فضيحة على الهواء.. هكذا تحوّل لقاء الأخ الرئيس مرسى ممثلى بعض القوى السياسية، لبحث أزمة سد النهضة الإثيوبى، الحقيقة أنها ليست فضيحة واحدة بل فضائح عديدة تجمّعت فى مشهد يصرخ بأن «علينا العوض.. ومنه العوض»!! كانت فضيحة أن يناقش الحاضرون خطط المواجهة ودور الجيش والمخابرات على الهواء مباشرة (!!).. وكانت فضيحة أن لا يعرف معظم الحاضرين أنهم يتحدّثون على الهواء، فيقولون ما لا ينبغى أن يُقال علنًا فى هذه الظروف (!!)، وكانت فضيحة أن يتحوّل الأمر إلى ثرثرة بلا قيمة فى وقت لا يتحمّل إلا الجدية فى مواجهة الخطر (!!) وكانت فضيحة الفضائح أن تكون الصورة التى نقلها الاجتماع للداخل والخارج هى هذه العودة البائسة لحكم عاجز، ولرؤية غائبة، ولبلد منقسم على نفسه، ولمؤسسات تنهار لدرجة أن رئاسة الجمهورية لا تعرف كيف تنظّم اجتماعًا فيتحوّل إلى فضيحة، ولا يخرج منه الناس إلا بهذه «الفزورة» التى أطلقها الأخ الرئيس وهو يتحدّث عن تأثير السد الإثيوبى على مصر، فيؤكد لنا بالحسابات الدقيقة أن «كهرباء السد العالى ستتأثر بنسبة 18٪ من 2٪، ولو قسمنا 2 على 27 وضربناها فى 15٪، ثم ضربنا 8٪ فى 15٪ تطلع 1.2٪»، ولم يكن ينقصنا إلا أن نسمع «خلاويص»، ونتذكر فوازير رمضان!! كأننا لا نواجه التحدّى الأكبر الذى يهدّد وجود مصر بحرمانها من مياه النيل!! وكأن الحكم لديه ما يشغله عن مصير الوطن!! وكأن حالة الغيبوبة التى تُدار بها معظم قضايانا يمكن أن تمتد إلى قضية مياه النيل!! وكأن مصر التى تحمّلت حتى الآن الفشل فى التعامل مع قضايا الأمن والاقتصاد وغيرها، يمكن أن تتحمل الفشل فى قضية وجودها حين يكون النيل فى خطر!! كنا- وما زلنا- أمام لحظة تاريخية لا تحتمل إلا توحيد جهد الأمة كلها فى مواجهة الخطر، ولو كانت هناك قيادة واعية بمسؤوليتها لكنا الآن مع حكومة وحدة وطنية حقيقية تجمّد الخلافات وتعطى الرسالة المطلوبة للعالم كله بأن مصر قادرة على حماية حقوقها بكل الوسائل!! ولو كانت هناك قيادة واعية بمسؤوليتها، لكان الأخ الرئيس قد وقف ليعترف بالأخطاء التى وقعت، وليعلن وقف الحرب القذرة المعلنة على القضاء والإعلام والصحافة، ولو كانت هناك قيادة واعية بمسؤوليتها لانتهزت فرصة الأحكام الأخيرة للمحكمة الدستورية لتوقف مجلس الشورى الباطل عن نظر مشروعات القوانين المشبوهة، ولتعلن أن تصحيح المسار يستلزم تشكيل جميعة تأسيسية تمثل بحق كل المصريين لتضع دستورًا جديدًا بدلًا من الدستور المشوّه الذى سيسقطه الشعب إن عاجلًا أم آجلًا!! لكن الأمنيات شىء والواقع شىء آخر.. وهكذا فى أخطر اللحظات التى تواجه مصر نجد الحكم يهدى لإثيوبيا هذه الفضيحة التى رأيناها على الهواء، والتى تظهر الصورة البائسة لحكم عاجز، وإرادة سياسية غائبة.. والأخطر أنه فى نفس الوقت الذى كان الحكم ينشر الفضيحة على الهواء، كانت ممارسات الحكم تجبر قضاة مصر على الاحتشاد لرد العدوان الآثم الذى يستهدف مصر كلها حين يستهدف اختراق السلطة القضائية وإخضاعها لسياسة «الأخونة»!! وكانت ممارسات الحكم تجبر المثقفين على الخروج للدفاع عن روح مصر وهويتها الثقافية فى وجه وزير قادم من المجهول، لينفّذ قرارات خفافيش الظلام التى تعادى الفكر، وتعد محاكم التفتيش للمبدعين!! وكانت ممارسات الحكم تدفع الملايين للانضمام إلى حركة «تمرد»، أملًا فى إنقاذ الوطن قبل اكتمال الكارثة!! المشهد كله يقول بوضوح إننا أمام حكم عاجز لا يهمه إلا «التمكين» والهيمنة على مؤسسات الدولة حتى لو كان الثمن أن تضيع سيناء، أو تتعرض إمدادات مياه النيل للخطر!! والمشهد يقول إن الدعم الأمريكى للحكم لم يكن لوجه الله، فها هى المخططات الأمريكية الموضوعة من خمسين سنة يجرى تنفيذها الآن لحصار مصر والسيطرة على منابع النيل، ومصر -تحت حكم الإخوان- فى أضعف حالاتها!! والمشهد يقول إن إنقاذ مصر لن يكون إلا بالخلاص من هذا الحكم، وباستعادة الثورة المخطوفة والدولة التى يجرى تفكيكها. المشهد يقول إن مصر ستفعل.. لأن البديل هو الكارثة!!