أسوأ ما يمكن أن يحدث الأن هو الخلط المتعمد حول دور جماعة الإخوان المسلمين فى الثورة، والثورة فى حد ذاتها، فأصبح الاتهام بدلا من أن يوجه إلى الإخوان، أصبح إلى الإخوان والثورة. فنجد أساطير تُروَى عن حماس، وإحراق أقسام، وافتعال اشتباكات، لا لشىء إلا للهجوم عليهم، وينساق مع هذا الهجوم مجموعة من الجهلة، وحزب كنبة لم يكونوا جزءًا من الحدث، وفلول. الثورة لم تكُن مقصورة على الإخوان، الذين رفضوا النزول يوم الخامس والعشرين من يناير، وسمحوا دون أوامر بالنزول، لمن يرغب فى المشاركة فى الثامن والعشرين منه. وحتى يوم الثانى من فبراير، تركونا طوال النهار، ولم يشاركوا بقوة، إلا بعد أن بدا انتصارنا واضحا، ومحقَّقا فى نحو الساعة العاشرة مساءً. عليه، هذه شهادتى عما حدث، فقط لمن لا يعلم، وأعلم أنى لن أُحدِثَ فرقا، لدى الرافضين للثورة من أول أيامها، فلولا كانوا أو لاعقى بيادة، أو غيرها من أسماء أعداء هذه الثورة. صباح الثانى من فبراير كنا قد علمنا أن اشتباكات متفرقة حدثت فى عدة محافظات، خصوصًا الإسكندرية، فى محيط مسجد القائد إبراهيم، بعد إلقاء المخلوع مبارك خطبته العاطفية مساء الأول من فبراير. فجر الثانى من فبراير، شهد وجود المذيع الإسلامى خالد عبد الله فى الميدان، عند ناصية شارع قصر النيل و«ميريت»، وهو يدعو المعتصمين للعودة إلى بيوتهم، وهناك تسجيل بذلك على «يوتيوب». ليس فقط خالد عبد الله، بل الكثير من الإعلاميين والفنانين، وشيوخ السلفية، كانوا فى مظاهرات تأييد لمبارك بعد إلقاء الخطاب العاطفى. شهد صباح الثانى من فبراير انسحاب عدد ليس بالهيِّن من المعتصمين بالميدان، وكان هناك رعب داخل الكثيرين منا، أن عددنا سيتناقص، إلى أن نتلاشى، وذلك بسبب أن عددًا كبيرًا من المعتصمين قد أُنهِكُوا تماما، ولم يعودوا قادرين على المواصلة، وكان خطاب مبارك مساء الأول من فبراير، كإذن لهم بالذهاب إلى منازلهم والراحة. توجهت إلى منزلى، للمرة الأولى منذ السابع والعشرين من يناير، وهبطت بعدها إلى الميدان، فى تمام الساعة الواحدة ظهرا. كان هناك اتفاق أن نتقابل أنا ومجموعة من الأصدقاء عند الجزيرة المقابلة لمنفذ مترو طلعت حرب، لكى نحاول أن نفهم ما الخطوة المقبلة، بعد انسحاب عدد ليس بالهيِّن، وبدأ إحساس الأفراد بالتعب. عدد المعتصمين، لم يتجاوز عشرة آلاف، وفى تناقص كل ساعة. 13:30 بدأ توافد مظاهرات، كانت سلمية، اخترقت ميدان التحرير من جهة المتحف، يقوم أفرادها بسبِّنا واتهامنا بالعمالة والتمويل. 13:45 بداية دخول مأجورى النظام السابق من ناحية المتحف بالخيل والأحصنة، وتراجع غالبية المعتصمين ناحية الميدان، ومحاولة عدد من المعتصمين إنزالهم من فوق الأحصنة (قام أحد المعتصمين بالفعل بالقفز وإنزال أحدهم فعلًا من فوق حصان). كان التدافع شديدًا، والإصابات نتيجة التدافع أشدّ. 14:00 الإحاطة براكبى الأحصنة والجمال، وأسر بعضهم. 14:10 هجمة أخرى من شارع طلعت حرب، تَصدَّى لها ضابط الجيش ماجد بولس بإطلاق عدة أعيرة فى الهواء على المهاجمين، مما أخافهم، وأعطى الفرصة للمعتصمين لصد الهجمة. 14:30 دخول عدد هائل من مأجورى نظام مبارك، إلى الميدان من ناحيتَى جسر قصر النيل وعبد المنعم رياض، كان عدد منهم قد قام بإيصالهم إلى الميدان فى سيارتَى نقل خضراوين من المملوكة للجيش، وعندما اعترضنا وذهب عدد منا لمقابلة رئيس المنطقة المركزية، والذين تمركزوا داخل المتحف، أخبرونا أنها سيارات حرس جمهورى، وأن لا سيطرة لهم عليها. بعدها استولى مأجورو النظام السابق على مساحة شاسعة من محيط الميدان، بعد أن صعدوا إلى أسطح العمارات، المواجهة لكل من المتحف والمنطقة التى استولى عليها فندق «ريتز كارلتون» بجوار الجامعة العربية، قاذفين المعتصمين بأنابيب بوتاجاز، وكور من النار، والحجارة... 15:00 كنا قد بدأنا فى التصدى للهجمة، ورَجْع مأجورى مبارك قليلا ناحية المتحف، وإن كنا لم نستطع بعدُ الصعود فوق أسطح العمارات التى احتلوها. خلال الوقت من الثالثة إلى الرابعة والنصف، كنا نسمع من محمد البلتاجى، أن هناك أوامر رسمية لشباب الإخوان بالنزول والاستشهاد فى الميدان، لكننا لم نرَ أى زيادة على الإعداد الرمزية للإخوان الذين حضروا من قبل، واستمر الميدان يومها بنفس الوجوه... مجموعات من السلفيين غير تابعة لشيوخ، هابطة بشكل مستقلّ، ومجموعات من اليساريين، وعدد أكبر من اللا منتمين إلى أى تيار، وكالعادة عدد قليل من الوجوه الإخوانية التى تظهر فى كل المناسبات، تطبيقًا لمبدأ التمثيل المشرِّف. كان هناك الكثير من الخطط، بعضها لكيفية الاستيلاء على أسطح العمارات، وقد بدأ فى تنفيذها بعضنا، وكُلِّلَ بالنجاح، والأخرى كانت تحرير الشوارع المحيطة بميدان التحرير، عن طريق مجموعات صغيرة تنطلق فى نفس التوقيت، لتشتيت المأجورين، وإضعاف تمركزهم. والخطة الثالثة كان محاولات لصنع منجنيق ، وهى المحاولة التى فشلت. تحركت المجموعات التى تَشَكَّلَت، بعدد صغير فى البداية من المعتصمين، ومع الوقت تضاعف العدد بشكل كبير... حتى اللحظة، لم يكن أى إخوان وصلوا، وكنا علمنا أن بقية المعتصمين عند جبهة جسر قصر النيل، قد استطاعوا وقف تقدُّم المأجورين، وأصبح هناك فى ذلك الوقت خط دفاع قوى، يتقدم تدريجيا ناحية حدود جسر قصر النيل. كان هذا سردًا مختزَلًا -أرجو التماس العذر على ذلك- لما حدث حتى الخامسة، سأتبعه فى المقال المقبل، بسرد باقى أحداث اليوم.