■ درويش فى القاهرة «الدخول إلى القاهرة كان من أهم الأحداث فى حياتى الشخصية. فى القاهرة ترسخ قرار خروجى من فلسطين وعدم عودتى إليها. ولم يكن هذا القرار سهلا. كنت أصحو من النوم وكأننى غير متأكد من مكان وجودى. أفتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أننى فى القاهرة. خامرتنى هواجس ووساوس كثيرة، لكننى فتنت بكونى فى مدينة عربية، أسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك، وجدت نفسى أسكن النصوص الأدبية التى كنت أقرؤها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبا والأدب المصرى. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائى الروحيين. التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما». يضيف: «عيّننى محمد حسنين هيكل مشكورا فى نادى كتّاب (الأهرام)، وكان مكتبى فى الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان توفيق الحكيم فى مكتب فردى ونحن البقية فى مكتب واحد. وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وإدريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق فى مواعيده، ومنضبط، يأتى فى ساعة محددة ويذهب فى ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة أستاذ نجيب؟ كان ينظر إلى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا. أما يوسف إدريس، فكان يعيش حياة فوضوية، وكان رجلا مشرقا. وفى القاهرة صادقت أيضا الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبد الصبور وأحمد حجازى وأمل دنقل. كان هؤلاء من الأصدقاء القريبين جدا. وكذلك الأبنودى. كل الشعراء والكتاب الذين أحببتهم توطدت علاقتى بهم. والقاهرة كانت من أهم المحطات فى حياتى. فى القاهرة تمّت ملامح تحوّل فى تجربتى الشعرية وكأن منعطفا جديدا يبدأ. كان يُنظر إلىّ عندما كنت فى الأرض المحتلة كونى شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربى يصفق لكل الشعر أو الأدب الذى يخرج من فلسطين، سواء كان رديئا أم جيدا. اكتشف العرب أن فى فلسطينالمحتلة عربا صامدين ويدافعون عن حقهم وعن هويتهم. اكتسبت إذن النظرة إلى هؤلاء طابع التقديس، وخلت من أى ذائقة أدبية عامة. هكذا أُسقطت المعايير الأدبية عن نظرة العرب إلى هذه الأصوات المقاومة بالشعر والأدب فى الداخل. ومن القصائد المهمة التى كتبتها فى القاهرة قصيدة (سرحان يشرب القهوة فى الكافتيريا) ونشرت فى صحيفة (الأهرام) وصدرت فى كتاب (أحبك أو لا أحبك)». عاش درويش فى مصر ما بين عامى 1970 و1972. عن «مؤسسة محمود درويش»
«التحرير» أول صحيفة مصرية تزور متحف الشاعر الفلسطينى الكبير فى رام الله صباح رام الله الشتوى عادة ما يكون باردا بلطف. لكن هذا الصباح بدا أكثر لطفا وألفة من الأيام الأربعة السابقة التى قضيتها فى هذه البلدة الفلسطينية المبهرة. هل الأمر له علاقة بأنى ذاهب الآن إلى «حديقة البروة» المنزل الأبدى للعظيم محمود درويش؟ التحرك بمفردى دون دليل فلسطينى فى هذا التوقيت تحديدا مغامرة كبيرة. الساعة الآن التاسعة والنصف صباحا. وميعاد الطائرة التى ستعود بنا إلى القاهرة من مطار الملكة عاليا بالأردن، فى السابعة والنصف، هذا يعنى ضرورة أن نتحرك من رام الله فى الثانية عشرة والنصف ظهرا، رغم أن المسافة من الفندق فى رام الله وحتى المطار بعمان لا تزيد على الساعتين، لكن لا أحد يأمن الحواجز الإسرائيلية المنتشرة بطول الأراضى الفلسطينية كالسرطان، ولا الإجراءات الروتينية الطويلة فى معبر «اللنبى» أو «جسر الملك حسين»، وهو المدخل البرى الوحيد إلى رام الله وباقى المدن الفلسطينية الخاضعة للحكم الذاتى، ويخضع لإدارة أردنية-إسرائيلية مشتركة.. لكن متحف محمود درويش يستحق المغامرة وأكثر قطعا. زيارة المتحف كانت مدرجة بالأساس فى البرنامج الذى أعدته السلطة الفلسطينية لنحو 800 صحفى عربى وأجنبى قدموا فى نوفمبر من العام الماضى لتغطية فاعليات أسبوع الشباب الفلسطينى، وإن كان الغرض الفعلى هو أن يتعرفوا على معاناة الفلسطينيين على الأرض، وأن يتابعوهم عن كثب وهم يحترفون فنون الحياة فى أرضهم المحررة نظريا، التى لا تزال واقعة تحت ظلال الإسرائيليين عمليا. ازدحام جدول الرحلة، جعل زيارة متحف صاحب «أثر الفراشة» صعبة، وهكذا كان لا بد أن أتحرك بمفردى فى الصباح الأخير لى فى رام الله. المعلومة الوحيدة التى كانت متاحة لى عن مكان المتحف، أنه إلى جوار قصر ثقافة رام الله، اسأل رجل أمن فلسطينيا يقف فى ميدان مجاور للفندق عن الطريق المثلى للذهاب إلى هناك، فيقترح تاكسى، ثم «باص»، والباصات فى رام الله كمعظم السيارات الرسمية هناك أمريكية فخيمة، والمسافة التى قطعتها السيارة فى نحو 7 دقائق تتكلف ثلاثة شيكلات، أى نحو أربعة جنيهات ونصف مصرية، تكلفة المعيشة مرتفعة هناك كما تلاحظ، كما لعلك لاحظت أن العملة المتداولة فى الأراضى الفلسطينية كلها هى الشيكل الإسرائيلى، وأرجو أن لا تعتبر استخدامى العملة الإسرائيلية تطبيعا، وإلا كان هذا معناه أن الشعب الفلسطينى كله مطبع، دعك من أن الاعتماد الفلسطينى على الاقتصاد الإسرائيلى أمر معقد يطول شرحه، لكن الأكيد أن جواز سفرى خال تماما من أى تأشيرة إسرائيلية، وأن دخول رام الله تم عبر تصريح دخول صادر من السلطة الفلسطينية. أترجَّل من «الباص»، ألمح متحف درويش أعلى تبّة إلى اليمين، أصعد تدريجيا، وسط هدوء عجيب يلف المكان، كأنه يمنح الراحل المناخ المناسب ليواصل كتابة الشعر من مسكنه الأبدى. بوابة متسعة تدخل بك إلى حرم المتحف، الذى يبدأ بسلالم رخامية عريضة، مع كل درجة يصعدها المرء، تصفو النفس، وقد هاجمها رحيق فريد من الزهور التى تغطى المكان، وبحيرات الماء الموزعة بفنية وإتقان، فى أعلى التبة، يظهر شاهد رخامى يسكن فى حضن طين فلسطينى وزهور نضرة، مكتوب عليه بخط عربى أنيق (محمود درويش- 13 آذار «مارس» 1941- 19 آب «أغسطس» 2008)، وإلى جواره إكليل من الزهور، وضعه أحد المحبين، وأعلى الشاهد إلى اليسار، قبس من شعر درويش كأنه كتبه من وحى اللحظة «ونم يا حبيبى عليك / ضفائرى شعرى/ عليك السلام». هنا إذن وتحت هذه القطعة الرخامية يرقد جثمان درويش، الشاعر، والمقاوم، والمناضل، والإنسان، الحاضر دوما دونما أى أثر للغياب. ترفع الرأس لأعلى وقد اقشعر البدن رهبة، تلمح مقطع درويش الخالد يسكن أعلى الحائط الذى يقف حارسا للشاهد «أثر الفراشة لا يرى/ أثر الفراشة لا يزول». يقتحمك درويش إذن فى حضرة روحه ومتحفه كما كان يفعل وهو يتلو شعره الموصول بالسماء وطين فلسطين. تتحرك إلى اليسار، متجها إلى باب الوحيد المفضى إلى المتحف من الداخل، الباب الخشبى التقليدى كباقى أبواب البيوت الفلسطينية، يمنحك الشعور بأنك تدلف إلى منزل درويش، الشعور يتأكد عندما تقابلك صورة طولية ضخمة لدرويش بنظارته الشهيرة وملامحه الشامية العربية الدافئة. وهو يفتح راحة يده اليمنى مرحبا بالزائرين.. ولسان حاله يكاد يقول: «أهلا بكم فى بيتى». البيت من الداخل عربى حتى النخاع. فى هذا الركن مكتب محمود درويش الذى كان موجودا بمبنى خليل السكاكينى فى رام الله. هذا هو المكتب نفسه لا تقليد له. نفس الطاولة والمرأة المزخرفان بأرابيسك بديع. نفس السجادة الحمراء، ولوحات الجوائز والتكريم التى فاز بها، الجاكيت الرمادى، المصحف الضخم، حتى يخال إليك أن محمود درويش جالس بنفسه على الكرسى الآن ممسكا بالورقة والقلم ليكتب، أو ليوقع كتابا جديدا له كما اعتاد أن يفعل فى السنوات الأخيرة التى استقر فيها فى رام الله. إضاءة المكان مصممة بعناية بحيث تترك فى نفسك أثرا، يتضافر مع ذلك التأثير الذى يتركه فيك صوت محمود درويش الذى ينساب فى المكان يردد «كل شىء خاضع للانفجار»، «من لا بر له لا بحر له»، وعلى الجدران وبخط عربى أنيق مقاطع خالدة من نفس محمود درويش «نحن أجيال وباقون.. وللحلم بقية»، «قل للغياب نقصتنى.. وأنا حضرت.. لأكملك». تتبع واجهات المتحف الزجاحية تاريخ درويش، فهذه تضم «شهادة الصف الثالث من مدرسة دير البعثة بدير الأسد 1950-1951»، وتقديراته مبشرة «ممتاز فى الدين والعربى وعلم الصحة والزراعة والسلوك وجيدا جدا فى الحساب والمواظبة.. الإجمالى ممتاز وينقل للصف الرابع»، ويبدو أنه كان مخلصا لدراسته، فشهادة الصف الرابع جمع فيها تقدير ممتاز فى كل المواد مع ملاحظة موقعة من معلمه «نمر مرقس» «آمل أن يحافظ على تفوقه وأهنئ والديه وأرجو له مستقبلا باهرا».. وقد كان. المتحف به وثائق هى من لحم ودم وعرق درويش قطعا. بطاقة هوية إسرائيلية تحمل اسمه وصورته، اضطر هو وغيره من آلاف الفلسطينيين إلى أن يحملوها بعدما ضاع الوطن. خرج درويش من بلدته البروة التى تقع فى الجليل شرق ساحل عكا خلال قصفها عام 1947 وعمره لم يتجاوز السنوات الست، ذهب مع أسرته إلى لبنان، ولما عادوا متسللين مرة أخرى إلى فلسطين، وذهب إلى قريتهم، وجدها أصبحت أثرا بعد عين، وقد تحولت إلى اسم إسرائيلى بغيض «أحيهود» وهكذا أصبح درويش لاجئا فى وطنه، وكان الأمر صعبا على شخص مثله، لذا يتضمن المتحف الورقة المدون بها الأمر الإسرائيلى الذى يحدد إقامته الجبرية فى منزله فى حيفا ما بين صيفى 1967 و1969. طوال هذا الفترة كان يحق للشرطة الإسرائيلية اقتحام منزله وتفتيشه واعتقاله فى أى وقت، هكذا اعتقل درويش فى السجون الإسرائيلية خمس مرات -من بينها أربع لإلقائه الشعر دون تصريح!- فى الفترة ما بين عامى 1961 و1970، ولهذا تبدو أهمية ذلك الخطاب الموجود فى متحفه، الذى أرسل به إلى شقيقه من سجن معسياهو فى الرملة عام 1965، وتكشف سطور الخطاب جزءا أصيلا من شخصية درويش «أخبروا الجميع أن أجمل هدية تصلنى هى الرسائل فأرجو أن يكتبوا لى»، ترى ماذا كانت مشاعره إذن وهو يتسلم جواز سفر فلسطينيا عام 1995 يتألق بصورته فى أحد أركان المتحف؟ فى هذا الركن، يوجد جهاز الراديو «سونى»، وأسفله ورقة تشرح أهميته «الراديو الذى كان يستمع إليه خلال حصار بيروت» عام 1982، لوح طاولة، لا تزال به أوراق اللعب والزهر -هل هى صدفة أن ينساب صوت درويش الآن من السماعات المنتشرة فى المتحف وهو يردد «أنا لاعب النَرْدِ /أَربح حينا وأَخسر حينا/ أَنا مثلكمْ / أو أَقلُّ قليلا/»؟، ثمة أيضا نظارته الشمسية، وتلك التى كان يستعين بها فى القراءة، وأقلامه الخاصة، وكشكول يكتب فيه مسودات قصائده، صور قديمة له بالأبيض والأسود يبدو فيها وسيما متأنقا وملهما، شهادات وجوائز عدة، نسخ من كتبه ودواوينه، وأعداد من جريدة «الاتحاد» التى كتبها بها فى السبعينيات، ومجلتى «الجديد» التى أصبح رئيسا لتحريرها، و«الكرمل» التى أسسها، وذلك المخطوط الأصلى النادر لإعلان الاستقلال الفلسطينى كما كتبه درويش بنفسه فى الجزائر عام 1988، والذى نص على تحقيق استقلال دولة فلسطين على أرض فلسطين وحدد القدس عاصمة أبدية لهذه الدولة، وهو إعلان الاستقلال الذى اعترفت به 105 دول، وترتب عليه نشر 70 سفيرا فلسطينيا فى دول العالم. وفى هذا الركن الذى تظلله إضاءة حزينة، هناك حقيبة سفر صغيرة، كأنه أدرك عدم حاجته إلى مزيد من الملابس والحاجات، هى تلك الحقيبة التى رافقته فى رحلته الأخيرة إلى أمريكا لإجراء عملية قلب مفتوح، وإلى جوارها تذكرة السفر إلى مدينة هيوستن الأمريكية، والتاريخ المطبوع عليها 29 يوليو 2008، هذه هى تذكرته الأخيرة، بعدها لم يسافر درويش قط، واستقر ها هنا فى رام الله. رام الله-محمد هشام عبيه «أخدوا الأرض لكن ما أخدوا الذكريات» زهور المتحف من كل المدن الفلسطينية.. والتصميم لعائلة «طوقان» سامح خضر مدير المتحف، وهو فلسطينى مثقف يحمل الجنسية المصرية نسبة لوالدته الإسماعيلاوية، ويتابع الشأن المصرى باهتمام، حتى إن مكتبه به آخر الإصدارات من الكتب المصرية، يروى قصة إنشاء ذلك المتحف الأنيق المهيب «القصة بدأت بحملة اكتتاب فلسطينية خالصة، كان الغرض أن يكون المتحف هدية من الشعب الفلسطينى لدرويش مناضلا وأسيرا ومنفيا ولاجئا، وهكذا توالت التبرعات ما بين آلاف الشيكلات، وحتى أقلها لكن ربما يكون أكثرها قيمة.. 5 شيكلات من أحد الأطفال، حتى تم افتتاحه ولأول مرة فى أغسطس عام 2012». يبدو تصميم المتحف من الخارج مبتكرا، ومريحا، ومن الداخل ثمة فن واضح يمس كل أركان المكان، يفسر مدير المتحف ذلك الشعور قائلا: «المتحف تصميم المهندس جعفر طوقان، ابن الشاعر إبراهيم طوقان الذى كتب السلام الوطنى الفلسطينى، أما عمته فهى الشاعرة الفلسطينية الشهيرة فدوى طوقان». ابن شاعر يصمم متحفا لشاعر. هذا هو السر إذن. يضيف «التصميم على شكل كتاب مفتوح، أما النباتات والأزهار الموجودة فى المكان فقد تم جمعها من كل مدن فلسطين حتى تلك التى لا تزال تحت الاحتلال، والغرض من ذلك واضح أن نحيط درويش بفلسطين، تطبيقا لمقولته الشهيرة.. «أخدوا الأرض لكن ما أخدوا الذكريات». هكذا يبدو كل شىء هنا مدروسا. فاسم حديقة البروة، نسبة إلى القرية التى ولد فيها درويش ثم قضمها الاحتلال. والتراب الذى يحيط بعدد من الجوائز فى المتحف هو أيضا من تراب البروة.. والزهور من طين بطن فلسطين الذى لم يتدنس بعد بأقدام الإسرائيليين. ليس هذا فحسب، يقول خضر «اختيار مكان المتحف تم أيضا استنادا إلى أسس. فهو موجود على تلة هى الأعلى مكانا فى رام الله، يمكن من خلالها رؤية القدس على اليمين واللد والرملة إلى اليسار». درويش يطل من هنا إذن -وللأبد- على وطنه الذى حاولوا أن يحرموه منه، فانتصر عليهم هو من قبره. المتحف ليس مكانا لتأبين درويش. صحيح أن المئات يأتون هنا فى الأعياد لزيارة الضريح وليضعوا عليه الزهور تماما كما يفعلون مع أحبائهم وأقربائهم، إلا أن المكان ساحة حقيقية لتنفس الشعر والثقافة والحياة، إذ تنظم فيه ورش للغناء والموسيقى والكتابة، ويلتقى فيه الشعراء، وبه منبر ومسرح صيفى يتسع لخمسمئة ضيف وأكثر من المحبين، الذين يمكن لهم أن يذهبوا فى آخر جولتهم بالمتحف ليوقعوا فى سجل الزائرين والمحبين، قبل أن يختاروا قبسا من رائحة درويش فى هدايا تذكارية قيمة، كتب، وميداليات وأقلام ولوحات وقمصان منقوش عليها أبيات من أشعاره، أما من يملك 1000 شيكل «نحو 1500 جنيه مصرى»، فسيظفر بهذا التذكار الفريد، قطعة من ذهب الكعبة المشرفة، منقوش عليها أشعار من درويش، فمن هذا الذى يستطيع أن يقاوم؟ الصباح لا يزال فى رام الله باردا ولطيفا رغم أشعة الشمس التى تتسلل من بين السحب. أقف فى أعلى منطقة فى حديقة المتحف. أنظر إلى اليسار فألمح تلال اللد والرملة، ثم ألتفت إلى اليمين فتقتحمنى ظلال تلال وبيوت القدس. أتنسم الهواء الفلسطينى الحر بعمق. أتأمل الشاهد الرخامى الأنيق كصاحبه، الذى أراه الآن يقف فى قلب الحديقة يتلو أشعاره بصوته العميق الرخيم ملوحا بيديه منفعلا، بينما فتحت كل بيوت رام الله وباقى المدن الفلسطينية قلوبها لتستمع، فتعيش فيه، ويعيش محمود درويش فيها للأبد.