فعلًا مسألة بالغة الاستفزاز ارتكبتها الحكومة المصرية عندما قامت بترشيح السيد أحمد أبو الغيط ليتولى منصب أمين عام جامعة الدول العربية خلفًا للسيد نبيل العربي الذي تقدم باستقالته ورفض أن يُجدد له؟ الاستفزاز لماذا؟ لأن أبو الغيط واحد من أعمدة نظام مبارك الذي أسقطه الشعب بثورة عارمة، أي أنه ممثل لنظام فاشل وفاسد حكم القضاء على رئيسه بأنه لص، فكيف يمكن أن نأتمن أحد رجال ذاك النظام على قيادة المؤسسة العربية الأشهر؟ كما أن هذا الرجل الذي كان وزيرًا لخارجية مبارك منذ عام 2004 حتى سقوطه المشهود لم يستطع أن يقرأ المشهد السياسي بصورة صحيحة، إذ قال عندما اندلعت الثورة في تونس إن مصر غير تونس، مؤكدًا أننا لن نشهد ثورة في مصر، فهل يعقل أن نكافئ رجلًا أخفق في قراءة الواقع السياسي في بلده وننصبه رئيسًا لجامعة الدول العربية؟ المحزن أن أبو الغيط سيكمل عامه الرابع والسبعين -أطال الله عمره- بعد أسابيع قليلة (مولود في 12 يونيو 1942)، فهل كُتب علينا أن يبقى العواجيز في السلطة إلى ما لا نهاية؟ إن الخارجية المصرية وزارة عريقة تحتشد بكفاءات مدهشة من الشباب، فلماذا لم تحاول مصر أن ترشح واحدًا من هؤلاء الشباب، بدلًا من اختيار شخص قادم من زمن أسود؟ سأزيدك من (الحزن) بيتًا وأذكرك بأن حال الجامعة العربية الآن بالغ السوء كما تعرف، فالصراعات محتدمة بين دولها، والمصالح متعارضة بين حكامها، وفكرة العروبة نفسها في مهب الريح، بعد أن ازدهرت الأطماع المذهبية والطائفية التي أشعلتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة، فكيف والوضع متأزم لهذه الدرجة أن نوكل قيادة الجامعة لشخص لم يحقق أي نجاح عندما كان على رأس وزارة الخارجية المصرية في آخر عهد مبارك؟ هل هناك رغبة في التخلص من الجامعة العربية ودورها، فقررنا إسناد مهمة رئاستها إلى السيد أبو الغيط؟ إن هناك غموضًا مريبًا في اختيار أبو الغيط لهذه المهمة، وهذا الغموض فيه ما يكفي من السخرية السوداء، فرئيس الدولة السيد عبد الفتاح السيسي جاء بعد ثورتين عظيمتين أطاحتا بنظامين استبداديين، بينما رئيس الجامعة العربية ابن بار لأحد هذين النظامين!