هذا المقال ليس له أي علاقة بالانتخابات.. بالرغم من تناوله لموضوع تم تفجيره بمناسبتها.. (الجريمة التي ارتكبها الإخوان يوم موقعة الجمل، تدبيرهم لها، ومشاركتهم في قتل الثوار!!).. وهنا أشهر يقيني أن الدعاية "الشفشقية" ليست السبب الوحيد لفتح الموضوع الآن. كي أبرئ ذاتي من أي تهمة "انتخابية"، يجب أن أؤكد استحالة تصويتي لصالح شفيق.. أو أي من أمثاله. هناك الآلاف من المبررات لهذا الموقف، أكتفي بأبسطها: لا يصح انتخاب شخص متهم بالفساد، وتدور حوله شبهات قتل، أيا كان. ولن أضيع وقتي في إيراد باقي الأسباب، لأن المرشح لا يستحق أساسا. كذلك لن أنتخب "الأخ" مرسي. فهناك أيضا آلاف المبررات لعدم انتخابه، سأكتفي بأبسطها، وهو أنه ليس هناك أي مبرر لانتخابه أصلا. لكن.. ماذا عن الحملة المتعلقة بموقعة الجمل والدور الإخواني فيها؟ لقد عشت هذه الموقعة وكنت شاهدا عليها. فقد دخلت ميدان التحرير يوم 2 فبراير الساعة الثانية عشرة ظهرا، علي وجه التقريب.ولم أخرج منه في أية لحظة حتي صباح اليوم التالي، ما بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحا. كان التاكسي الذي أقلني من مدينة نصر إلي ميدان عبد المنعم رياض يضع في مقدمته صورا انتشرت سريعا لمبارك.. وكان الطريق ملبدا بتجمعات صغيرة لبعض أنصاره ومأجوريه. عند مغادرتي التاكسي في ميدان عبد المنعم رياض، شاهدت بدايات التجمعات المعادية للثورة هناك..تهتف لمبارك بهستيرية.. وأنه: (كفاية كدة قلة أدب.. والناس دي لازم تتربي.) أحسست أن عنفا من نوع جديد قادم. ولم يبدُ لي أن هؤلاء ينتمون للإخوان، أو لأي فصيل سياسي آخر. تمكنت من دخول الميدان دون أن ألفت أنظارهم. وقفت مع بعض الأصدقاء عند شركة بنها، حيث إحدى نقاط التجمع للقوي اليسارية والمدنية. بعدها بدقائق بدأت أول "سلاسل" الموالين لمبارك في الوصول إلينا، وتمزيق بعض اللافتات. بدأنا في مواجهتهم وتنظيم صفوفنا، لدفعهم خارج الميدان.وكان من بيننا الإخوان.. الذين نظموا أنفسهم في صفوف متوالية تتشابك أذرع عناصرها. حين تمكنا من دفع المباركيين مرة أخري تجاه مدخل عبد المنعم رياض، حدث هنا المشهد الشهير، أن فتحت المدرعات الواقفة هناك الطريق لدخول الجمال والخيول. كنت ممن ارتدوا جريا إلي داخل الميدان.. وفي طريق هروبنا من الخيول والجمال المقتحمة، لاقتنا الصفوف المشكلة أساسا من الإخوان، مرددين كلمة "أثبت". أدخلونا بينهم، وخرج منهم البعض للقفز باتجاه راكبي الخيول لإسقاطهم. عاد الميدان لنا، وبدأت معارك المولوتوف والرصاص والحجارة، التي استمرت حتي اليوم التالي.بصحبة بعض الأصدقاء، كنا نقضي بعض الوقت مشاركين في مواجهات كوبري قصر النيل عند الغروب.. بعض الوقت الآخر عند مدخل شارع شامبليون.. وبعض الوقت للراحة في صينية الميدان..إلا أن أغلب المساء والليل كنا عند مدخل المتحف، نشارك في إلقاء الحجارة. رأيت سقوط ما لا يقل عن اثنين من المدافعين عن الميدان، الواقفين بالقرب مني، قتلي برصاص القناص الذي كان يعتلي كوبري السادس من أكتوبر. لم أري أي إطلاق للرصاص من العمارات المشرفة علي الميدان. فقط عمارة واحدة، مواجهة للمتحف، كانت تحت سيطرة بلطجية مبارك..وكانوا يلقون علينا من سطحها الحجارة والمولوتوف. وحسب علمي كان شباب الألتراس هم من استطاعوا إجبار هؤلاء علي الانسحاب، والسيطرة عليها خلال الليل. صباحا.. نغادر أنا وصديقي هاني درويش الميدان، من ناحية شارع التحرير، باتجاه وسط البلد. كان شباب الإخوان، الحراس لهذا الموقع، هم آخر من ودعونا، قائلين: (متتأخروش في الرجوع يا شباب.) هؤلاء هم القتلة!! كنا ننادي بعضنا خلال الساعات الطويلة بعبارة "يا شيخ”.. استخدمتها لمعرفتي بأنهم من الإخوان، وهم استخدموها لظنهم بأنني “أخ” لا يعرفونه.. بسبب ذقني الخفيفة التي تشبه ذقون الأخوة الجدد. لم يكن الإخوان بمفردهم هناك.. كنا جميعا هناك.. شباب الألتراس.. جميع القوي السياسية، بداية من الشيوعيين وصولا لليبراليين.. وكان هناك الأغلبية.. نعم.. مواطنين من كل الفئات الاجتماعية..وأغلبهم فقراء. برزت أدوار الألتراس والإخوان لأنهم كانوا الأكثر تنظيما في الدفاع عن الميدان، لكننا جميعا امتلكنا نفس الشجاعة. في هذه الليلة، وللمرة الأولي، تحولنا جميعا إلي جسد واحد.. بدأت هنا الحياة المشتركة حقيقة، حتي سقوط مبارك.. كنا نأكل ونشرب ونهتف ونصلي معا.. ولم أشعر بالأمان إلا بصحبة كل هؤلاء لم أر الإخوان يقتلون أحدا. رأيتهم فقط مواجهين.. مدافعين عن الميدان.. ملقين الحجارة علي المهاجمين.. ورأيتهم يسقطون بإصابات مختلفة. أين كان طنطاوي وشفيق وعمر سليمان والرويني؟ ثلاثة من هؤلاء، شفيق وعمر سليمان وطنطاوي، مسئولون مباشرة عن المجزرة، بحكم مسؤليتهم السياسية، بحكم سيطرتهم علي الأوضاع خارج ميدان التحرير، وخصوصا كوبري السادس من أكتوبر، المستخدم في الهجوم علي الثوار وقتلهم، وبحكم قدرتهم علي وقف هذه المجزرة، إن أرادوا. هؤلاء هم الذين من المفترض أن توجه إليهم تهمة القتل. أين كان قائد سلاح الإشاعات؟ جنرال الكذب، الرويني؟ ألم يقل أنه كان بداخل المتحف المصري؟ أهو من أمر جنوده بتحريك المدرعات، كي يسمح للجمال والخيول باقتحام الميدان؟ ماذا فعل مع الضابط ماجد بولس الذي حمي المتظاهرين بمسدسه عند مدخل طلعت حرب؟ ماهي مسؤليته عن نهب المتحف المصري - الذي اتخذه كمقر له - قبل الموقعة بأيام؟ لماذا لم يأمر جنوده "المتحفيين"بحماية الثورة والثوار؟ هنا يأتى سبب آخر لعدم انتخاب الإخوان ومرشحهم مرسي.. هو أنهم قد جلسوا مع القتلة منذ اليوم التالي.. مفتتحين حالة الصداقة والتحالف بمفاوضاتهم مع عمر سليمان. لكنهم لم يقتلوننا يوم موقعة الجمل. هل هي مجرد لعبة انتخابية من المرشح المنافس أحمد شفيق، وكل الجهات التي تقف خلفه؟ هذه الجهات التي من ضمنها أمن الدولة، والحزب الوطني، والأجهزة السرية المسماة أحيانا بالدولة العميقة أو بقلب الدولة الصلب، بموظفيها في وسائل الإعلام؟ هل هي مجرد ضربة انتخابية للإخوان؟ لا أعتقد أن المسألة تنحصر في هذه الحدود. ولا أعتقد أنها ستؤدي لمحاكمة وعقاب عناصر إخوانية. الهدف الجوهري من هذه الحملة أبعد بعض الشئ.. هو أن نرمي قمامة علي تاريخنا وما عشناه.. أن نقبل بتسفيه انتصاراتنا، ونتصور تدريجيا أننا كنا مجرد أدوات في لعبة أكبر.. أن نفقد يقيننا في ثورتنا، ونراها كمسرحية لم نكن فيها سوي مجرد كومبارس. هذه الحملة ليست الأولي في هذا اللعبة.. بل هي امتداد للعشرات من التفاصيل التي بدأت منذ 25 يناير2011.. هل تتذكرون الحملة علي حركة 6 أبريل؟ وفي بعض الفصول شارك ذوو اللحي في تكريس صورة المؤامرة، أو المسرحية الهزلية الكبيرة.. هل تتذكرون الحكايات الأسطورية لصفوت حجازي وشقة العجوزة؟ نعم.. أنا ضد الإخوان، ومعاد لما يحملونه من أفكار ومشاريع ومناهج للعمل السياسي. أعتبر نفسي، علي الأقل، خصما لهم.. ولا أستطيع التعامل بجدية مع عبارات يسارية من نوعية: (أحيانا مع الإسلاميين، ودائما ضد الدولة). لكنني أحترم التاريخ الذي عشته، وصنعناه جميعا، بمشاركة الإخوان المسلمين.. وإن تم استهداف أي فصيل سياسي بسبب قتل لم يمارسه، أو آراء ومواقف سياسية، وإن اختلفنا معها، فسوف يقف الكثيرون منا مع عناصر هذا الفصيل في الشوارع. لا مهرب من الوقوف ضد هذا القاتل.. ضد هذا القابع بعيدا.. في هذه المعدة الملوثة والعفنة، المسماه بالدولة العميقة.. هذا الغامض الذي يلعب ويلعب.. وسيتوقف فقط عن لعبه الدموي حين نكسر ذراعيه.. ونقطع ألسنته. باسل رمسيس [email protected] Comment *