي والأسمدة والمبيدات وشبكات الصرف الصحى مباشرة دون معالجة. وذكر وائل محمد، أحد أهالي قرية كفر عطا لله ببنها: "بيوتنا معرضة للخطر بسبب ارتفاع نسبة المياة الجوفية والأملاح بشكل كبير مما يؤدي إلى تآكل المباني، خاصة المنازل القريب من المصرف بالإضافة إلى تأكل أدوات السباكة وتغيرها كل فترة وفساد الأجهزة الكهربائية وتأكلها". وأوضح محمد: "المصرف يتسع وتزيد مساحته يومًا عن الآخر، ولا توجد أسوار تحمي الأطفال أو سقوط السيارات به" مؤكدًا أن المشكلة تتفاقم خاصة في فصل الصيف، نظرًا لانتشار الناموس والباعوض بأحجام غريبة. ونوه إلى قيام الكثير من الأهالي بشراء جراكن المياه بسبب اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي والكثير من الأهالي للأسف لا يقدرون على شراء المياه مما يضطرهم لاستخدام مياه المنازل لتلبية احتياجاتهم اليومية. لا تختلف ترعة الإسماعيلية المعروفة ب "جسر البحر"، أسفل الطريق الدائري بشبرا الخيمة وقليوب، عن سابقيها فهي تمثل كارثة صحية وقنابل بيئية وبؤر تلوث ومصادر للأوبئة والأمراض وخاصة بعد أن تحولت مصدر لإلقاء مياه الصرف الصحي التي تلقيها جرارات "الكسح" بسبب غياب خدمة الصرف الصحي في كثير من المناطق إلى جانب أنها تخترق الكتل السكنية وتحول حياة السكان المقيمين بجوارها إلى جحيم. قال مجدي محمود، أحد الأهالي، إن خطورة الترعة ازدادت بعد إلقاء مصانع ومسابك لمخلفاتها بها، التي حولتها إلى منابع للمواد الضارة والسامة، نتيجة وجود المواد الكيميائية والعناصر القاتلة، خاصة أن تلال القمامة وجثث الحيوانات النافقة تطفو على مياهها وتتفاعل معها حتى أصبحت مصدرًا للتلوث وبيئة خصبة لنمو كل ما هو خطر على صحة الإنسان. وفي قرية سندنهور، التابعة لمركز بنها بمحافظة القليوبية، يوجد كابوس مرعب يسمى ب "المصرف العمومي"، يمر أمام عشرات المنازل والمدارس ويعد مصدرًا رئيسيًا للتلوث والأمراض بعد أن أصبح المصب الرئيسي لمياه الصرف الصحي الخام والصرف الزراعي والأسمدة والمبيدات وشبكات الصرف الصحي مباشرة دون معالجة. وتسائل أحمد عاطف، أحد سكان القرية: "لماذا لا تغطي الحكومة هذا المصرف مهما كانت التكلفة؟ وما ذنب الأهالي ليمر هذا المصرف من أراضيها وأمام مدارس ابناءها ويحاصر الآلاف بأوبئته القاتلة؟". وذكر عاطف: :لم نحقق أي فائدة من وجود المصرف سوى أنه يجلب لنا الأمراض، التي لم ترحم صغيرًا أو كبيرًا فضلًا عن خوفنا على الأطفال من السقوط في المصرف"، مناشدًا المسئولين عن الصحة والبيئة والري والزراعة إنقاذهم من المصرف الخطير الذي بات ينذر بكارثة مروعة. من جانبه، قال محافظ القليوبية، د. رضا فرحات، في تصريح صحفي، إن هذا الملف سيحظى باهتمام خاص خلال الفترة المقبلة وبالفعل بدء التحرك واتخاذ خطوات فعلية. وأضاف فرحات أنه تم مخاطبة المحافظات المجاورة ووزارة الري للبدء بأخطر هذه المصارف وهو مصرف "البلبيسي" بالخانكة، لبدء العمل في تطهيره وخفض منسوب المياه ومخاطبة كافة الجهات الأخرى لتغطيته أو وضع حلول جذرية للأزمة، على أن يتم الانتقال بعد ذلك إلى كافة المصارف تباعًا وفق خطة زمنية معينة للقضاء على هذه المشكلة التي تنغص حياة المواطن.