"رفع شعر محاربة الإرهاب في المهد، فقضى على أفغانستان ودمر العراق، وأزهق مئات الآلاف من الأبرياء، لا لهم ذنب سوى أنهم يعيشون في دول كان جورج بوش الابن يعتبرها دولا راعية للإرهاب"، فبعد فترة قصيرة من هجمات 11 سبتمبر، أعلنت الإدراة الأمريكية، أن تنظيم القاعدة الموجود في أفغانستان، هو المتسبب الأول في الهجمات التى أودت بحياة أكثر من 3 آلاف مواطن أمريكي، فطلب من أفغانستان تسليم أسامة بن لادن وجماعته، وحين رفضت شكل تحالفه الدولي، فقضى على التجربة الطالبانية الناشئة. ولم يكف عن هذا، فذهب بجيوشه الجرارة مرة أخرى إلى العراق، تحت ذريعة إنها تمتلك أسلحة دمار شامل، وحدث ذلك رغم أنف مجلس الأمن الدولي، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فتقل مئات الآف وشرد الملايين، ثم وضع نظام طائفي مازال يعاني منه العراق حتى اليوم. ومن الواضح أن جورج بوش الابن، الرئيس الأمريكي الأسبق، والذي رحل عن البيت الأبيض عام 2008، لم يرحل كليًا حتى أيام قليلة، حيث سار على دربه بشكل أو آخر شخصان مهمان في بلدين من البلدان الأنجلوساكسونية الهامة؛ أسترالياوكندا، غير أن عام 2015 قد كتب نهاية مدرسة بوش السياسية في الساحة الدولية تمامًا، حيث خرج رئيس الوزراء الأسترالي السابق والمثير للجدل توني أبوت من منصبه بعد خسارته في انتخابات قيادة حزبه أمام مالكولم تورنبول صاحب الميول اليسارية إلى حدًا ما، وخرج خلال الأيام الماضية، رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر هو الآخر من عالم السياسة الكندية، بعد اكتساح الحزب الليبرالي بقيادة السياسي الشاب جاستن ترودو الحامل لأجندات اليسار الاجتماعية. تسع سنوات قضتها كندا تحت حكومة هاربر اليمينية المحافظة، شهدت فيها التراجع عن اتخاذ الإصلاحات اللازمة لمعالجة تغير المناخ، كما هي عادة اليمين في معظم بلدان الغرب، وبث المخاوف من المهاجرين العرب والمسلمين ومن غطاء الوجه (النقاب) كملمح ثقافي لبعضهم بشكل خاص، ودعم إسرائيل بشكل واضح في السياسات الخاصة بالشرق الأوسط، والمشاركة في قصف داعش كجزء من التحالف الأمريكي بسورياوالعراق. كل ذلك على موعد مع التغيّر الآن بدخول ترودو للسلطة، والذي وعد الناخبين باستعادة الصورة الليبرالية لكندا، التي تمتعت بها تحت حُكم والده، رئيس الوزراء الأسبق بيير ترودو، بعد أن حصل على 40% من أصواتهم، و184 مقعدًا من أصل 338 في البرلمان الكندي تكفيه ليشكل الحكومة منفردًا، بعد أن كانت هناك مخاوف من عدم حصول أي حزب على الأغلبية وبالتالي الاتجاه لمأزق دستوري، لا سيما وأن الحزب الليبرالي حتى بضعة أسابيع مضت لم يكن يُظهر تفوقًا حاسمًا في استطلاعات الرأي. ترودو، البالغ من العمر 43 عامًا فقط، سيكون ثاني أصغر رئيس وزراء لكندا، كما أنه سيكون ربما صاحب المسيرة السياسية الأقصر، حيث دخل البرلمان فقط عام 2008 بعد أن قرر دخول السياسة آنذاك، وهو قرار سبقته تجارب مختلفة مثل تدريس اللغة الفرنسية، وهي اللغة الرسمية في ولاية كيِبِك التي ينحدر منها إلى جانب الإنجليزية، وتدريس الدراما المسرحية والرياضيات، والعمل مع المبادرات الشبابية، وهي مسيرة شكك الكثيرون فيها أثناء حملته الانتخابية باعتبارها دليلًا على قلة خبراته وعدم قدرته على الاضطلاع بمهام منصبه الجديد. غير أن الكنديين لم يبالوا بكل ذلك، وقرروا أن إنهاء حقبة هاربر المحافظة أولوية في هذه المرحلة للتخلص من سياساته الاقتصادية اليمينية وسياسته الخارجية المتطرفة، لتنخفض مقاعد حزبه بالفعل من 166 إلى 101 في هبوط ملحوظ، وليخرج هاربر بالكلية من الحياة السياسية الكندية بينما يبدأ حزبه المحافظ في البحث عن قيادة جديدة. من أبرز الملفات التي تجلت فيها الخلافات بين هاربر وترودو هي ملف المهاجرين والمسلمين بشكل خاص، والذين حاول هاربر إثارة الجدل بخصوص حقوق بعض نسائهم في تغطية وجوههن في الأماكن العامة، وهو ما يفسر اتجاه معظم العرب والمسلمين في كندا للتصويت لليبراليين، والذين تعهد ترودو بألا يمس حرياتهم، "نحن نعرف من داخلنا أن من بنوا كندا أناس أتوا من كل أنحاء العالم، واعتنقوا جميع أنواع الديانات، وانتموا لكافة الثقافات، وتكلموا كل اللغات،" هكذا قال ترودو مؤكدًا على استيعاب الجميع في كندا. "ليس من حق الحكومة أن تشرع أي شيء بخصوص اختيارات المرأة في التصرف بجسدها،" كانت تلك كلمات واضحة قالها ترودو في حملته الانتخابية، لتعزيز موقفه المناصر لحريات المسلمات بشكل خاص، والتي ثار الجدل حولها العام الماضي بعد طرح ميثاق قيم كوِبِك، والذي أرادت بموجبه الحكومة السابقة للولاية تقييد حرية التعبير عن الأديان، مستوحية نموذجًا لضبط الثقافة العامة أشبه بالنموذج العلماني الفرنسي، وهو ميثاق عارضه ترودو بقوة آنذاك كنائب برلماني عن نفس الولاية، وسقط بخروج تلك الحكومة من السلطة وانتخاب الليبراليين في كوِبِك. علاوة على ملف المهاجرين، تعهد ترودو بانسحاب الجيش الكندي من تحالف الولاياتالمتحدة ضد داعش في سورياوالعراق، كإشارة لرفضه خوض المغامرات العسكرية بالخارج والانجرار خلف واشنطن بين الحين والآخر وهو ما حدث بالفعل غداة حلف اليمين الدستورية، وكذلك استقبال لاجئين من سوريا، والذين وعد ترودو باستقبال 25 ألف لاجئ منهم، واستثمار 250 مليون دولار من أجل إقامتهم في كندا. مرة أخرى، وفي إشارة على رفض إقحام كندا في مغامرات عسكرية خارجية، وهو التوجه الذي طالما ميزها عن جارتها الأمريكية في الجنوب في معظم مراحل تاريخها، وعد ترودو بإخراج كندا من برنامج تطوير الطائرات المقاتلة F-35 والذي يضم الولاياتالمتحدة وبريطانيا وأستراليا إلى جانب ثمانية بلدان غربية أخرى، وتركيز إمكانياتها المالية بدلًا من ذلك في ملف تقديم المعونات لبلدان العالم النامية بشكل عام، لا سيما وأن المعونات التي تقدمها كندا للخارج، وخاصة لأفريقيا، قد تراجعت تحت حُكم هاربر بأكثر من نصف مليار دولار. الانفتاح على السكان الأصليين لكندا، والذين كانوا موجودين فيها قبل دخول الإنجليز والأوروبيين بشكل عام قبل خمسة قرون، واحدة أيضًا من النقاط المضيئة لبرنامج ترودو، والذي يتضمن بدء تحقيق موسع فيما يخص النساء اللائي اختفين منهن أو تم قتلهن (ونسبتهم كبيرة في كندا مقابل حوادث الخطف والقتل العادية التي تتعرض لها النساء)، حيث لا تزال هناك أعداد منهم في بعض الولايات الكندية وهم ينقسمون لثلاث مجموعات أساسية (ميتي، وإنويت، و"القوميات الأولى" التي تضم غيرهما)، "سنبني علاقة جديدة مع السكان الأصليين على مستوى الشعبين، وسننفق 2.6 مليار دولار كاستثمار في تعليم القوميات الأولى."