عندما بدأ صلاح جاهين الكتابة، جرّب كل أشكال الكتابة، وكان منتميًا بشكل ما إلى الحركة اليسارية المصرية، فكتب ورسم فى جريدة«الكاتب» التى كانت تصدر عام 1952، ويرأس تحريرها رجل السلام يوسف حلمى، ورثاه جاهين بقصيدة بديعة عند رحيله فى الستينيات، وكان يكتب فى المجلة مجموعة من الشبيبة الثائرة مثل كمال عبد الحليم وعبد الرحمن الشرقاوى الذى كان يكتب من باريس، وبالطبع سعد كامل الذى أنشأ جهاز الثقافة الجماهيرية فى ما بعد، وكان كذلك فى طليعة الجيل يوسف إدريس ومأمون الشناوى وغيرهم، وبعد إغلاق هذه المجلة عمل صلاح جاهين فى مجلة «بنت النيل» التى كانت تصدرها درية شفيق، وكان صلاح ينشر فى المجلة ألوانا من الفنون المتعددة، فكتب قصيدة النثر الفصحى، حين كان هذا اللون من القصائد بائدًا آنذاك، وكتب قصة طويلة تحت عنوان «الذهب»، ولا أعرف لماذا لم تتضمن أعماله الكاملة مثل هذه البدايات، وبعد ذلك التحق بمؤسسة «روزاليوسف»، ليلعب دورًا استثنائيًّا فى تطوير حركة الكاريكاتير المصرية، الكاريكاتير الذى ينطوى على أفكار وغمزات سياسية قائمة بذاتها. رسومات صلاح جاهين تحتاج إلى مجلدات ضخمة، وهيئة الكتاب التى أصدرت مجلدين من هذه الرسومات قادرة على إنجاز مشروع صلاح جاهين الفنى فى الكاريكاتير، خصوصًا رسوماته فى مجلة «صباح الخير» التى أسهم جاهين فى إنشائها منذ عددها الأول الذى صدر فى 12 يناير 1956، وأسس مدرسة جديدة فى الكاريكاتير، ولم يقتصر بالطبع دور جاهين فى «صباح الخير» على رسم الكاريكاتير وكتابة الرباعيات العظيمة، ولكنه قدم جيلا من الشعراء الشباب الذين صار بعضهم ملء السمع والبصر، منهم سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى ومجدى نجيب وفؤاد قاعود، ثم فؤاد بدوى ومحمود عفيفى وفريدة إلهامى ورزق هيبة وغيرهم. وقبل هذا وذاك كان لصلاح جاهين تجربة فنية سياسية مع رفاقه اليساريين، وظل هواه يساريا ومعارضا ومحتجا حتى وهو يهتف بحياة الدولة وقائدها جمال عبد الناصر، وبدايات هذه التجربة كانت فى الأربعينيات عندما كان لا يزال رساما للبورتريهات، وشاعر فصحى، وكان يشترك مع زملاء له فى إخراج بعض الكراسات الثقافية، والدواوين الشعرية، وضمن هذه التجارب كان إخراجه الكامل لديوان «مع الجماهير»، للكاتب والشاعر مصطفى هيكل، الذى كان أحد المؤسسين الأوائل للحركة اليسارية المصرية، وكتب عددا من الكتب الثورية، ثم هاجر إلى ألمانيا فى ما بعد، وتحدثت عنه الفنانة برلنتى عبد الحميد فى كتابها «أنا والمشير»، وأشارت إليه بحرفَى «م.ه»، وكان هو الذى جذبها إلى الحركة اليسارية، وكانت بينهما خطوبة لم تتطور إلى زواج. وصدر ديوان «مع الجماهير» لمصطفى هيكل فى مايو 1952، أى قبل قيام الثورة بشهرين، وفى هذا الديوان عدد كبير من الرسومات والبورتريهات الأولى لصلاح جاهين، أتمنى أن يتضمنها مشروع نشر رسومات صلاح جاهين، لأن هذه الرسومات ستلقى بظلها على المرحلة الجنينية التى انطلق بعدها جاهين ليصبح من أهم رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى. وفى هذا الديوان نشر صلاح جاهين قصيدة أو نشيدًا بالفصحى، ويكتب مصطفى هيكل فى تقديم هذا النشيد: «الغضب.. استمعت إلى هذه القطعة للفنان صلاح جاهين فضممتها إلى نماذجى كقطعة من الشعر الواقعى الواضح الأهداف»، ونحن بالتالى نعيد نشر هذه القطعة الفنية، ربما تلقى ضوءا جديدا على بدايات صلاح جاهين الفنية: «إنه الغضب ... إنه الغضب إنه اللهيب ... يطلب الحطب ذلك الرضيع ... سوف لا يجوع أمه الجموع ... أقبلت تثب أمه الحياة ... قد حمت حِماه ترعب الطغاة ... والذى اغتصب إنها تقول ... اقرعوا الطبول طاردوا الفلول ... وهْى تنسحب إنها تصيح ... أيها الجريح ضمد الجروح ... ثم قم وثِبْ أدرك الطعام ... فى يد اللئام فهْو بالحسام ... سوف يُجتلب إنه الغضب ... إنه الغضب إنه اللهب ... يحرق الحطب» أظن أننا لا بد أن نعود إلى صلاح جاهين القادم من حقول الثورة المشتعلة، وظل جنديا وفنانا وراعيا لأبنائها طوال حياته الزاخرة والثرية بكل جميل ورائع وعظيم.