حكم المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن على صحة عضوية (سما المصرى)، وبالتالى استبعادها من سباق الانتخابات البرلمانية، هو حكم جدير بأن يصدر فى عصر مثل عصرنا هذا، الذي اختلطت فيه المفاهيم، وتغولت فيها سلطات الدولة الثلاث بعضها على بعض، حتى صارت مصر وبجدارة بلدًا (بزرميط). يقول فقهاء القضاء "إن الحكم عنوان الحقيقة"، وأنا أوافقهم مائة بالمائة، فهذا الحكم عنوان حقيقة ما وصلنا إليه من انتحار للمنطق، والكيل بمكيالين دون أى معايير أو مقاييس نحتكم إليها. خلاص البلد بقت بلد الفتوة اللى بيمشى أى حاجة بمزاجه... ويجد من يبررها له ويخترع لها نظريات كمان.... تعالَ نقرأ حيثيات الحكم ونحللها مع بعض: يقول القاضى الجليل: "إن طيب الخصال من الصفات الحميدة المتطلبة في الفرد بصفة عامة، وفي عضو مجلس النواب بصفة خاصة، وبدون توافر هذه الصفات تختل الأوضاع وتضطرب القيم في جميع مناحي عمله البرلماني. وطيب الخصال لا يحتاج في التدليل على نقصه صدور أحكام قضائية خاصة بها، إنما يكفي في هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية في هذا الشأن، وتلقي ظلالًا من الشك على شخص المترشح، حتى يتسم بسوء الخصال، أخذًا في الاعتبار بيئة المجتمع التي يعيش فيها وطبيعة المهام التي من المفترض أن يضطلع بها". طيب.. يعنى إيه "طيب الخصال؟". الخصال فى اللغة هى جمع خصلة، والخصلة هى خلق فى الإنسان قد يكون فضيلة أو رذيلة.. ومن ثمَّ فإن "طيب الخصال" التى يشير إليها القاضى الجليل هى "الأخلاق الفضيلة" التى يجب أن يتمتع بها الإنسان بصفة عامة، لا سيما عضو مجلس النواب. أوكيه... إحنا هنا هنخلى (على جنب) كل الملاحظات المنطقية اللى بتقول إن "الأخلاق الفضيلة" دى موضوع نسبى مطاط تماما، ويختلف من زمان لزمان ومن مجتمع لمجتمع.. بل يختلف فى نفس المجتمع بين الريف والحضر مثلا وبين المتعلم والجاهل... وووو..... كل الدفوع (المنطقية) دى حنحطها فى كيس وهنسيبها بره قاعة المحكمة... وهاطلب من حضرتك يا عزيزى المواطن مصرى أن تستعرض أمامك بعضا من المرشحين لعضوية مجلس النواب، وتقولى كده وبمنتهى الأمانة، كام واحد فيهم إذا طبقنا عليه مقياس "الأخلاق الفضيلة" سوف يبقى فى سباق الانتخابات البرلمانية؟ فكر كده فى أسماء عظيمة زى: مرتضى منصور؟.. أحمد مرتضى منصور؟.. مصطفى بكرى؟.. عبد الرحيم على؟.. توفيق عكاشة؟.. أقول كمان ولّا كفاية؟.. كام واحد من العظماء دول يتمتع بشرط "الأخلاق الفضيلة" اللى بسببه تم استبعاد سما المصرى؟! نكمل قراءة فى حيثيات الحكم.. يقول القاضى الجليل (لا فُضَّ فُوه): "وأكدت المحكمة في حيثياتها، أنها اطلعت على المقاطع التي أرفقت بالأسطوانات المدمجة، وتضمنتها بعض البرامج والحوارات التليفزيونية التي أجريت مع سما المصري، وتناولتها الكثير من وسائل الإعلام المختلفة والمتاح مشاهدتها للكافة. وأوضحت المحكمة، أنه تبين إقدام (سما) على مجموعة من التصرفات بما يخرجها عن المسلك القويم والتمسك بحسن الخلق وتوشحها بالحياء اللازم للمرأة". يعنى إيه المسلك القويم؟ يعنى إيه حسن الخلق؟ يعنى إيه توشحها بالحياء اللازم للمرأة؟ كل دى أحكام أخلاقية يا حضرة القاضى وليست أبدا أحكاما قانونية... إذ إن الحكم حتى يكون حكما قانونيا يجب أن يكون المتهم قد خالف قانونا وصدر ضده حكم نهائي بات... فهل سما المصرى صدر ضدها حكم نهائي وبات، يمكن بناءً عليه أن نقول إنها خرجت عن المسلك القويم والتمسك بحسن الخلق؟ وبعدين مين اللى معاه مقياس يقيس به الحياء الذى يجب أن تتوشح به المرأة؟ طوله قد إيه الحياء ده؟... أين يبدأ وأين ينتهى؟ فيه قانون معين بيحاكم الناس على قلة الحياء؟ يا نهار إسود.....!! طيب طبق نفس الكلام ده على ال 7000 مرشح المشاركين فى سباق الانتخابات البرلمانية وقوللى كام واحد هيفضل عنده "مسلك قويم ومتمسك بحسن الخلق ومتوشح بالحياء".... يا عم ده إنت عندك لصوص متهمون بسرقة المال العام عينه عينك، وبيشكلوا قوائم انتخابية وداخلين المجلس بمنتهى البجاحة، ولما الواحد بيعترض بيحطوا فى عينك الكلمتين دول "إحنا دولة قانون والمذكور غير مدان بأى حكم نهائى وبات، ومن حقه الترشح"!!! إشمعنى دى؟ عارف ليه إشمعنى؟ علشان الراقصة البجحة دى حطت النظام فى تناقض أخلاقى واضح زى الشمس، فالنظام عندما احتاج (بجاحة) سما المصرى استعملها جيدا فى تشويه وفضيحة خصومه... ومَن أفضَل من راقصة (لا حياء تتوشح به) للفتك بالخصوم وتجريسهم؟... لكن دلوقتى لا.. كده (لا حياء) سما المصري هيوسخ النظام... يبقي لازم تسكت وتبعد. خلاص دورها انتهى.. هي بقي حطتهم أمام تناقضهم، وأصرت على دخول الانتخابات وكمان فى الجمالية!! فى الجمالية يا سما!! طيب حطى فى عينك حصوة ملح. واختتم القاضى الجليل حكمه: "هي أمور يتعين على أهل الفن الصحيح مراعاتها والتمسك بها، حيث لا يجوز التذرع بالإبداع والابتكار للخروج عن القيم، وإنما يكون الإبداع والابتكار في ظل القيم والأخلاق، وبالتالي لا يجوز التمسك بالإبداع الفني لتبرير ما أقدمت عليه (المصري) من مشاهد وأفعال اطلعت عليها المحكمة". وأضافت الحيثيات "أنه يتعين لتربية النشء والشباب في المجتمع بما يعينه على تمسكه بالمبادئ والقيم وليس إهدارها، مشيرة إلى أن هذه هي رسالة عضو المجلس النيابي، إذا أتاها على وجهها الصحيح وهو ينبري دفاعا عن قويم المسلك، ويفزع لما يؤدي إلى إفساد الأخلاق، وهو ما كانت ترجوه المحكمة أن يتوافر في "سما المصري"، ولكنها لم تبرهن على ذلك فيما طالعته المحكمة من مشاهد وحوارات تليفزيوينة منسوبة لها". على الرغم من أن ما تقدمه سما المصرى ليس من أساسه فنا، لكن هذا ليس ما وقف أمامه القاضى الجليل... فالقاضى لم يقل إن ما تقدمه سما ليس فنا.. ولكنه قال إنه ليس فنا (صحيحا)، كأن هناك فنا (صحيحا) و(فنا غير صحيح) والمعيار هنا، حسب حيثيات القاضى، لما يراه (فنا صحيحا) هو أن يكون الإبداع فيه فى ظل القيم والأخلاق..!! يا نهار إسود.... والله لو كان جوبلز وزير دعاية هتلرموجودا لذهب للقاضى على المنصة وقبله من وجنتيه... فماذا يريد الفاشستى أكثر من هذا؟ أن يتحكم فى الفن بمعايير فى يده وحده اسمها (القيم والأخلاق).... هذا يجوز وهذا لا يجوز من أجل تربية النشء والتمسك بالمبادئ. تفتكر يا عزيزى المواطن مصرى لو الفقرة بتاعة الفن الذى يراعى (القيم والأخلاق) من أجل تربية النشء والتمسك بالمبادئ كانت طبقت من زمان كنا ممكن نشوف: أفلام مثل: الزوجة الثانية؟.. لا أنام؟؟... إسكندرية ليه؟؟... روايات زى: أولاد حارتنا؟.. السراب؟.. عمارة يعقوبيان؟.. أغانى مثال: قارئة الفنجان؟.. دارت الأيام؟.. لا تكذبى؟... تفتكر لو المقاييس الخاصة بالفن الصحيح دى كانت طبقت كان هيكون فى حياتنا هند رستم.. أو سعاد حسنى أو أحمد زكى، ولّا كل دول كانوا هيتحبسوا من أول لقطة فى أول فيلم؟ تفتكر يا عزيزى المواطن مصرى إيه الأحسن لينا كلنا كمجتمع: إن واحدة زى سما المصرى يسمح لها بالترشح زيها زى كل المرشحين، طالما لا يوجد عليها أى حكم نهائى وبات.. ولّا إننا نمنعها بحكم كهذا يفتح علينا جميعا كمجتمع أبواب الفاشية، ويثير قضايا خلافية لا سبيل لحسمها ولا لقياسها قياسا قانونيا، ويحاكم الناس على أخلاقهم وليس على جرائمهم؟ طيب معلهش سؤال أخير وسخيف جدا.. أنا عارف إنى طولت بس استحملنى.. تفتكر لو الإخوان كانوا لسه بيحكموا وكان الحكم ده صدر زى ما هو كده بنفس الحيثيات.. تفتكر المثقفين والفنانين وعظماء الميديا كانوا هيفضلوا ساكتين، ولّا كان زمانهم بيصرخوا فى كل قناة ضد الأحكام الأخلاقية غير القانونية، وضد محاكمة الناس على خصالهم وليس على ما ارتكبوا من جرائم؟.. طيب تفتكر سما نفسها كانت هتسكت زى ما هى ساكتة كده... ولّا كنت هتلاقيها معتصمة أمام قصر الاتحادية تدافع عن حقوقها الدستورية المهدرة؟ مش نفوق بقي يا مصريين؟